في إخراج واضح لوفدي النظام والمعارضة من المعادلة التفاوضية، أعلنت الدول الضامنة (روسيا، تركيا، وإيران) في البيان الختامي للجلسة الثالثة عشرة من مسار أستانة في العاصمة الكازخستانية «نور سلطان» عن موافقتها على وقف إطلاق النار في إدلب، ومحاربة الكيانات الانفصالية والتنظيمات المصنفة أمنياً ويمكن رصد أهم نقاط البيان بإعلان «هدنة هشة» وبروز قلق من تزايد حضور «تحرير الشام».
فيما أكد الباحث السياسي محمد سرميني، أحد المستشارين السياسيين لوفد المعارضة في «نور سلطان» لـ«القدس العربي» إنهاء اللمسات الأخيرة للجنة الدستورية والترتيبات التحضرية كافة لإطلاقها، «بانتظار إعلانها من قبل مبعوث الأمم المتحدة الى سوريا غير بيدرسون».
وأكدت الدول الضامنة، في بيانها الختامي، التزامها سيادة الجمهورية العربية السورية، ووحدة أراضيها، وأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، واحترام القرارات الدولية المعترف بها بما في ذلك أحكام قرارات الأمم المتحدة التي ترفض احتلال الجولان السوري وفقاً للقرار 497 لمجلس الأمن، وضرورة إقرار الهدوء على الأرض من خلال تنفيذ كامل لكافة الاتفاقيات حول إدلب والاتفاقات المعلنة في مذكرة 17 لأيلول/سبتمبر العام 2018.
تهميش المعارضة والنظام
وأعربت الدول الثلاث، عن قلقها من تزايد حضور تنظيم «هيئة تحرير الشام» في المنطقة، مؤكدين عزمهم على مواصلة التعاون من أجل القضاء الكامل على «داعش» وجبهة النصرة والتنظيمات كافة التي صنفها مجلس الأمن في الأمم المتحدة على أنها «ارهابية»، كما ناقش الضامنون أوضاع مناطق شرق سوريا، ورفضوا إنشاء كيانات ووقائع جديدة، بحجة محاربة الإرهاب، بما في ذلك الإدارة الذاتية والكيانات الانفصالية. عازمين على مواجهة هذه المشاريع «التي تهدف إلى تقويض سيادة سوريا ووحدة أراضيها وتضر بالأمن القومي للبلدان المجاورة». من جهتها «حذرت هيئة تحرير الشام» من أنها لن تلتزم بهدنة ادلب في حال قصف مناطق سيطرتها وذكرت أن أي قصف على مناطق سيطرتها في شمال غربي سوريا سيؤدي إلى عدم التزامها بوقف اطلاق النار الساري منذ منتصف الليل في إدلب ومحيطها. وقالت في بيان تلقت وكالة فرانس برس نسخة منه، تعليقاً على الهدنة التي أعلنتها دمشق الخميس ورحّبت بها موسكو «إن أي قصف أو اعتداء يطال مدن وبلدات الشمال المحرر سيؤدي إلى إلغاء وقف اطلاق النار من جهتنا ويكون لنا حق الرد عليه».
كما أكدوا أن «الصراع السوري ينتهي بحل سياسي سلمي عبر الحوار بين السوريين برعاية الأمم المتحدة ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني سوتشي»
وأجرى ثلاثي أستانة الذي همش دور المعارضة والنظام، بحسب ما أبرز البيان الختامي «مشاورات مفصلة في إطار ثلاثي وكذلك مع ممثلي مكتب مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، غير بيدرسن، حول مسائل إكمال وتشكيل وإطلاق اللجنة الدستورية في جنيف وفقاً لقرارات مؤتمر الحوار السوري، وعبرت عن ارتياحها للتقدم الذي حصل في مسألة تنسيق القائمة والإجراءات المتعلقة».
كما أعربت الدول الثلاث الضامنة، روسيا وتركيا وإيران، عن ارتياحها في بيانها الختامي «لما تم إنجازه من تقدم في تحديد قوام ونظام عمل اللجنة الدستورية السورية» مؤكدين على استعدادهم للمساعدة في انعقاد هذه اللجنة في أسرع وقت ممكن، مشيرين الى عملية تبادل المعتقلين، التي نفذها النظام والمعارضة المسلحة خلال انعقاد المؤتمر، وذلك «في سبيل نشاط فريق العمل المنبثق عن مفاوضات أستانة والمعني بشؤون تحرير المحتجزين والأسرى»، باعتباره «آلية متميزة أثبتت فاعليتها وضرورتها لتعزيز الثقة» بين طرفي التسوية في سوريا.
وأكدت الدول، على ضرورة دعم ملف إعادة المهجرين واللاجئين، ودور المجتمع الدولي في تقديم الدعم والتعاون مع الأمم المتحدة، مرحبين بالمشاركة الأولى للبنان والعراق، على ان تكون الجلسة المقبلة في شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام الجاري.
الباحث السياسي محمد سرميني، وأحد مستشاري وفد المعارضة الى أستانة في العاصمة نور سلطان قال للقدس العربي ان الاجتماع حقق هدنة في وقف إطلاق في ادلب، «نعمل على ان تكون الهدنة طويلة ومستمرة، رغم الخروقات الدائمة للنظام ورسيا» مؤكدا على الانتهاء من كافة الترتيبات التحضرية لإطلاق اللجنة الدستورية.
واعتبر سرميني ان ثبات فصائل المعارضة رغم القصف الجنوني على إدلب، والمقاومة الشديدة دفعا الجانب الروسي والنظام للموافقة على الهدنة لو بشكل مؤقت، «ونحن نتوقع خروقات للهدنة بأي وقت، لكن ستبقى المحاولات مستمرة».
أما ملف المعتقلين فقد «أخذ حيزاً كبيراً من النقاش وخصوصاً أنه يعتبر من الملفات المهمة والحساسة وأن الآلية السابقة غير فعالة وهناك حاجة لتغييرها أو تفعيلها لضمان خروج أكبر عدد من المعتقلين» وأضاف «لا بد من التعامل مع ملف المعتقلين بطريقة أخرى غير الطريقة المتبعة حالياً حيث أن ملف المعتقلين ملف كبير وشائك ولا يمكن التعامل معه بطريقة التبادل المتزامن، لا بد ان يتم التعامل مع ملف المعتقلين عند النظام بمعزل عن ملف معتقلي النظام من جهة المعارضة». ولفت المستشار السياسي إلى ان «معظم المخرجات تمت بالمناقشة بين وفد المعارضة والجانب التركي والذي بدوره قام بنقلها وممارسة ضغوط من أجل تطبيقها وهذا ما حصل في ملف وقف إطلاق النار» واعتبر أنه من المبكر الحديث عن هدوء، «لكن هذا ما نسعى به مع الجانب التركي من أجل حماية إدلب ومدنييها لأنه الهدف الأساسي من المشاركة في هذه الجولة».
وقال سرميني لـ«القدس العربي» ان الهدف الأساسي من اجتماع أستانة هو هدنة مستمرة «حالياً حتى عيد الأضحى ويتم العمل على تمديدها لاحقاً، والهدف منها تخفيف مأساة ومعاناة السوريين، والتركيز على أهمية إقرار هذا الوقف ومحاولة تثبيته».
واكد على عدم التطرق لملف عودة اللاجئين ولا اعادة الاعمار وهذا دليل فشل المشروع الروسي الذي حاول الترويج لهاتين الفكرتين مرارا، مشيرا الى ان الوفد الروسي بدا واضحا انه يبحث عن مخرج للمأزق الذي هو فيه وهذا جرى بفضل صمود الفصائل على الأرض حيث أثبت الوفد المفاوض بالدليل أن روسيا لا تحارب الارهاب انما تقوم بقصف المدنيين ومراكز المدن.
موقف المعارضة
وترك البيان الختامي انطباعاً لدى المعارضين السوريين بأن مهام وفدي المعارضة والنظام «كانت مقتصرة على تدوين ما تم تداوله في الجلسة ليس أكثر» معتبرين ان هذا البيان «روسي بامتياز وما تبني وفد أستانة له، إلا تورط مفضوح».
وأشار مراقبون الى البندين التاسع والعاشر من البيان الختامي معتبرين ان «عملية التعافي المبكر دون محددات تضمن عدم استثمارها من قبل مجرمي الحرب واسهامها في تمكينهم محلياً وكنظام حكم وتمديد مفهوم التعافي المبكر الى مفهوم إعادة الإعمار، يعد اسهاماً غبياً او خيانةً من حيث افلات المجرمين من العقاب وشرعنتهم عبر تمكينهم اقتصادياً ومن خلال الإنجاز» كما ان الإشارة لكلمة «آمنة مرة واحدة بدون وجود اي شيء يشير الى التأكيد عليها، فإنها تفسر بألف طريقة، ومنها العودة الى مجرد مناطق توقف عنها القصف، فضلاً عن عدم ذكر العودة الكريمة الطوعية واستعادة كامل الحقوق بل الاشارة لمرجعية المفوضية في رسم سياسات العودة».
القدس العربي