ما هو الهدف الروسي من تعديل عمق المنطقة منزوعة السلاح إلى 30 كم؟

أعلنت وزارة الدفاع الروسية وقف إطلاق نار أحادي الجانب من قبل النظام السوري، على أن يبدأ يوم السبت. وتزامن الإعلان مع حركة احتجاج كبيرة قرب الحدود السورية التركية، اقتحم خلالها المتظاهرون معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا وقاموا بتكسير باصات نقل الخدمة ووصلوا إلى “نقطة الصفر” حيث يتم تبدل سيارات نقل البضائع التجارية الداخلة إلى شمال غرب سوريا. ومع محاولتهم اقتحام بوابة النقطة قامت عناصر الجندرما التركية بإطلاق النار بالهواء لتفريقهم، واستخدمت قوات مكافحة الشغب خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع لإبعادهم عن البوابة.

فيما اقتحم مئات الشبان معبر أطمة الإنساني إلى الشمال من باب الهوى وتمكنوا من فتح البوابة الداخلية وتدفق العشرات منهم وتبعهم بعض الأسر وحاولوا التوجه إلى مدينة الريحانية التركية القريبة، لكن اعترضتهم قوات حرس الحدود التركية ومنعتهم من التوجه إلى هناك.

ودفعت الحكومة التركية بوحدات من الجندرما ومكافحة الشغب إلى الحدود السورية مع تطور الأوضاع قرب المعبرين المذكورين. ولم يسجل سقوط قتلى في الأحداث واقتصرت على جريح في منطقة أطمة وحالات اختناق بسيطة في معبر باب الهوى.

إنسانيا، انتقد موفد الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، الخميس في إحاطة أمام مجلس الأمن حول الأوضاع في سوريا، تصاعد العمليات العسكرية وقال: لا يمكن تعريض حياة ثلاثة ملايين مدني للخطر في منطقة إدلب، من حقهم أن يحظوا بحماية بموجب القانون الإنساني” مضيفا “يجب أن تتوقف الأفعال التي تؤدي إلى قتل السكان ونزوحهم”.

وقال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، أن مجلس الأمن “يستطيع اتخاذ تدابير ملموسة الآن لحماية المدنيين وضمان الاحترام الكامل للقانون الدولي الإنساني” مذكّراً بأن “ثلثي المدنيين المحاصرين في إدلب هم نساء وأطفال” منتقدا تدمير المناطق المدنية.
ووصف السفير الأمريكي جوناثان كوهين النظام السوري وروسيا بغير الصادقين “حين يتحدثان على أنهما لا يسعيان إلى حل عسكري للنزاع” رافضا ذريعة مكافحة الإرهاب.

ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن 969 مدنيا بينهم 261 طفلا و167 سيدة منذ بدء الحملة العسكرية الروسية في 26 نيسان (أبريل) ولغاية 27 آب (أغسطس).

على الصعيد السياسي، ألمحت وسائل إعلام روسية إلى توصل الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان إلى تسوية جديدة متعلقة بإتفاق خفض التصعيد جرى خلالها تعديل البند الثالث من اتفاق سوتشي الموقع في 17 أيلول (سبتمبر) 2018 بين روسيا وتركيا، والذي ينص على “إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15-20 كيلومتراً داخل منطقة خفض التصعيد” ليصبح عمق المنطقة 30 كم داخل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

وتهدف موسكو من تحديد هذا العمق، أولا إخراج السلاح الثقيل للفصائل وثانيا إبعاد كافة مقاتلي الفصائل التي تصفها روسيا بالمتطرفة من المنطقة المحددة بناء على البند الخامس من اتفاق سوتشي (إبعاد جميع الجماعات الإرهابية الراديكالية عن المنطقة منزوعة السلاح).

ان فرض العمق الجديد للمنطقة منزوعة السلاح يعني أن كامل منطقة ريف إدلب الجنوبي وأريحا وجسر الشغور وسراقب ومعرة النعمان وريفها وكامل ريف حلب الجنوبي وأجزاء واسعة من ريف حلب الغربي، يعني عمليا حشر الفصائل بالقرب من الحدود التركية وحصرها في مدن سلقين وكفر تخاريم وحارم.

ومع فرض عمق 30 كم تصبح طرقات الترانزيت داخل المنطقة منزوعة السلاح وهو ما سيسهل فتحها على اعتبار أن المجموعات “الراديكالية المتطرفة” ستكون خارج المنطقة تلقائيا حسب نص الاتفاق القديم.

وفي ظل التكتم التركي الشديد على ما آلت اليه الأمور بعد لقاء الرئيسين فيما يتعلق بتسوية جديدة، من غير المستبعد أمام الضغط الروسي الشديد على الأرض وضعف الموقف التركي، أن يصح ما ورد من تسريبات سابقة حول عزم روسيا إخراج الفصائل كلها من المنطقة منزوعة السلاح الثقيل وعدم اقتصار ذلك على الفصائل الجهادية أو على السلاح الثقيل، ويعزز تلك الفرضيات ما تناقلته صفحات مقربة من النظام وميليشيا النمر التي يقودها سهيل الحسن، والتي تحدثت عن عودة مؤسسات الدولة والمخافر الشرطية برعاية روسية تركية مشتركة مقابل تجنيب معرة النعمان وسراقب عملية عسكرية والسيطرة بالقوة على الطريق الدولي.

السيناريو أعلاه هو الأقرب لأهداف روسيا واستراتيجيتها من سيناريوهات أخرى. وهو الذي تعمل عليه تركيا وربما تفضله كي لا تخسر إدلب بشكل كبير، وهو سيناريو فتح طريقيM5  و M4  وتعهدها بضمان سلامته. لكن يبقى هذا الاحتمال منوطا باعتراض روسي هدفه تواجد الشرطة العسكرية على الطريقين على شكل دوريات منسقة مع القوات التركية. وهنا تدرك أنقرة صعوبة ضبط الفصائل الجهادية والجهد الكبير الذي ستتحمله في تأمين الطريق وهو أمر شبه مستحيل. فأمن الطريق لا يقتصر على هيئة “تحرير الشام” التي أعلن قائدها الجولاني عن استعدادها لفتح الطريق، وانما سببه وجود الفصائل المرتبطة بالقاعدة “حراس الدين” وباقي الفصائل الجهادية مثل “أنصار التوحيد” و”جبهة أنصار الدين” و “القوقاز” و”الحزب الإسلامي التركستاني لنصرة أهل الشام”.

ويزيد سوء مستقبل إدلب غياب الفاعلية السياسية عنها. فالمعارضة الرسمية غارقة بتجاذبات سياسية داخلية وانشغالها بتشكيل حكومتها المؤقتة وحراك سياسي ومدني “إدلبي” باهت معطل بسبب تحجيمه من قبل تحرير الشام تمثله “الهيئة السياسة في محافظة إدلب”.  ومع غيابها يغيب وفد المعارضة العسكرية إلى أستانة والذي ينتظر أيضا ما سيتوصل إليه الأتراك بدون دراية كافية أو مشاورات معه، في حين ينتظر السوريون منه مصارحة ومكاشفة حول إتفاق سوتشي الذي ارتهنت مصائرهم فيه.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.