قد حان الوقت لمحاسبة النظام

د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

لقد تغاضى المجتمع الدولي عن تحول الصراع في سوريا لصراع مسلّح ومدمّر وحرب همجية تستخدم فيها كل أنواع الأسلحة، بسبب ادعاءه العجز القانوني الشكلي عن التدخل المغطى بالفيتو الروسي الصيني، والمبرر فعلياً بشبكة مصالح دولية (لا أخلاقية)، يمكن تحقيقها بثمن رخيص بالنسبة لهم، هو دمار سوريا ونكبة شعبها ، مما يعكس حقيقة أن استنزاف سوريا واضعافها يتقاطع مع مصالح معظم الدول النافذة الطامعة بالسيطرة على المنطقة، نظراً لأهميتها الاستراتيجية .  قد حان الوقت لمحاسبة النظام قد حان الوقت لمحاسبة النظام قد حان الوقت لمحاسبة النظام

وهكذا كان لصفقة (أوباما – روسيا) عام 2013 شرطين أساسيين هما قبول ايران بتوقيع المعاهدة النووية، وتسليم كل صنوف أسلحة الدمار الاستراتيجية التي يمكن أن تحقق توازن ردع مع هذه الدول المهيمنة عالمياً، أو تهدّد إسرائيل، وهكذا ضَمِن النظام استمرار عمليته العسكرية لسحق ثورة الشعب، وأخذت الدول المتدخلة الضوء الأخضر لمتابعة عدوانها الهمجي على سوريا، خاصة روسيا وايران، بينما وقف الغرب متفرجاً ومنتظراً نجاح سياسة استنزاف الخصوم التي رسمها لإدارة الصراع على سوريا.

وبعد أن استكمل الحلف الإيراني الروسي القضاء على معظم التنظيمات الجهادية المقلقة للغرب التي هيمنت على الثورة السورية، تحت غطاء مسار سوتشي الذي شاركت به تركيا مع الأسف وقسّم متخاذل من المعارضة السورية، حيث لم يتبق سوى منطقة صغيرة تسيطر عليها هيئة تحرير الشام التي لا تنتمي للقاعدة إلا بشخوص زعمائها المأجورين لإيران، والتي أصبحت تركيا عملياً هي مسؤولة عن أي فعل إرهابي خارجي تقوم به الهيئة، بعد انجاز ذلك تم تمرير مشروع اللجنة الدستورية بشروط النظام وحلف سوتشي، و بترحيب غربي يهدف لإعادة ملف التسوية للأمم المتحدة شكلاً.

لكن السير قدماً في هذا المشروع أصبح أداةً فعالة بيد حلف سوتشي لاستعادة الشرعية الأممية لعملية هيمنة النظام (وهم من ورائه) على كامل سوريا، بما يعنيه ذلك من تقويض لمجمل المصالح الغربية، ومن تهديد أمني خطير للوجود العربي ولإسرائيل يتجسد في هيمنة وترسيخ النفوذ الإيراني في سوريا وكامل الشرق الأوسط تحت عنوان حلف المقاومة للعدو الصهيوني. لذلك صار من الضروري استخدام الأدوات التي يملكها الغرب لوقف ذلك، بعد أن انتهت سياسة اضعاف سوريا بتقوية إيران وحلفها مع التيار الإخواني السنّي، الذي صار نموذجاً يهيمن على المنطقة، متجسداً بتحالف حزب الله وحماس نموذجاً، أو بشكله الأوسع: تحالف إيران وتركيا وبعض الدول العربية والمدعوم من روسيا والصين.

ونظراً لأن بقاء النظام السوري هو الضمانة لبقاء الاحتلال الروسي والإيراني في سوريا، فقد أصبح استهداف هذا النظام هو الأداة الفعّالة لقلب الطاولة، أي حان الوقت لاستخدام أدوات وضعت طويلاً في الدرج، أهمها عدم التزام النظام بتسليم السلاح الكيميائي والذي ضمنته روسيا، وهو ما سيحرج الروس كثيراً ويبرر دولياً التدخل، نظراً لقرار سابق لمجلس الأمن بهذا الخصوص، أي أنه حان الوقت غربياً لإعادة فتح ملفات جرائم الحرب (الأسلحة الكيميائية )، سيزر، التغيير الديموغرافي، واستهداف وتهجير المدنيين، من أجل تبرير زيادة الضغوطات الاقتصادية والديبلوماسية، مع السعي لزعزعة استقرار النظام من الداخل، بالتزامن مع استمرار الضغط على إيران وحلفائها، وزعزعة الأرض تحتها خاصة في العراق والشام.

هذا التغيّر الدولي يتوافق مع سعي الشعب السوري لنزع الشرعية عن المسار الدستوري، والعودة لمبادئ التسوية التي اقترحتها جامعة الدول العربية وبيان جنيف 1، أي تشكيل سلطة انتقالية توقف القتال وتستعيد الأمن وتوفر بيئة آمنة لعودة المهجرين، وتهيء البيئة اللازمة لاستعادة الحياة السياسية، التي تتوج باجراء انتخابات تشريعية تعيد انتاج العقد السياسي الوطني السوري، وتنتخب السلطة التي يرضاها الشعب.

الدول المتضررة من الاحتلال الإيراني والروسي لسوريا وتوسع نفوذهما عبر الشرق الأوسط عموماً، سوف تدعم هكذا مسار، لأنها تدرك أن إخراج ايران، واضعاف هيمنة روسيا مرهونة بعودة الشعب السوري الذي هجره العدوان الإيراني والروسي، فلا توجد وسيلة ولا قوة على الأرض تستطيع فعل ذلك غير الشعب ذاته، والذي لا يمكن أن يعود من دون وجود سلطة تقبل بعودته الآمنة، وتريد إخراج ميليشيات ايران، أي أن اسقاط شرعية النظام بتفعيل ملفاته الجرمية أصبح هدفاً مشتركاً للشعب السوري والدول الغربية معاً، وهذا يعيد المسألة لأصلها: وهي أن الصراع بين الشعب والسلطة في سوريا ذو طابع جنائي وليس سياسي، شعب هو ضحية سلوك سلطة مجرمة مرتكبة لكل أنواع الجرائم بحقه، ويجب محاسبتها.

فالغرب الذي لا يبدي رغبة في التورط بعمل عسكري في المنطقة، أو باحتكاك خشن مع الدول النافذة فيها، يمتلك الكثير من الأسلحة الناعمة الفعالة التي يمكنه استخدامها، مما يغيّر موازين المعادلة ويفتح آفاقاً جديدة أمام الثورة لتحقيق أهدافها، بواسطة استمرار الشعب السوري في نضاله بكل أشكال النضال المتاحة، وبشرط عدم تمكين الخونة والمأجورين من التكلم والتفاوض باسمه.

إن استمرار الرفض الشعبي للمسار الدستوري، ولشخوص قيادات المعارضة المدجنة التي صارت حليفاً موضوعياً للنظام، مع تفعيل برامج محاسبة النظام على جرائمه دولياً، هي أدوات المرحلة القادمة، والتي تساير التغيرات الكبيرة التي تحدث داخل النظام وفي حاضنته الاجتماعية، والتي ستسهل وصول سلطة انتقالية توافقية، عندما تنجح عملية اضعاف النظام واسقاط شرعيته داخلياً ودولياً، وربما اسقاطه جسدياً إذا تعنت الروسي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.