ماذا يحمل لنا عام 2020

د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

مع بداية هذا العام تتسارع الأحداث ، ويزداد الأمل في أن يحمل العام الجديد ما يغير هذا الحال الذي دام تسع سنوات حتى الآن، أبدى خلالها الشعب السوري كل الإصرار على متابعة ثورته بالرغم من الظروف الصعبة التي مر بها ، فلسان حاله ما يزال يقول لا رجعة للوراء بعد كل هذه التضحيات ، العام الماضي كان الأسوأ سياسياً على الثورة لأن المعارضة أسقطت شعار إسقاط النظام ودخلت متاهة مشاركته على السلطة ، فشهد العام المنصرم إسقاط الشارع لكل هيئاتها ومنظماتها وسحب الشرعية عنها، بشخوصها ومنظماتها وأحزابها العصبوية … فالنظام والمعارضة أيضا يجب أن يسقطا معا ، الفساد والاستبداد والفوضى والتسيب والمحسوبيات والعصابات والمزارع كلها يجب أن تسقط بفعل الثورة ، للتمهيد لقيام دولة المواطنة دولة الحق والقانون والسيادة والعدالة والمؤسسات ، التي هي أسس مطالب ثورة الشعب السوري الذي لم يشعر أنه يعيش في وطن خلال تاريخه الحديث، الدولة بالنسبة له كانت أشبه بسجن أو وحش، لذلك أهمل في ثورته مفهوم الدولة ولم يعطه الأهمية المطلوبة ، وطغت الأيديولوجيات والانتماءات على مفهوم الوطن ، وساد مفهوم العمل العصبوي على حساب بناء المؤسسات ، والشخصنة والعمالة للخارج على حساب السيادة والاستقلال ، حتى المناطق التي تحررت من النظام لم تصبح وطنا بديلا بل تحولت لإمارات حرب… وهذا هو السبب الأهم لما وصلنا إليه من حال .

وتبين للشعب السوري بنتيجة التجربة المريرة مدى الحاجة لوجود قيادة وإدارة أمينة ومخلصة تعبر عنه وتستثمر جهوده وإمكاناته ، فقد ضاعت معظم تضحياته التي قدمها ويقدمها بسبب عدم وجود إدارة ومؤسسات وتنظيم ، وظهرت بشكل جلي ضرورة تغليب الانتماء الوطني على ما عداه من انتماء أيديولوجي حزبي أو أهلي ( قومي ، مذهبي، أو عشائري أو مناطقي ) … لذلك أتوقع أن يكون العام القادم عام الثورة الوطنية ، بعد وضوح حجم الخراب والدمار الشامل لكل مقومات الدولة الوطنية ماديا ومعنويا ، خاصة في مستوى الثقافة الموروثة من العهد الماضي ، وبعد إدراك كل قطاعات المواطنين بما فيهم مواطني الداخل أنهم خاسرون في هذه الحرب طالما بقي هذا النظام .

الشعب السوري يشعر بحرقة غياب الوطن ومرارة الاحتلال ، لذلك أتوقع أن تبدأ خطوات التقارب بين المواطنين باختلاف ظروفهم ( إن كانوا تحت نير التشبيح الأسدي والمحتلين في الداخل ، أو في المحرر تحت القصف وحكم العصابات ، أو في دول اللجوء المذل ) ، سوريا التي يحملونها كهوية ويحبونها لابد أن تصبح وطنا للشعب السوري لا مزرعة لشخص أو حقل لعصابة ، سوريا يجب أن تكون لجميع أبنائها الشرفاء والأحرار .

المتوقع هذا العام أن يصبح الوطن هو الشعار ، وليس اسقاط النظام أو المعارضة والنظام ، ففعل الاسقاط يجب أن يترافق بفعل البناء ، على الأقل المؤسسات الثورية التي تنظم وتستثمر قدرات الشعب . هذا على الصعيد الداخلي ،
أما على الصعيد الخارجي فما يبعث على التفاؤل بعد خذلان جميع الدول للشعب السوري هو ثورات الشعوب العربية التي تنتفض ضد نظمها خاصة ثورة لبنان والعراق ، التي أثبتت أنه لا إمكانية لاستمرار نظم القمع والفساد التي تساند بعضها البعض . وأثبتت أن الاستقرار والتقدم له عنوان واحد هو دولة الحق والقانون والعدالة والحرية . وأنه لا بديل عن الحرية للوطن والمواطن ، ولا بديل عن السيادة والاستقلال . وهي عامل مهم في تقويض سطوة ايران على المنطقة ، ومساعد للدول التي تريد ذلك والتي يتوقع لها أن تتحرك مستفيدة من هذا الظرف للجم العدوانية الإيرانية ، وافشال مشروع الهلال الشيعي بما يحمله من تهجير وتغيير ديموغرافي منهجي واسع يطال العرب السنة في العراق وسوريا أساسا .

أيضا ما يبعث على التفاؤل دوليا هو تحرك بعض الدول على مستوى محاسبة النظام على جرائمه ، والحصار الاقتصادي الخانق الذي يفرض عليه وعلى داعميه خاصة الإيرانيين ، واستمرار رفض أي عملية اعادة إعمار أو لاجئين قبل حصول انتقال سياسي يلغي النظام القائم ، ولا يستبدله بالمعارضة المستبدة الفاسدة على شاكلته ، ولا بالشراكة بينهما تحت عنوان التسوية السياسية، التي تفشل بحمد الله بسبب طبيعة النظام الغير قابلة للتغير .
العامل الأهم خارجيا هو التنافس والتناحر الدولي الذي يهدد بحروب اقليمية وعالمية ، الجميع سيحاول تجنبها ، وهذا ما يمنح للشعب فرصة استعادة استقلاله ضمن توازن قلق بين القوى المتدخلة .

المهم بالنسبة لنا كشعب أن نستمر بالرفض والعصيان والثورة ، وأن نصر على العدالة والمحاسبة ، التي يجب أن تطال النظام المجرم والمعارضة أيضا ، أي كل من تلطخت يديه بدماء الأبرياء أو سلب المال العام وأفسد في الأرض وسولت له نفسه ، فهذا حق شخصي لملايين الضحايا من قتلى وجرحى ومهجرين ، ولا يموت هذا الحق إذا كان وراءه مطالب … ولا يخضع للتسويات الخارجية التي يقوم بها النظام المستعد لبيع كل شيء حتى حليفه الإيراني الذي أصيب بالارتباك الشديد بمجرد مقتل شخص .

في بداية هذا العام يشعر السوريون بشكل متزايد بمدى الحاجة لوجود وطن لهم ، ولكنهم لن يستطيعوا الشعور ببعض التفاؤل من دون أن يقفزوا فوق الاصطفافات السابقة التي فرقتهم نحو المستقبل الذي يعيد لهم وطنهم المفقود ، لذلك نأمل (ونعمل) ليكون عام 2020 عام خير وخلاص نتمناه لسورية الحبيبة، سائلين الله العون والفرج .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.