كورونا.. باقية وتتمدد



د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني
الدكتور كمال اللبواني

لا أدري لماذا يصر الجميع على التعامل مع فيروس كورونا كذكر قبل أن نتعرف على حقيقته، لأنني أميل للتعامل معه كأنثى أسوة بداعش، ومع أن الخلاف حول تأنيثه وتذكيره لا يعتبر جوهريا، لكنه قد يعبر عن تغير مشاعر الرجل نحو المرأة وتغير سلوكها معه بعد الوصول لسن معين يجعل من يبلغه هدفاً سهلاً لكورونا وغير كورونا من المعتديات.

كما لا أدري إن كانت كورونا الجانحة قد تسربت فعلاً من أحد المختبرات العسكرية السرية، التي لا نعرف ماذا تحضّر للبشرية من كوارث، كونها لا تخضع لأي رقابة (بحجة الأمن القومي) المزعوم، المحروس من قبل الحزب الشيوعي والمخابرات الوطنية والمنظمات الشعبية والعمال والفلاحين، ناهيك عن الجيش الأحمر والأصفر و الساموراي ، بما يتناسب مع طبيعة النظام والمجتمع المنغلق الذي يكره الاختلاف والخصوصية والحرية، ويرتدي وجوهاً خشبيةً متشابهةً  تتجنب ظهور الإنفعالات عليها، لدرجة أننا لا نعرف شخصاً من آخر، أو نميز إن كان سعيداً أم حزيناً أم غاضباً، ولا نعرف حتى من هو المالك الحقيقي لهذه الشركات العملاقة التي تظهر فجأة وتنشر بضاعتها في العالم كما جائحات الفيروسات، بذات المنطق الصناعي والاقتصادي والتجاري والسياسي والاجتماعي والبشري السائد في الصين، والمكرس في مؤلفات “ماوتسي تونغ”  الأب الروحي للصين الفيروسية.

فإذا كان الشعب الليبي بالنسبة للقذافي حشرات وجراثيم، فإن المواطن بنظر النظام الفيروسي الحاكم نملاتٌ عاملاتٌ وفيروساتٌ ذكيةٌ تتسلل خلسةٌ لتضرب هيئة حماية الملكية الفكرية وتدمر أسس مناعة الاقتصاد العالمي، لذلك لا أستغرب أن تفكر العبقرية الصينية الشيوعية الشعبية بتصنيع هذا النوع من أسلحة التدمير الشامل التي تخدم أيديولوجيتها، لعراقتها في عمليات التدجين والإبادة الجماعية, وسعيها الدائم لتطوير أدوات القمع والقتل التي لابد منها لانتصار الشيوعية (الجنة الأرضية) بفعل العنف الذي يحرك التاريخ، كذلك بالنظر لإغراء هذا النوع من الأسلحة الزهيدة الثمن والسهلة التصنيع والتوزيع, والتي بمجرد إطلاقها تتكاثر ذاتيا وتنتشر في كل مكان وتهدد الجميع, إلا من كان ملقحا مسبقا ضدها (من أعضاء الحزب الحاكم مثلاً) كما انتشرت العقيدة الشيوعية عندما اجتاحت العالم كوباءٍ ضرب الشعوب في أصقاع العالم… وكلها كوارثٌ تعاملنا معها بتاء التأنيث وليس واو الذكورة.

لا تفيد في مواجهة كورونا معظم المطهرات، ولا يفيد في تعقيمها سوى النار التي يهلك الله فيها الأشرار في دار الآخرة، مناعة الإنسان تكون هزيلة كلما كان الفيروس من صيغةٍ جديدةٍ مبتكرةٍ لم تتعرف عليها، و عملية إيجاد دواءٍ لفيروس, هي عمليةٌ غير ناجحةٍ أو فعالةٍ حتى الآن، نظراً لتركيبته التي تقتصر على غلافٍ وحموضٍ أمينيةٍ نوويةٍ، أما إيجاد لقاحٍ فعالٍ لفيروسٍ جديدٍ، ثم تصنيعه بكمياتٍ كافيةٍ, فهي عمليةٌ صعبةٌ, وتحتاج لوقتٍ طويلٍ وكلفةٍ ماديةٍ باهظةٍ ، ناهيك عن كلفة التدابير الوقائية، وكلها صفاتٌ تنطبق أيضاً على الشيوعية وداعش، والكثير من المصنفات في باب التأنيث المفروض عليه الحجاب والوقر (ليس من غير سبب).

أنا فعلاً لا أدري إن كانت كورونا مجرد طفرةٍ بريئةٍ ولدت عفوياً في عالم الفيروسات كما ولدت داعش والشيوعية، لكن هكذا اعتبار أخطر بكثير من السابق ، لأنه يعني أنها ناتج فعل القضاء الإلهي وليس االبشر، طالما أننا مؤمنون بالله وحفظه للكون وتحكمه بكل ما يحدث فيه، والذي يشمل الصدفة والفعل الإرادي معاً (ما عدا النوايا التي تبقى حرةً, يحاسب هو عليها) ، أنا هنا لا أدَّعي القدرة على إدراك الحكمة والغاية من القضاء، لكنه مطلوبٌ منَّا دوماً التفكر في هذا القضاء، في سياق علاقتنا الدينية مع الله، ضمن اعتبار أن :

 كل ما يأتي الله ، فهو خير :

كورونا أرسلها الله تناقض وتغير معظم ما نسير عليه، فالطبيب مثلاً لا يتعاطف مع المريض ولا يبذل الجهد الكافي لشفائه، بل يستعين بخبرات وقدرات فروع الأمن والجيش، ويستخدم تقنياتهم وخبرتهم في التجسس والاستقصاء والحجز والعزل والقمع وأسر الحريات، والتعامل مع المحتجزين الخطرين الذين يساهمون في انتشار الثورة من “المندسين”، وتتحول المشافي لشيءٍ شبيهٍ بالفرع 215 للأمن العسكري في سورية. بينما تتحول فروع الأمن المختلفة وقوات الجيش في الصين, من سحق المحتجين في ساحة السلام الأبدي ( تيان مين )، للدفاع عن الشعب في حدثٍ نادرٍ لا يتكرر في الدول الشمولية… كورونا هنا أداة القضاء والقدر لفرض الديموقراطية حيث لا تجد لنفسها إمكانية الوجود.

أما إذا كانت كورونا قد تسربت من مصانعٍ ومختبراتٍ صينيةٍ سرية ، فحكمة القدر من ذلك التسريب أن يوْقِعهم في شر أعمالهم، وفَضْح أمرهم، وهذا بمثابة مسمارٍ جديد في نعش الحزب الشيوعي الذي يستعبد الشعب الصيني، والذي يستحيل مقاومته أو التمرد عليه، فقد أرسلها الله لهم نعمةً لتخلصهم من هذا  النظام الفاسد الجاهز لإبادة شعبه لو شق عصا الطاعة العمياء، النظام الذي يتطوع تلقائياً لاستخدام الفيتو ضد الشعب السوري في كل مرة يتذكر فيها المجتمع الدولي مسؤوليته عن وقف عمليات إبادة الشعوب وتهجيرها، فالصين تلقائياً كأي روبوتٍ آليٍ مؤدلجٍ ترفع حق النقد في وجه كل ما يمت للنظام السوري، لأنها تدافع عن نموذجها كنظامس فيروسيٍ استبداديٍ مافيويٍ مجرمٍ انتهيت إليه الأنظمة الشيوعية كلها, واستطاعت أن تنقل عدواها للفكر الاسلامي والقومي لتنتج لنا أخواتها كداعش الإسلامية والبعث العربي الإشتراكي.   

قد تكون كورونا من ضمن خطة اقتصادية تنموية عبقرية، تتناسب مع العقلية الشيوعية التي أنتجت قتل السكان الجماعي والثورة الثقافية والتعقيم الإلزامي، لتخفيض عدد السكان على حساب المرضى والعاجزين والكبار في السن، والأطفال الصغار والفقراء, من دون أن تطال الطليعة الثورية المحصنة ضد كل الآفات القانونية والجزائية، والتي لا تقيم وزناً إلا لأرقام النمو الفقاعي في الخطط الخمسية.

أنا لا أريد تبرئة القضاء والقدر من مسؤوليته عن ظهور كورونا، فلو شاء لما ظهرت، لكنني معنيٌّ فقط في فهم غاياته، ما غايته مثلاً من أن تنطلق هذه الكارثة من الصين وليس غيرها  ( الهند أندونيسيا الكونغوكنشاسا أو فينزويلا برازافيل أو أرخنتينا )  فالبشرية لا تشهد هذه الأنواع من الجائحات الفيروسية إلا كل عقد من الزمن تقريبا ( نتذكر منها: أيدز القرود، وإنفلونزا الطيور، والخنازير، والسارس، وصولاً إلى كورونا الخفافيش) وماذا عن توقيت خروج كورونا الخفافيش,  وعن تأثيرها  على الصين واقتصادها المسيطر على الاقتصاد العالمي كالسرطان، والذي تسبب بتهديده بحصول انهيارات كبرى فيه،

الدول الفقيرة والنامية والعالم الثالث عاجزةٌ عن  تشخيص المرض وعلاجه وشراء لقاحات ضده لو توفرت، لذلك هي مستسلمةٌ له سلفاً، مما يساهم في استمرار انتشار وتفشي المرض, وترسخ مملكة كورونا التي توسع تمددها كما هو حاصلٌ حتى الآن، “دولة داعش” بالمقارنة مع “دولة كورونا” مجرد مزحة،  والإرهاب والخوف الذي تنشره أكبر وأخطر، يطال كل إنسانٍ في عقر داره، عندها قد تكون كورونا رسالة تحذيرٍ يرسلها القضاء والقدر للعالم الذي تخلى عن كل ضميرٍ انسانيٍ أو شعورٍ بالمسؤولية تجاه الآخر أو حتى تجاه البيئة التي يعيش فيها ويتعامل معها ومع الشعوب بكل تجبرٍ وهمجية.

كورونا, قد تكون عقاباً للمجتمعات لأنها تفاقم حاله الشك والحذر من الآخر، ومن كل تجمعٍ للبشر أو احتكاكٍ بينهم، وتوظف كل شخصٍ رقيبا على الآخر جاهزًا لقمعه، مستعداً لإتلافه ، كما فعلت داعش قبلها وسبقتها الأنظمة الشيوعية التي توظف كل شخصٍ للتجسس على الآخر، فالمريض يفقد التعاطف ويعامل كمجرمٍ ومنبوذٍ أكثر من اللاجئ السوري في لبنان الشقيق، يحجر ويرش بالمبيدات، ويحرم من الزيارة ومن أي حقوقٍ بما فيها حق الدفن بعد الموت، فيحرق مع أشيائه التي أحبها، بقرف واشمئزاز، ولا يجد ذويه الفرصة للحزن عليه بسبب خوفهم من انتقال العدوى، أو بسبب وضعهم المسبق في الحجز الاحتياطي لأنه قريبهم، ونادراً ما يتذكرون حسناته بعد مماته، بقية المجتمع يعاملون أهله وذويه معاملة المنبوذين والسفلة والمهاجرين الأجانب لدول أوروبا العنصرية، والكثير من البشر اليوم, لا يميزون بين الصيني (طعاما أو شخصا أو بضاعة أو فيروسا ). معظم المطاعم الصينية أغلقت، ومعظم الرحلات للصين توقفت، وأصبح كل قادمٍ يحمل ملامح صينية مشتبه به. تحت شعار لتتجنب كورونا فتش عن الصين، كما فتشوا عن الإسلام والمسلمين لتجنب داعش.  

 فعلا تبدو الكثير من المسائل في هذا العالم مستعصية الحل من دون تدخل القضاء لتغيير المعطيات التي تقوم عليها، فهي دواءٌ مرٌ لها، ومعظم الأدوية مركبة من سمومٍ مرةٍ الطعم لكنها ضرورية، وهكذا قد تصبح كورونا التي نبحث عن علاجٍ لها، هي بذاتها دواءٌ لأمراضٍ لم نستطع البراءة منها كبشار وخامنئي… الخطر الذي تشكله لا يأتي من العدوّ الذي تكره، ولا من طائرات روسيا وجيش النظام  التي تقصف، بل من أقرب المحببين إليك, الذين تتحالف معهم، ربما كانت حكمة القضاء هي استخدام كورونا علاجاً للتعصب القومي والعنصري والديني والمذهبي الذي ينتشر في العالم.

“دولة كورونا” التي تتمدد, تهز أركان النظام الاقتصادي والأخلاقي العالمي، الذي يستحق العقاب، سبق للقضاء أن أرسل مثلها بعد الحرب العالمية الأولى لتحصد ٥٠ مليون أضيفوا لضحايا الحرب، بغض النظر عن الجبهة التي يقفون فيها، قائلاً للعالم: إذا كنتم ساعين لقتل بعضكم, فالقضاء سيسعى لقتلكم جميعا.

هكذا نفهم أن القضاء قد بعث علينا كورونا كما بعث على من قبلنا، رسالة تحذيرٍ للعالم المغرق في الأنانية والظلم، لتُحدِث الضرر والاضطراب في نظام العالم كله، لأن ذلك هو الأمل الوحيد في علاج القضية السورية والفلسطينية، وقضايا غيرهم من الشعوب المنكوبة، كالإيغور والشيشان ، خاصة لو قضى الله  وقدر أن يتفشى هذا المرض في روسيا أيضاً بعد إيران, علهم يتوقفون عن قصف ادلب.

كورونا ليست شراً لأنها قدرٌ وقضاء، فهناك الكثير من المظلومين يتضرعون بالدعاء لكورونا بالنجاح والتوفيق كلما تذكروا من ظلموهم, وتمنوا أن ينالوا ما يستحقون عدواً بما فعلوا… فهناك فعلاً من يحب كورونا، ومن هو بحاجةٍ لعقابها العادل بعد أن منحته عدالة العالم كل الحصانة والمناعة ضد الحق، بالرغم من أنها فيروسٌ شيوعيٌ أمميٌ إرهابيٌ حقيرٌ يضرب في هذا العالم الأكثر منه دناءة.  

ألم يكن من الأفضل لنا أن لا نعتبرها من القضاء والقدر، لكي لا نجعل منها استجابةً لدعاء الشعب السوري, وتوزيعاً للعنته على جميع المشتركين في دمه … تحت شعار ( ما لنا غيرك يا الله )، إذا كنت لا تريد أن تنصرنا, فاضرب عدونا وامحقه معنا. فلا ضير من العدالة حتى في توزيع الكوارث, حتى لا نتهم القضاء بالظلم.



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.