(بأسلحة ناعمة) انطلقت الحرب الكونيّة الثّالثة


د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني
الدكتور كمال اللبواني

ظهرت النوايا، وبدأت تتكشّف الإجراءات التي تريد دول العالم الأول اتّخاذها بحقّ الصين بحجّة وباء كورونا، والتي تخفي خلفها رغبة جامحة لتحطيم اقتصاد دول كثيرة في العالم الثاني، أصبحت هي المرشّح القوي للهيمنة على العالم في عصر العولمة. الحرب

دول العالم الأوّل التي دخلت في أزمة اقتصاديّة خانقة منذ أن فقدت قدرتها على التوسّع الأفقي، واضطرت للتوسّع العامودي التضخمي الذي وصل مرحلة تهديدها بالإفلاس التام، وجدت مبرّرها لإطلاق الحرب التجاريّة والاقتصاديّة الواسعة والتغييرات البنيوية الكبيرة في نظام الاقتصاد العالمي ككل وفي الأنظمة القومية أيضاً، متخلّية بشكل واضح عن قيم التنافس الحرّ والليبرالية التي ميّزت نمط الإنتاج الرأسمالي عبر أربعة قرون من عمره. لقد تحقّقت أخيراً نبوءة “كارل ماركس” باختناق الرأسمالية عند اكتمال توسّعها، كنمط إنتاج قائم على التوسّع  ينهار من دونه. الحرب الكونيّة 

الإعلام الغربي وبالتناغم مع السياسيين، باشر حملة إعلاميّة واسعة وممنهجة باتجاه اتّهام الصين بتسريب الفيروس والتستّر عليه واتهام منظّمة الصحة العالميّة بالتقصير والتواطؤ والتسبّب بأضرار اقتصاديّة وبشريّة هائلة، تجتمع اللجان الاقتصاديّة والسياسيّة لدراسة سلسلة الإجراءات الواجب اتّخاذها، ووضع الخطط المتكاملة لتقويض نظام الصين واقتصادها المصمّم بطريقة سرطانيّة لابتلاع العالم.

نعم لقد انطلقت الحرب الكونيّة الثالثة بأسلحة ناعمة، ولكنّها قد تتفجّر وتتطوّر وتستخدم أسلحة أكثر خشونة، مع أنّ العالم كلّه مدرك أنّ اللجوء لأسلحة الدمار الشامل سيعني نهاية العالم، بسبب توازن الردع، المشكلة أنّ أسلحة الحرب الناعمة هذه لن تمرّ عبر المحيط الأطلنطي مباشرة من أمريكا نحو الصين، بل هي حتماً ستمرّ عبر الشّرق الأوسط وأوروبا وعبر العالم القديم، حيث ستحتدم الصراعات والأزمات وتنهار الدول والنّظم، فوطيس المعركة السياسي والأمني سيكون في دول العالم الثالث.

بدأت الحرب الكونيّة، بحرب أسعار النفط بين الخليج وروسيا، وغداً ستتعزّز بقرارات الحجز على أرصدة وممتلكات الصين وشركاتها عبر العالم، وإطلاق نظم المقاطعة والحصار، وإعادة هيكلة الاقتصادات القوميّة لتلغي اعتمادها على اقتصاد الصين وما شابهه من دول استطاعت القفز من العالم الثالث للعالم الثاني. نعم، لقد كشّرت الرأسماليّة الغربيّة التي تحكم دول العالم الأوّل عن أنيابها وأخرجت أظافرها، وتخلّت عن قيمها ومبادئها الليبراليّة التي طويلاً ما تغنّت بها وبرّرت بها سياساتها وسلوكها، فنشر الحرية كان دوماً شعارها في التمدّد في العالم، لكنّها اليوم ستبرّر إغلاق الأسواق وتقليص الحريّات الاقتصاديّة والسياسيّة لتؤكّد أنّ ما يحرّكها ليس القيم والمبادئ بل المصالح الماديّة فقط لا غير (كما قال ماركس: بانتشار النظام الرأسمالي فقد أصبح المال إلهاً معبوداً من كلّ البشريّة). 

خاضت دول العالم الأوّل حربين عالميتين مدمرتين بسبب بنية الرأسمالية ذاتها، بسبب التنافس على المستعمرات وفتح العالم كله أمام التوسع الرأسمالي والتبادل الغير متكافئ بينهما، لكنّها هذه المرّة تواجه خطراً جديداً، فدول كثيرة قد صارت منافسة، وانقلب ميزان التبادل غير المتكافئ، ليصبّ في صالح دول العالم الثاني. مما سيدفع بشكل حتمي سياسي العالم الأوّل باتجاه الحرب، خاصة إذا كان يرأسهم شخص كترامب يفهم الاقتصاد كعملية التهام. ترامب سيقود العالم في الحرب العالمية الثالثة وسيجدّد له الشعب الأمريكي بأغلبيّة ساحقة هذه المرة، وسيواجه شخصيّات لا تقلّ عنه رعونة وجشعاً واحتقاراً للقيم، وسيثبت العالم أنّه محكوم بالرعونة والقوّة، وأنّه ما يزال بعيداً عن الحقّ والمنطق والعقلانيّة.

لكن هذه الحرب التي تنطلق اليوم وتدوم لسنوات، لن ينتصر فيها طرف كما يتوقّعون، بل ستغيّر العالم بشكل أكثر جذريّة، عندما يتضرّر منها أغلب سكّان المعمورة الذين سيتكشفون العطب والخلل القائم في النظام الرأسمالي والشيوعي معاً، وفي نظام العالم المفتقر للقيم، يتخيّل الغرب أنّه سيهزم الصين، وتتخيّل الصين أنّها ستهزم الغرب المفلس الذي يعيش على حساب غيره، لكن دخولهما بالحرب معا سيودي بنظمهما الاقتصاديّة والسياسيّة القائمة على غطرسة القوّة وجشع الربح، من دون ضوابط ولا قيم ولا معايير.

العولمة تحتاج لمعايير ومقدّسات وقيم وقوانين عالميّة ناظمة ترسّخ السلم العالمي، أو ستكون ساحة حرب ضروس لا تنتهي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.