مخيمات الشمال السوري منكوبة والمدارس مدمرة والمعارضة منشغلة بخلافاتها

يعاني الشمال السوري من أوضاع إنسانية متدهورة وأزمات كبرى تحاصر مئات آلاف السوريين، جراء العواصف والأمطار من جهة، وتصاعد مستويات البطالة من جهة أخرى، وتقلص الدعم المقدم من الجهات المانحة، وسط أزمات تعليمية وخدمية أخرى باتت تهدد حاضر المنطقة ومستقبلها خاصة على المستوى التعليمي. إذ تشير الإحصائيات إلى تسرب عشرات الآلاف من الأطفال خارج العملية التعليمية والتوجه نحو سوق العمل جراء الأزمات الاقتصادية، في حين تبدو المعارضة السورية الحاضر الغائب في واقع مأساوي يحتاج إلى تضافر الجهود الدولية لإعادة الحياة للملايين من النازحين السوريين داخل المخيمات وداخلها.
فريق منسقو الاستجابة، الذي أعلن مؤخرا كافة مخيمات الشمال السوري «مناطق منكوبة» جراء العواصف والأمطار، اعتبر أن المخيمات تحولت إلى قصص من مأساة الشعب السوري، حيث تحولت كل خيمة، إلى قصة تعود لعائلة هجرها النظام السوري وحليفيه الروسي والإيراني، إذ لم يبق لهم من وطنهم الأم سوى قطعة قماش عجزت عن حمايتهم من البرد والصقيع.
وأشار الدفاع المدني السوري «الخوذ البيضاء» إلى أن الأمطار والسيول أدت إلى تضرر 283 مخيما في الشمال السوري مؤخرا، في حين أن 4000 خيمة تدمرت بفعل العوامل الجوية، وباتت 3800 عائلة بدون أي مأوى.

الحرب والنزوح

لا بد من وجود عوامل أخرى أثرت في تفاقم معاناة الشعب السوري في المخيمات وخارجها، غير التي تسببت بها العوامل الطبيعية.
ويقول الباحث السياسي رشيد الحوراني، لـ «القدس العربي» إن «هناك عوامل تضاف للطبيعة في أزمات الشمال السوري، منها عدم كفاية الدعم المقدم الذي من شأنه تخفيف المعاناة، إذ أن المساعدات يجري التعامل معها كورقة للضغط السياسي، ومحاولات روسيا عبر المؤسسات الدولية وسعيها لحصر تقديم المساعدات عبر المعابر التي يسيطر عليها النظام السوري. وبالتالي تشكيل ضغط مادي ومعنوي على تركيا، في حين أن المنظمات المحلية لا تسعى لتقديم خدماتها بشكل يحقق التكامل فيما بينها».
الأسباب عديدة ومعقدة من وجهة نظر الباحث في مركز الحوار السوري محمد سالم، يمكن تلخيصها وفق ما قاله لـ «القدس العربي» بظروف الحرب والنزوح التي أدت إلى ازدياد الحاجات الإنسانية بشكل كبير، وهو أمر طبيعي في هكذا حال. وبحسب المختصين بتقدير الاحتياجات، فإن المخصصات للدعم الإنساني لا تفي أبداً بالاحتياجات الموجودة واقعياً، وبالتالي هناك نقص في الدعم اللازم.
يضاف إلى ذلك، الأخطاء أو سوء الإدارة في تنفيذ برامج الإغاثة الإنسانية من قبل المنظمات الإنسانية، إضافة إلى ضعف أداء الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ.
السياسي السوري درويش خليفة، فذهب معتقدا أن تقليص الدعم المقدم للمنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري، عامل مهم جدا في تعقيد الأوضاع الإنسانية للسوريين في المخيمات على وجه التحديد.
كما أن وباء كورونا وما خلفه من أزمات اقتصادية، وعدم إلتزام الجهات المانحة بتقديم الدعم، كلها عوامل شاهد الجميع نتائجها المؤلمة في الأسابيع الأخيرة في المخيمات التي تحتوي قرابة مليوني إنسان سوري خسروا أملاكهم ومنازلهم وهجرهم النظام والدول الراعية له.

المخيمات مقابر جماعية

أعلن فريق منسقو استجابة سوريا كافة المخيمات الموجودة في محافظة إدلب وريفها ومناطق ريف حلب، مناطق منكوبة بالكامل، وطالب المنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي بالتدخل السريع لإغاثة المنكوبين والوقوف على احتياجاتهم وتلبية خدماتهم الأساسية وتعويض الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية في المنطقة. مشيرا إلى تضرر الآلاف من النازحين ضمن المخيمات، وتعطل حركة الطرقات المؤدية إلى المخيمات أو داخلها وتهدم المئات من الخيام وتضرر الآلاف الأخرى وتحول تلك المخيمات إلى مقابر جماعية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، مع ضعف كبير في الخدمات والامكانيات المتاحة وعدم توفر مراكز إيواء لاستيعاب آلاف المتضررين.
في حين أشار الدفاع المدني السوري إلى أن موجات البرد والصقيع التي يشهدها الشمال السوري واستخدام مواد في التدفئة غير صحية، كلها عوامل أدت إلى تردي أوضاع المدنيين، وازدياد الأمراض التنفسية وتتضاعف حاجة الأطفال للرعاية الطبية، وعبد الكريم أحد هؤلاء الأطفال أصيب بالتهاب قصبات حاد.

واقع مرعب

الأطفال، وهم الحلقة الأهم، فيعاني الآلاف منهم من مستقبل مجهول، بعد أصبحوا متسربين خارج فصول الدراسة نتيجة الزواج المبكر وارغامهم على العمالة بسبب الأحوال الاقتصادية السيئة في المنطقة.
وتبدو العملية التعليمية في الشمال في هكذا واقع رغم جهود الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة في هذا الإطار صعبة للغاية. إذ أشار فريق منسقو الاستجابة إلى أن أكثر من 450 ألف طالب يواجهون مصاعب مختلفة لإكمال تعليمهم بينهم 60 ألف طالب ضمن المخيمات.
إضافة إلى تهدم مئات المدارس وتضررها بدرجات متفاوتة، علاوة عن ذلك، فقد أصبح الحصول على الكتب المدرسية حلماً بعيد المنال للأطفال في المراحل الدراسية.

غياب النظام السياسي

يعد الاستقرار السياسي عاملا مهما من عوامل التقدم الاقتصادي وتحقيق التنمية في مختلف القطاعات، لكن لا يعني هذا أن تصل الأحوال الإنسانية إلى ما آلت إليه في الشمال السوري، ومن دون وجود بقعة ضوء في هذا النفق المعتم.
ويمكن استثمار هذه الحالة، بحسب الباحث رشيد حوراني لتحقيق مكاسب سياسية وإنسانية، فالنظام السوري على سبيل المثال خاطب المجتمع الدولي عن طريق مجموعة من رجال الدين المسيحي ليبينوا الآثار الاجتماعية التي وقعت جراء قانون قيصر، ولقي ذلك صدى في المجتمع الدولي، لكن يمكن القول إن ضعف الخبرة السياسية لدى مسؤولي المعارضة يجعل هذه الحالة بكائية.
أما الباحث في مركز الحوار السوري محمد سالم، فقال لـ «القدس العربي»: الاستقرار الأمني والسياسي مطلوب لتحقيق أي تحسين للأوضاع الإنسانية، لا يمكن تنشيط التعافي المبكر، والانتقال من حالة الإغاثة إلى حالة التنمية بشكل تدريجي من دون حدوث استقرار نسبي، وتوقف تهديدات النظام والروس باجتياح إدلب. إضافة إلى ازدياد نسبة التفجيرات في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، فضلاً عن ضعف أداء الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ لأسباب عديدة موضوعية وذاتية.

أين المعارضة؟

السياسي السوري درويش خليفة، رأى خلال تصريحات أدلى بها لـ «القدس العربي» أن المعارضة السورية شبه منفصلة عن الواقع المحلي خاصة الشمال الغربي والشمال الشرقي من سوريا، معللا ذلك بأنها منشغلة بحل خلافاتها الداخلية والتواصل مع الجهات الدولية.
كما اعتبر أن المعاناة ستبقى تحاصر السوريين في المخيمات حتى تشهد البلاد عملية انتقال سياسي وبيئة آمنة، تبدأ معها عودة تدريجية للحياة المدنية.
ونقل المصدر معلومات من مقربين من الإدارة الأمريكية، أن الأخيرة تستعد خلال الفترة القريبة المقبلة لتجهيز عدة مشاريع وبرامج لتقديم مساعدات للسوريين في الشمال الغربي من البلاد، بما فيها المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة الجيش التركي وكذلك شرق الفرات الخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، منوها إلى أن الدعم الأمريكي المرتقب سيكون على مستويات جيدة.
وأكد على أن الوضع يتدهور تدريجيا والمتوقع تفاقمه أيضا، إلا فيما لو تحركت الإدارة الأمريكية الجديدة لتقديم دعم إنساني وصحي للسوريين في الشمال، في حين أن المسار السياسي يبقى مجهولا وبانتظار المنهجية التي ستعتمدها واشنطن للتعامل مع الملف السوري، خاصة بعد ربطه بالملف النووي الإيراني.

غياب المجتمع الدولي

تعود أسباب تراخي المجتمع الدولي، حسب الباحث رشيد حوراني، لاستخدام ملف الشمال كورقة ضغط على تركيا وتحقيق تبدل في موقفها.
إلا ان تركيا بدأت التخلص من هذه الورقة الضاغطة عليها تدريجيا من خلال البدء بإعمار مساكن من الأسمنت وإسكان المهجرين فيها، وبدأت بالشرائح ذات الضرورة الأكثر إلحاحا كالأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة.
واعتبر الباحث محمد سالم، أن طول الأزمة السورية وحدوث أزمات أخرى في العالم، كاليمنية والخليجية، أضعفت استجابة الداعمين للملف الإنساني السوري.
كما أسهم في ذلك أيضاً ضعف وتشتت المعارضة الرسمية، وعدم قدرتها على بناء أجسام إدارية وتمثيلية حقيقية، فالائتلاف وهيئة التفاوض والحكومة المؤقتة هياكل إدارية وتمثيلية ضعيفة الشرعية.

ما الحلول؟

تعددت رؤى المصادر البحثية في الحلول التي يحتاجها الشمال السوري حتى يعود للحياة، فرأى الباحث رشيد الحوراني، أن المنطقة تحتاج إلى إجراء مسح شامل لكافة المشاكل التي يعاني منها تقوم به المنظمات المحلية فيما بينها، وترتيب المشاكل المطروحة وفق أولويات تلافيها. ومن ثم دراسة إمكانية إنشاء المشاريع التنموية التي تحتاج لرأس مال بسيط ودورة اقتصادية سريعة تشجع المستثمر على الاستثمار في المنطقة. وكذلك التعاون مع الجانب التركي في تصريف الإنتاج خاصة ان تركيا استوردت عددا من المحاصيل المنتجة في الداخل السوري كالبطاطا، والأهم من كل ذلك تحقيق الأمن الذي من شأنه تشجيع الاستثمار.
أما الباحث محمد سالم، فأشار إلى أن الأولويات اليوم تتجه نحو ضرورة تحقيق استقرار طويل الأمد، من خلال ضمان دولي بعدم اجتياح الروس والنظام للمناطق المحررة، وقد انعكس الاستقرار النسبي منذ توقيع اتفاق موسكو بشكل إيجابي على المنطقة، فبدأنا نشهد ملامح استقرار على الرغم من الصعوبات الكثيرة.
كما لا بد من ضبط الوضع الأمني في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون وتشديد العقوبات ومنع تكرار التفجيرات العشوائية، بعد ذلك، يمكن أن تتوجه أموال المانحين تدريجياً إلى دعم ما يسمى بالتعافي المبكر، والذي يعني الانتقال التدريجي من مجرد إغاثة اللاجئين والنازحين إلى محاولة إيجاد أعمال لائقة لهم وضخ الانتعاش الاقتصادي في الشمال المحرر.
في حين أن السياسي درويش خليفة، رأى أن الحلول السياسية في سوريا ومن ضمنها بطبيعة الحال الشمال، لن تحل على مستوى المعارضة، بل عبر تطبيق القرارات الدولية تجاه الملف السوري كالقرار 2254 والانتقال السياسي والبيئة الآمنة وإخراج المعتقلين من سجون النظام، فالسوريون بحاجة لاستقرار سياسي حتى يستطيعوا العودة إلى الحياة الطبيعية، خاصة أن الوضع الاقتصادي في البلاد متدهور للغاية وسط نسب مرتفعة وغير مسبوقة من البطالة في حين المرتبات الشهرية لا تكفي سوى لبضعة أيام فقط.
أما على المستوى المحلي، فينبغي تقديم الخدمات للسوريين، ودعم الزراعة وتشجيعهم عليها، وتأمين فرص عمل ولو بالحد الأدنى، وتقليل الاعتماد على الجهات المانحة، وتقديم المساندة من قبل دول الجوار السوري، خاصة مع وجود مساحات كبيرة صالحة لنمو الثروة الزراعية، وبالتالي تحقيق جزء بسيط من الدعم الذاتي للسوريين، وغيرها العديد من المشاريع الاقتصادية.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.