سوريا: هل تنقذ اجتماعات «سوتشي» اللجنة الدستورية من حالة الموت السريري؟

يحاول اللاعبون الدوليون الوصول إلى آلية معينة لحل الأزمة السورية المتشابكة، بعدما دخلت اللجنة الدستورية حالة الموت السريري بالتزامن مع المحاولات الروسية لدفع النظام السوري إلى حلول توافقية، ومساعي المبعوث الخاص إلى سوريا غير بيدرسون في إحراز أي اختراق في هذا الاستعصاء، حيث يتطلع «ثلاثي أستانة» لعقد الجولة الـ 15 من المباحثات في مدينة سوتشي الروسية اليوم.
الجولة المقرر انعقادها يومي 16 و17 من الشهر الجاري، ستشهد وفق تصريحات رسمية، حضوراً أممياً وعربياً من قبل لبنان والأردن والعراق بصفة مراقبين، كما يتوقع أن تجري بمشاركة المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون.

موقف المعارضة

وكان قد سبق الجولة الخامسة عشرة بصيغة «أستانة» سلسلة من التحركات الدولية حيث زار كبير مساعدي وزير الخارجية الإيرانية علي أصغر حاجي العاصمة السورية دمشق والتقى رئيس النظام بشار الأسد، ووفقاً لصحيفة الوطن الشبه رسمية، فقد تشاور الطرفان حول جدول الاجتماع المقبل في مدينة «سوتشي» الروسية. وتلت ذلك، زيارة المسؤول الإيراني إلى موسكو، وكشف من هناك أن مباحثاته في دمشق تركزت على البحث في التحضيرات لاجتماع مسار «أستانة» في سوتشي.
روسيا من جهتها تحركت باتجاه التنسيق مع دمشق، والتقى الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وبلدان أفريقيا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، سفير النظام في موسكو رياض حداد مرتين خلال الأسبوع الفائت، وزعم بوغدانوف حسب بيان صدر عن الخارجية الروسية، «دعم بلاده الثابت لسيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها واستعدادها لمواصلة مساندة الشعب السوري في مكافحة الإرهاب الدولي».

تنعقد اليوم بحضور أممي ولبناني – أردني – عراقي بصفة مراقبين

المتحدث العسكري باسم وفد أستانة أيمن العاسمي قال في حديث هاتفي من مدينة «سوتشي» الروسية لـ»القدس العربي» إن جولة مباحثات اليوم الثلاثاء تكتسب أهمية خاصة بعد سلسلة من الأحداث الجديدة لاسيما قضية تعطيل النظام لمسار اللجنة الدستورية وهو الملف الرئيسي، وسيكون مطروحاً بقوة على طاولة المفاوضات. وأضاف العاسمي: «لنا أسئلة كثيرة موجهة للجانب الروسي إزاء هذا التعطيل وموقفه ودوره، ومدى فاعليته في دفع النظام نحو تحرك حقيقي، وهل سيترك النظام حتى يندفع من تلقاء نفسه… وهو أمر مستحيل كما نعلم».
وحول أجندة الاجتماعات قال العاسمي: سوف تتناول بشكل رئيسي القضية الأساسية قضية اللجنة الدستورية، وقضية الخروقات في إدلب لأن انهيار الاتفاق يعني عودة الملف إلى المربع الأول، وعودة المعارك هو الأمر الذي ترفضه كل الدول.
فرأس الحل السياسي وفق وصف المتحدث العسكري لوفد المعارضة هو التهدئة «لذلك فإن إدلب المعنية بهذا الموضوع، كما سيكون ضمن أجندة المباحثات مراجعة للاتفاقات السابقة ومدى التزام النظام بها وطبعاً هذا كله موجه للروس وعليهم الإجابة عن دورهم». فضلاً عن الأجندة الثابتة الخاصة بأستانة والتي تعنى بقضية المعتقلين والمساعدات الإنسانية.

تفاؤل حذر

وكشف العاسمي في حديثه مع «القدس العربي» أن ملف المساعدات الإنسانية يشهد معضلة لأن «بعض المساعدات تصل عن طريق النظام والأخير يقوم ببيعها ولا يقدم أي شيء منها لمناطق المعارضة، رغم أن هذه المساعدات قادمة للسوريين عمومًا، ولهذا يجب إيجاد آلية معينة لتتم تسوية قضية المساعدات».
وحول توقعاته، قال العاسمي هناك تفاؤل حذر بالنسبة لموضوع التقدم بكافة الملفات، لكن الهاجس الأساسي هو قضية اللجنة الدستورية. وكشف العاسمي عن أفكار جديدة ستتم مناقشتها مع الجانب الروسي، وتصب في إخراج اللجنة الدستورية من مربع التعطيل الذي يقوم به النظام، معتبراً أنه قد يكون للروس دور إيجابي إزاء ذلك. وحول الدور الإيراني، أبدى المتحدث اعتقاده أن إيران لها «دور معطل بالتأكيد، فهي تسعى دائماً إلى تفعيل المعارك والقتال، من أجل قطع الطريق أمام أي فرصة للحل السياسي».
وتعقيباً على جدوى هذه الاجتماعات، اعتبر الخبير في الشؤون الروسية د. محمود حمزة من موسكو، أن مفاوضات أستانة التي ستعقد في سوتشي لن تكون أفضل من سابقاتها، لافتاً إلى أن هدفها محاولة إنقاذ اللجنة الدستورية من الفشل التام، بعد فشل الجولة الخامسة التي أثبتت أن اللجنة الدستورية لم يتم تفعليها بسبب تعنت النظام وعدم إيمانه بالحل السياسي عموماً.
ويبدو أن الروس أصبحوا في موقف حرج لأنهم يريدون حلحلة الملف السياسي حسب رأي «حمزة» لـ»القدس العربي» حيث قال «بعد أن انتهت العمليات العسكرية يرغب الروس بالبدء بإعادة إعمار سوريا والحصول على تمويل وتشغيل الشركات الروسية فهذا الهدف الرئيسي، لكن النظام يعاند ويعرقل الجهود، لذا فإن موسكو ستعمل خلال هذا الاجتماع على تنشيط الاهتمام وتفعيل اللجنة الدستورية لكن دون جدوى، لأن اللجنة الدستورية مشروع فاشل من بدايته وعندما عقد مؤتمر سوتشي 2018 كان الهدف منه الالتفاف على قرارات جنيف وقرار مجلس الأمن 2254 الذي يقضي بالبدء في تأسيس حكومة انتقالية فهذا جوهر الموضوع وهو سياسي والمشكلة ليست مشكلة دستورية».

زخم جديد

ورأى حمزة أنه على «أعضاء الوفد المعارض لدى سوتشي واللجنة الدستورية وهيئة التفاوض أن يتوقفوا عن المشاركة في المباحثات» عازياً السبب إلى أن هذه الاجتماعات هدفها كسب للوقت للنظام وحلفائه وهي «مضيعة لوقت الشعب السوري وذر الرماد في عيون السوريين، ولا يوجد آفاق لهذه الهيئات المشكلة من القوى الدولية يعني أن اللجنة الدستورية يجب أن تكون مشكلة من الشعب السوري ويشرف عليها برلمان سوري منتخب بشكل حر».
هناك هدف آخر ستعمل عليه الدول الضامنة وفق رأي الخبير السياسي وهو شراء الوقت حتى إجراء الانتخابات الرئاسية في سوريا صيف هذا العام، وقال «الروس يؤيدون هذه الانتخابات، فالأسد يريد أن يمرر هذه الانتخابات ويرشح نفسه وينجح فيها ويقول للعالم إنه شرعي ولكن شرعيته فقدها منذ أن ادخل الدبابات إلى المدن وقتل الأبرياء، ولذا فإن إعادة انتخاب بشار الأسد وإعلان نجاحه بشكل مسرحي كالعادة تعتبر أكبر جريمة».
وجهة النظام السوري، فإن المباحثات المقررة الثلاثاء تتخذ «زخماً مغايراً» وفقا لوصف وسائل إعلام النظام السوري الشبه رسمية، على اعتبار أن «مسائل طارئة عديدة ومؤثرة طرأت على المشهد الميداني السوري خلال المرحلة الماضية، خصوصاً مع وصول إدارة بايدن، وعودة الخروقات لمنطقة خفض التصعيد» حيث وصف المصدر «المسار بالناجح».
كما زعمت صحيفة الوطن التي تصدر في دمشق، أن هذا المسار «هام جداً بالنسبة لسوريا، وهو يحقق الكثير من المكاسب بالنسبة للملف السوري» مؤكدة أن التنسيق مستمر بين سوريا وروسيا، وقائم في جميع القضايا ولا يقتصر على مسار أستانة، مبينة أن الجانب السوري يشدد دائماً على ضرورة إلزام الجانب التركي بتنفيذ التزاماته بما يخص مساري أستانة وسوتشي».

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.