الجفاف والجراد والاستبداد

د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني
الدكتور كمال اللبواني

لم تكن مناظر جفاف نهر الفرات هي الوحيدة التي صدعت رؤوس المواطنين، بل أيضاً صور الجراد الذي يجتاح المنطقة، وأخبار تراجع وضحالة مياه النيل، وقبلها أخبار الكساد والفساد والبطالة والعطالة، والحروب والمجازر والقمع والاحتلالات والهجرات، من العراق إلى لبنان لسوريا واليمن ومصر وليبيا والسودان وتونس والجزائر والحبل على الجرار.. فالقضية اليوم ليست بموت دولة فلسطين فقط، بل موت كل الدول العربية وخروجها من الوجود.

نعم العالم العربي في وضع كارثي ومسار الأحداث يتجه به نحو الأسوأ، لدرجة توقع نهاية الوجود العربي من سطح الكوب وزواله من التاريخ.

لا نبالغ عندما نقول إنّ سياسات الحكام العرب ونوعية النظم والطبقات الحاكمة كانت السبب في حدوث تدهور سريع ومتكامل وشامل في كل الأصعدة وفي كل المناطق، فالذي يحدث ليس نتيجة كارثة طبيعية، بل كارثة سياسية، ونتيجة غياب الشعوب عن تقرير مصيرها، واستلام نخب وقادة أقل ما يوصفون بأنّهم خونة والأصح قتلة.

لم تعر هذه النظم بالاً للانفجار السكاني، ولا لتنامي الجهل والبطالة، وتراجع الموارد، وترشيد المياه والطاقة، ولم تهتم بتطوير التعليم والتدريب، وخلق مجالات عمل وإنتاج جديدة، ولا بتطوير المجتمعات ورفع سوية الثقافة، ولا بالإصلاح الديني الذي يحصن المسلم من التحوّل لمتطرف وإرهابي ومتخلف. ولم تهتم ببناء جيوش دفاع قومية قادرة على حراسة موارد الأمة وحدودها، بل فعلت كل ما يزيد الأزمات ويفاقمها، وشغلت جيوشها وأجهزتها ومواردها في سحق الشعوب وقمع المجتمعات وسرقة المال العام وهدر الطاقات وتجهيل السكان، ثم سقايتهم بمحاليل المخدرات والمنومات لكي ينام حكام وظلام العرب بأمان.

لم يهتم أي حاكم عربي، يفكر فقط بالبقاء في السلطة وتوريثها. إنّ الدولة والشعب هم أساس أي سلطة، وإنّ فشل الدولة وانمحاق الشعب ستكون نتيجته انهيار السلطة، إن كان بتمرد شعبي، كما حصل مع القذافي، أو باحتلال أجنبي، كما حصل مع صدام، أو بفعل الكلاب التي تستحضر لحراستهم من شعوبهم، كما حصل مع صالح وبشار، وسيحصل مع غيره، أو بخراب وجوع وعطش وهجرة أغلبية المواطنين، كما يحصل في مصر، وغداً في دول الخليج.

المشهد العام بعد عشر سنوات على محاولات سحق الربيع العربي، هو سحق الوجود العربي برمته، فذهاب الحرية يعني ذهاب المواطن ثم ذهاب الوطن أيضاً، وبالتأكيد زوال السلطة التي تحاول البقاء معزولة عن مشاكل ومعاناة شعوبها في قصورها العاجية، متجاهلة تماماً الخراب الذي يحيط بها ويزحف نحوها، كأسراب الجراد وعجاج الصحراوات.

وحدها معجزة إلهية قادرة على تغيير مسار الأحداث بالنظر لعقم كل عملية إصلاح وإفشال كل ثورة تغيير، فالحل الوحيد المتبقي أما العرب هو الرحيل عن أوطانهم التي خربها حكامهم.



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.