مؤتمر جنيف لـ«استعادة السيادة السورية»: هل ينجح في كسر جمود الملف؟

في حضور سوري يمثل طيفاً من السوريين المستقلين، وغياب لعلم الثورة السورية، وعلم النظام أيضاً، اختتم في مدينة جنيف السويسرية، «المؤتمر السوري لاستعادة السيادة السورية»، بإقرار مخرجات عدة في مقدمتها التمسك بخروج كافة الاحتلالات والقوات الأجنبية من البلاد، والتمسك بأهداف الشعب السوري بإسقاط الديكتاتورية وتحقيق العدالة، ومحاسبة القتلة المجرمين، والعمل على إخراج المعتقلين والمغيبين قسراً في سجون النظام وسجون التنظيمات الأخرى.
وجاء في البيان الختامي للمؤتمر، الذي تسلمت «القدس العربي» نسخة منه، أن أعضاء الهيئة العامة للمؤتمر أكدوا على السعي لاستعادة السيادة الوطنية والتمسك بوحدة وسلامة الأراضي السورية وحرية الشعب السوري بكافة مكوناته، وصياغة عقد وطني جامع معتمدين المحددات الأساسية لمفاوضات الحل السياسي بناء على ما نص عليه مؤتمر جنيف واحد لعام 2012، والقرارات الأممية ذات الصلة بما فيها القرار 2254.

بدعوة من المحاميد – مناع

وأثار المؤتمر بحضور 400 شخصية سورية إلى القاعة أو عبر الانترنت، بدعوة من عضو لجنة التفاوض السابق خالد المحاميد، وهيثم مناع، ردود فعل منددة، لجهة تعدد الدول التي تقف وراءه، معتبرين أن المؤتمر صورة موسعة لمؤتمرات القاهرة الماضية، التي أنجبت منصة تضاف إلى منصات تزيد المشهد تعقيداً بسبب وجود عدد من الشخصيات التي اعتبرها البعض سبباً في فقدان المؤتمر لكثير من المصداقية. وأدى غموض أهداف المؤتمر وتركيزه على العموميات، وغياب علم الثورة السورية، وعدم تجريم النظام السوري وعلى رأسه بشار الأسد، إلى موجة لاذعة من الهجوم على المؤتمر، حيث عقب المعارض السوري ياسر المسالمة يقول «مهرجان جنيف الوطني بقيادة هيثم مناع وخالد المحاميد.. هو محاولة لإعادة إحياء منصة القاهرة بعد الانشقاقات الكبرى التي حصلت نتيجة لمحاولة فريق ما بالتعاون مع الثنائي مناع والمحاميد، السيطرة على قرار هذه المنصة البائسة.. لكن وقوف المخابرات العامة المصرية مع الطرف الآخر حال دون نجاح هذه المحاولة.. ليعمل مناع لإقامة المهرجان الوطني في جنيف…. احذر من هذا المؤتمر وادعو للحيطة والحذر منه.. فكمية المال التي ستستثمرها الإمارات في هذا المشروع كبيرة».
واعتبر المسالمة، أن «الإضافة الجديدة والتغيير المطلوب الذي يمكن أن نتطلع له كسوريين لا يأتي من مؤتمرات تعيد تدوير ذات الشخصيات التي اثبتت عمالتها او ارتزاقها…».

المؤتمر الذي أقيم دون «علم الثورة» ووسط حضور مثير للجدل لخالد المحاميد، هو ما دعا أمين سر اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات مروان العش للقول «مؤتمر جنيف لاستعادة القرار!!! لا شك ان هناك بين الحضور شخصيات وطنية تحمل روح الثورة، يتلطى وراءهم فاشلون جربناهم ومرتزقة من زمان وولغوا بدم السوريين، إن مشاركة طرف من النظام السوري ويحمل رسائله غير مقبولة ولن نخضع لابتزازات النظام وعدم رفع علم الثورة والحرية ثمن حضورهم، لا شيء واضحاً إلا كواليس ممثلي لافروف والأسد قاتلي السوريين…».
ووصف من جانبه المعارض السوري محمد الكحاط «مؤتمر جنيف» بأنه «مؤتمر الخيانة للشعب السوري» عازياً السبب إلى وجود شخصيات معروفة بعمالتها على حسب قوله، حيث كتب «مناع والمحاميد.. واعادة تدوير مخلفات النظام، مع متسلقين وانتهازية، وعملاء الامارات وروسيا وإيران».

«وثائق المؤتمر»

لكن حسب الوثائق التي ظهرت في البيان الختامي، يحدد المؤتمر الهدف السياسي للعملية التفاوضية المباشرة بـ»الانتقال إلى نظام ديمقراطي برلماني تعددي تداولي، يرسم معالمه ميثاق وطني مؤسس، يرتكز على مبدأ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات لجميع السوريين، بغض النظر عن الجنس، أو القومية أو المعتقد أو المذهب». ويسعى المؤتمر إلى بناء دولة قانون ومؤسسات لكل أبناء ومكونات الوطن، تكون صاحبة الحق الشرعي الوحيد في حمل السلاح، ومهمتها بسط سيادة الدولة على كافة أراضيها، والدفاع عنها وعن مواطنيها، وتقديم الخدمات لهم، وترسيخ فصل السلطات وتنظيم الحقوق والواجبات، واحترام الدستور والقوانين وتجريم الطائفية السياسية ومحاربة الإرهاب بكافة مصادره وأشكاله.
وحول المؤتمر، قال عضو الأمانة العامة لـ»المؤتمر السوري لاستعادة السيادة والقرار» محمد العبيد، في حديث خاص لـ»القدس العربي»، إن ما يميز المؤتمر عن المؤتمرات المشابهة، هو أنه جرى برعاية وإرادة سورية، دون أي قرار وتدخل ورعاية دولية، مستدركاً: «حتى تمويل المؤتمر كان سورياً، حيث تحمل غالبية الأعضاء تكلفة الحضور، ولأول مرة تجتمع شخصيات سورية بهذا العدد بعيداً عن تمويل الدول وقاعات الفنادق المرفهة».
وعن أهمية المؤتمر، أضاف العبيد، أن المؤتمر هو محاولة لاستنهاض الإرادة السورية بعد وصول الملف السوري إلى أفق مسدود، بفعل الانكفاء الدولي وقال: «الصوت السوري بات مخنوقاً وإرادتهم مسلوبة والمؤتمر استجماع من السوريين لصوتهم، وما بعد ذلك، سيتم السعي لتطبيق مخرجات المؤتمر، وطرح المبادرات والعمل ضمن الاليات المناسبة التي تمكنهم من ذلك».
ومضى قائلاً: «عندما نستطيع كسوريين الاجتماع دون رعاية دولية، فهذا يمثل بداية استعادة القرار السوري الذي بات مرهوناً للدول الفاعلة، والحل في سوريا هو سوري بامتياز ولن يكون حل في سوريا دون مشاركة السوريين بإرادتهم السورية الخالية من أي ارتهان».
وشهد المؤتمر انسحاباً لعدد من المشاركين فيه، وذلك على خلفية الجدل الذي فجره غياب علم الثورة السورية عن قاعة المؤتمر، وعن ذلك قال العبيد: «من الطبيعي أن يشهد هذا المؤتمر وغيره حالة عدم توافق، والاختلاف موجود في الواقع السوري، وهو حالة صحية، والحل لذلك هو الحوار السوري- السوري»، وقال: « إن الانسحاب كان نتيجة اختلاف بوجهات النظر، وليس خلافاً حقيقياً، كما أن كثيرة هي وجهات النظر والآراء والبنود التي تم الاتفاق عليها مع المنسحبين، وهذه نتيجة طبيعية لابتعاد السوريين عن الحوار بينهم وحله الوحيد يكون بتكثيف الحوار حول ما نختلف عليه من وجهات نظر لإيجاد الآليات والحلول».

«ليس بديلاً للائتلاف»

وبما يخص التنسيق مع المعارضة السياسية السورية، الممثلة بالائتلاف، نفى العبيد وجود تنسيق بين المؤتمر والائتلاف، وقال: «المؤتمر عبّر عن شريحة واسعة من السوريين، لكن لا يعني ذلك أن المؤتمر يقدم نفسه بديلاً عن الائتلاف». واختتم بقوله: «المؤتمر ليس بديلاً لأي جسم سياسي سوري، لا للائتلاف ولا غيره، وكذلك لا يدعي تمثيل كل السوريين، وإنما هو محاولة من السوريين تعبر عن واقع سوريا والسوريين، ونعمل على الدفع والوصول لتحقيق الحل السياسي بإرادة سورية بعيدة عن الارتهان والأجندات».
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي، درويش خليفة، إن التحضير للمؤتمر جرى على استعجال، بحيث لم تكن النقاشات خلاله على مستوى الحدث السوري. واختتم خليفة لـ»القدس العربي»، بقوله: «لم يجب المؤتمر على الأسئلة التي تشغل بال كل السوريين، بحيث يتم رفع شعارات تطالب بتطبيق القرارات الأممية، لكن دون شرح كيفية ذلك».

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.