قمة بغداد والانسحاب الأمريكي المتوقع

د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني
الدكتور كمال اللبواني

احتلّت أمريكا العراق بعد احتلالها لأفغانستان، لذلك من المتوقع أيضاً أن تنسحب منها بعد انسحابها من أفغانستان، طبقاً لذات السياسة التي تنتهجها الإدارة الأمريكية الجديدة التي تريد إعادة ترتيب انتشارها وتواجدها واهتماماتها، منهية حقبة، ومفتتحة حقبة جديدة.

لكن عملية الانسحاب لا بد سيترتب عليها تبعات لا بد من أخذها بعين الاعتبار، تجعل من ترتيب وضع العراق بعد انسحابها منه أمراً ضرورياً في ظل التغلغل الإيراني المدعوم من روسيا، ومن خلفها الصين، العدو الجديد الأهم والأخطر، والتي تريد الهيمنة على اقتصادات ونفط الشرق الأوسط، لتحقيق التفوق على الغرب، فالشرق الأوسط هو من سيرجح كفة طرف على طرف، بأهميته الاستراتيجية، وبإمكانياته وثرواته وعدد سكانه، خاصة وأنّ علاقة الدول العربية والإسلامية لم تكن تاريخياً علاقات طيبة مع الغرب، خاصة أوروبا، وبالنظر لتعارض الإسلام وقيم الحضارة الغربية ونمط الحياة الحديث، وصدام الإسلام السياسي المستمر مع الغرب.

هنا ولكي لا تستمر إيران في مشروعها لبناء الهلال الشيعي الذي يحولها لدولة عظمى بمد نفوذها وصولاً للمتوسط ثم البحر الأحمر، قاضمة دول المشرق العربي، لابد من جعل العراق فاصلاً بينها وبين بلاد الشام التي يجب أن تنسحب منها، وهذا يتطلب تقسيم العراق وإقامة دولة عربية سنية على غرار الدولة الكردية حتى لو كان ذلك ضمن اتحاد فيدرالي شكلي، كالقائم حالياً بين كوردستان والعراق.

وكما سلّمت أمريكا أفغانستان لعدوها طالبان، يفترض منطقياً أن تسلّم إقليم غرب العراق لعدوها السابق أيضاً (رجالات صدام)، كضرورة لتقليص نفوذ إيران شرق المتوسط وإضعافه في سوريا وبعدها لبنان، الواقعتين تحت نير العقوبات الاقتصادية والسياسية الصارمة، فالسياسة الأمريكية الجديدة هي بالتأكيد لا تعتمد القوة العسكرية وشنّ الحروب والاحتلالات، لكنها تعتمد سياسة العقوبات والحصار، والاعتماد على القوى المحلية التي لا يشترط أن تكون حليفة بل يكفي أن تقاتل في الجبهة التي تريدها أمريكا، فصراع الأعداء هو الآلية الجديدة الأرخص تكلفة، بالنظر لفشل عملية إنتاج نظم ودول حليفة في كل مناطق تواجد النفوذ الأمريكي الذي بدأ يرى المنطقة كرمال متحركة تبتلع كل من يقف عليها.

بينما تسعى فرنسا والغرب معها لكي تتجنب أي موجة لجوء جديدة بواسط السعي لتثبيت الاستقرار المزعوم، وهي سياسة معاكسة للسياسة الأمريكية وتخدم هيمنة إيران وسيادتها على المنطقة، ومن ورائها الصين وروسيا وحلفائهما من أنظمة الإجرام المتحكمة بالشعوب العربية.

إنّ استمرار نضال الشعوب من أجل حريتها في العراق ولبنان وسوريا في مواجهة إيران وروسيا والأنظمة المرتهنة عندها، هو السياسة الصحية التي يجب على الغرب دعمها لتجنّب موجات هجرة وتجنب خسارة نفوذها بالمنطقة، وتمدد عدوها، وتوحيد استراتيجيات الغرب، خاصة بين أوروبا وأمريكا، هي ضرورة أيضاً، تطبيق قرار مجلس الأمن بفرض سلطة انتقالية في سوريا، وإلزام حزب الله بتسليم سلاحه للجيش اللبناني، ودعم مطالب سنة العراق باستقلال ذاتي أسوة بالكرد، يجب أن تتعزز كسياسة متوافق عليها عربياً وأوروبياً، ويقدم لها الدعم والتأييد من الدول العربية المهددة من قبل إيران، خاصة دول الخليج، التي ستكون حتماً الهدف الثاني للتوسّع الإيراني، وستكون أضعف في مواجهته مع نقص شهية أمريكا للحروب، وميلها لتقليص تواجدها العسكري في الخارج.



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.