إدلب: قصف روسي وإعادة انتشار تركي يستبق قمة سوتشي بين بوتين واردوغان

ارتفعت حدة التصعيد العسكري في شمال غرب سوريا، مع وصول صواريخ القاذفات الروسية لعدة مناطق حدودية مع تركيا خلال الأسبوع الأخير، وقصف أرياف جسر الشغور الواقعة شمال طريق حلب-اللاذقية/M4 وتكثيف القصف على مناطق العالية وتل الكبانة والغسانية غربي جسر الشغور. ويعتبر تسخين الجبهات على الطريق الروسية معتادا في إطار الحديث عن حل عقدة طريق M4 الأخطر هو القصف المتفرق بين حين وآخر على منطقة دارة عزة.
وتشكل المنطقة نقطة تلاقي لسيطرات ثلاث، وحدات حماية الشعب الكردية والنظام السوري والمعارضة السورية. وتغيرت طبيعة تلك المنطقة عدة مرات خلال الحرب السورية، أهمها يوم التدخل التركي بعفرين في ربيع 2018 حيث طرد الجيش التركي بمساندة برية من فصائل المعارضة وحدات الحماية الكردية، لكن أوقفت روسيا العملية ولم تسمح لتركيا باستكمال المعارك وهو ما أبقى جيبا لا بأس به في ريف حلب الشمالي للمقاتلين الأكراد، منه السفح الغربي لمنطقة جبل الأحلام المطل على الباسوطة وبراد الكردية. وجرى تغير في طبيعة المنطقة خلال شهري كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) 2020. حيث قضمت قوات النظام والميليشيات الإيرانية منطقة ريف حلب الغربي وجبل الشيخ عقيل وحاصرت نقطة المراقبة التركية الثالثة في الجبل، وهي واحدة من أهم النقاط الاستراتيجية في الشمال السوري باعتبارها الأقرب إلى نبل والزهراء ـ قاعدتي التمركز الإيراني في ريف حلب الشمالي وتشرف على ريف حلب الغربي وطريق حلب-اعزاز ومن جهة أخرى شكلت ثالث النقاط التركية المحاذية لعفرين من الجنوب وورقة الضغط على المقاتلين الأكراد.
وشهدت المنطقة في شباط (فبراير) 2020 مقاومة كبيرة من قبل الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية لمنع سقوطها والسيطرة على طريق دارة عزة -الباسوطة. ودارت معارك عنيفة مع جيش النظام والميليشيات الإيرانية المتقدمة من نبل والزهراء، دمر رماة صواريخ المعارضة عدة دبابات وعربات للقوات المتقدمة، وتعرض فيها رامي لصواريخ التاو الأشهر في المعارضة سهيل حمود المعروف «سهيل أبو التاو» ورفاقه إلى إصابة في قصف جوي، نجوا منه بأعجوبة، ساعد في ذلك الطبيعة الجبلية الوعرة للغاية، حيث منعت صخور المنطقة من تمزيق أجسادهم.
وفي السياق، لم تسلم مناطق غرب إدلب من القصف خصوصا مناطق عرب سعيد والشيخ بحر، كما قصف الطيران الحربي الروسي محيط بلدة الفوعة.
ولم تسجل مراصد المعارضة السورية المتخصصة برصد حركة الطيران الحربي في سوريا أي مشاركة لطيران النظام منذ آذار (مارس) 2020 فقد غابت مشاركته بعد إسقاط عدة طائرات بصواريخ المعارضة السورية والدفاعات الجوية التركية عقب التوتر الذي حصل ومقتل الجنود الأتراك في معسكر بيلون بجبل الزاوية جنوب إدلب والذي أسفر عن مقتل 37 جنديا تركيا وهو ما أشعل اشتباكا بين الجيش التركي وقوات النظام، دفع تركيا إلى إشراك طائرات بيرقدار بدون طيار في المعركة لوقف هجوم النظام وحلفائه، توقف مع توقيع اتفاق موسكو بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان في 5 آذار (مارس) 2020.
على صعيد سياسي، يستشعر الرئيس التركي خطورة التصعيد في منطقة «خفض التصعيد» الرابعة والمتبقية من مناطق تفاهماته مع الرئيس الروسي. ويحاول استباق هجوم وشيك في إدلب، فرتب قمة ثنائية، تعقد في 29 أيلول (سبتمبر) الجاري، لن يحضرها وفدا البلدين بداية، وستقتصر على الزعيمين فقط. بالتأكيد فإن القمة لن تختصر بالحديث عن إدلب، فهناك عدة ملفات بحاجة إلى تفاهمات بين الرجلين، منها «إنشاء طريق وسكة حديد يصلان بين ولاية إغدير شرقي البلاد وأذربيجان». لكن تبقى إدلب والحدود الجنوبية التركية والقضية السياسية في سوريا، حيث يستحوذ اللقاء على أهمية بالغة، حسب ما أشار اردوغان في تصريحاته للصحافيين، الخميس، في «البيت التركي» في نيويورك على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقال اردوغان في تصريح صحافي، الجمعة لصحيفة «حرييت» التركية «إن النظام السوري، يشكّل تهديدًا لنا هنا في جنوبي بلادنا» مضيفا أنه ينتظر الكثير من الرئيس الروسي «في ظل تواجد النظام السوري على الحدود الجنوبية المتاخمة لتركيا».
بالإضافة إلى الحديث السياسي، يستخدم اردوغان ورقة الاقتصاد للضغط على روسيا بشأن الملفات السورية والأخرى الإقليمية، فيؤكد سعي بلاده لتعزيز العلاقات مع روسيا، وخصوصا الاقتصادية حيث يسعى إلى رفع حجم التبادل التجاري مع موسكو إلى 100 مليار دولار أمريكي. وفي مقابل هجومه على الرئيس الأمريكي جو بايدن يصف الرئيس بوتين انه «رجل دولة، حسب ما أظهر في حل الصراع الأذربيجاني-الأرميني».
لا تكتفي تركيا، بالطريق السياسي والاقتصادي للتخفيف من التوترات في إدلب، على العكس من ذلك. فتجربة الهجوم على منطقة «خفض التصعيد» الرابعة (إدلب وجوراها) منذ نيسان (ابريل) 2019 حتى آذار (مارس) 2020 تعتبر درسا إليما لأنقرة، أخلت موسكو فيها بمجمل تفاهماتها.
الأمر الذي انعكس على الميدان خلال الأسبوعين الماضيين، حيث دفعت أنقرة بالمئات من جنودها وعشرات المدرعات التركية بوتيرة مطردة، وأعادت انتشارها في عدة مناطق، وعززت خواصر الجبهات الرخوة ورفعت سواتر إضافية وبنت خطوطا دفاعية خلفية على بعد نحو 5 كم من الخطوط الأمامية لفصائل المعارضة. فبلغ مجموع قواعدها جنوب طريقM4 قرابة الثلاثين قاعدة ونشرت مدافع ودبابات وأسلحة ثقيلة أخرى.
من جهة أخرى، حمل نائب رئيس مركز المصالحة الروسي في سوريا، اللواء فاديم كوليت، مسؤولية التصعيد في إدلب إلى هيئة «تحرير الشام» مشير أنها نفذت 26 هجوما، 11 عملية قصف في إدلب، و11 في محافظة اللاذقية، و3 في محافظة حلب، وعملية في محافظة حماة.
إلى ذلك، اعتبر وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، أن» دمشق تعتبر وجود تركيا في سوريا عملا من أعمال الاحتلال، وتريد أن ترى أنقرة تسحب قواتها على الفور».
وقال مقداد في تصريحات لوكالة «سبوتنيك» الروسية، الأربعاء «السبب الرئيسي للتصعيد في إدلب هو الاحتلال التركي والدعم الذي تقدمه تركيا للجماعات الإرهابية هناك».
وطالب أنقرة بـ «الانسحاب فورا وعلى المجتمع الدولي دعم الجهود السورية لتحرير الأراضي المحتلة في شمال البلاد».
بانتظار قمة اردوغان-بوتين بعد أيام في منتجع سوتشي، يستمر التصعيد والقصف الروسي في إدلب، ويبقى مصير إدلب مرهونا في التوصل إلى تفاهم جديد، أما في حال انتهاء اللقاء والاتفاق على تثبيت الوضع القائم على ما هو عليه، فإن الأمور ستتجه إلى عملية قضم جديد في إدلب، ومن غير المستبعد أن يتعهد الرئيس اردوغان بتطبيق اتفاق آذار (مارس) 2020 ويجبر فصائل المعارضة على الخروج من «الممر الأمني» على جانبي طريق M4 وإعادة تشغيل حركة الترانزيت.
في حين يبقى مصير جبل الزاوية مجهولا، ووضع مدينتي جسر الشغور وأريحا الواقعتين ضمن «الممر الأمني» أبرز معضلات التطبيق.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.