تضارب المصالح الروسية والتركية: أنقرة ترفع نبرة تصعيدها وموسكو ترد بـ«الورقة الكردية»

شهد الميدان في الشمال السوري، تحضيرات قفزت إلى مرحلة متطورة من التسخين، حيث وجهت أنقرة رسائل مباشرة، على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي هدد بأن كفاح بلاده «في سوريا سيستمر بشكل مختلف للغاية في الفترة المقبلة» كما توعد بخوض «كل أشكال الكفاح اللازم ضد تلك التنظيمات الإرهابية والقوات المدعومة أمريكياً هناك، وكذلك ضد قوات النظام السوري».

ما هي خيارات وسيناريوهات تركيا في شمال سوريا؟

وكان الرئيس التركي أنذر في آخر تصريح له الجمعة، بردع «تنظيم حزب العمال الكردستاني، وامتداداته الوحدات الكردية، وحزب الاتحاد الديمقراطي، التي تصول وتجول ليس في الشمال فقط، بل في عموم سوريا، وتتلقّى الدعم من قوات التحالف وفي مقدمتها الولايات المتحدة» حيث مارست التنظيمات «إرهابها باستخدام الأسلحة والذخائر والمعدات التي قدمتها تلك الأطراف بذريعة مكافحة «داعش». وقال «نحن عاقدون العزم في هذا الخصوص».

تناغم روسي – كردي

الإنذار بإطلاق عملية عسكرية تركية بالتسيق ومشاركة قوات الجيش الوطني السوري ضد ميليشيا الوحدات الكردية جاء وفق مراقبين رداً على تصاعد الاستهداف الروسي لمناطق في الشمال السوري، بموازاة تعاظم الاستهداف المتكرر لميليشيا الوحدات الكردية للمناطق الداخلة تحت النفوذ التركي وفصائل المعارضة. حيث تزامن ذلك مع استهدف رتل عسكري تركي قرب مدينة معرة مصرين في ريف إدلب، ليلة السبت ما أسفر عن مقتل جنديين تركيين وإصابة 5 آخرين، تبع ذلك قصف مكثف للجيش التركي على مواقع تابعة لـ»قسد» في ريفي حلب والرقة.
ونظراً لتكرار التهديد والوعيد بشن عمل عسكري تركي ضد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) ينشغل مراقبون بالإجابة عن سيناريوهات التدخل التركي وما هي قائمة الأهداف، وهل هناك تنسيق فعلي بين الجيش الروسي وميليشيا الوحدات الكردية، نظراً لـ «انسجام» القصف الجوي والمدفعي من قبل الروس شمال غربي البلاد، وبين عمليات «قسد» في ريف حلب، وهل يمكن تفسير ذلك بأن موسكو تستخدم هذه الميليشيا لتحقيق غاياتها السياسية، لاسيما بعد توارد أنباء عن زيارة وفد روسي ضم شخصيات استشارية وعسكرية إلى مدينة عين عيسى الخاضعة تحت سيطرة «قسد» شمالي الرقة.
وما أثار المزيد من التساؤلات، إعلان جبهة التحرير السورية، أحد مكونات الجيش الوطني السوري، المدعوم من تركيا، السبت، استعدادها لإطلاق عمليات عسكرية جديدة ضد «التنظيمات الإرهابية».
وقالت الجبهة في بيان رسمي بعد تهديدات أردوغان «نعلن استعدادنا العسكري الكامل لاستئناف العمليات، نحن مصممون على تطهير مناطقنا من جميع التنظيمات الإرهابية، وخاصة (بي كا كا) و(ب ي د) و(داعش)» موضحاً أن الدعم التركي للجبهة مستمر في الميدان.
المتحدث باسم الجيش الوطني الرائد بوسف حمود قال لـ «القدس العربي» عن انسجام بين القوات الروسية وميليشيا «قسد» من حيث استهداف المناطق الخاضعة للنفوذ التركي شمال وشمال غربي سوريا، حيث قال «هناك تنسيق واضح في استهداف مناطق الشمال السوري والذي يأتي على نوعين، الأول طيران من قبل الجانب الروسي، والنوع الآخر بشكل صاروخي أو قذائف الهاون أو مضاد الدروع، من قبل ميليشيات البي ي دي المتواجدة على الأرض». واعتبر أن هذا التنسيق «رسالة نفهم منها أن موسكو هي ضامن للميليشيات بي ي دي» حيث تستثمر موسكو هذه الميليشيات الكردية في سياسة الرفع العسكري من أجل استخدامها بالضغط خلال المفاوضات السياسية».
كما أنها وفق المتحدث العسكري «رسالة روسية إلى ميليشيا البي ي دي، مفادها أن موسكو قادرة على حماية هذه المجموعات في ظل ما يشاع عن خطة للانسحابات الأمريكية من المنطقة». وحول الخيارات التركية في سوريا، اعتبر الرئد يوسف الحمود، أنه «لا شيء مستبعد والمعارك لم تنته في سوريا، ومازالت الأجواء تتجه نحو التصعيد وهذا ما يبدوا لنا من خلال متابعة الأوضاع السياسية والعسكرية» مضيفاً «الخيارات كلها متاحة وعلى طول امتداد خط الجبهة المشترك».
وكان وفد عسكري روسي، زار نهاية الأسبوع الفائت، مدينة عين عيسى الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية «قسد» شمالي الرقة، بهدف مناقشة آخر التطورات العسكرية التي تشهدها المنطقة.
وذكرت شبكة «عين الفرات» المحلية الإخبارية أنَّ الوفد الروسي ضم 6 شخصيات استشارية وعسكرية قادمة من مبنى الإذاعة غربي عين العرب في ريف حلب الشرقي، حيث التقى الوفد قيادات من وحدات حماية الشعب العمود الفقري لقوات «قسد» ومجلس الرقة العسكري، بهدف مناقشة التهديدات التركية ضد قسد والتطورات العسكرية التي تشهدها المنطقة. وأضاف المصدر أنَّ الاجتماع عقد في أحد مقرات «قسد» في مدينة عين عيسى، ويعتبر هذا الاجتماع، الذي استمر لنحو 3 ساعات، الأول خلال شهر تشرين الأول/اكتوبر الحالي، في ظل تهديدات تركية تبدو جدية في شن حملة عسكرية في المنطقة، عقب استهداف جنود أتراك.
الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي قرأ التصعيد المتبادل من قبل تركيا وروسيا على أنه ينذر باحتمال انهيار نظام وقف إطلاق النار بشكل غير مسبوق أي بما يشمل جميع مناطق سيطرة المعارضة السورية، على خلاف أي تصعيد سابق والذي كان يقتصر على حصر الخلاف ضمن منطقة إدلب دون غيرها.
وقال لـ «القدس العربي» في إدلب تُقدّم روسيا الدعم للنظام السوري من أجل تهديد تركيا، وفي تل رفعت ومنبج وعين عيسى تُقدّم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية بشكل مباشر وغير مباشر للهدف ذاته. على أمل أن يُساهم ذلك في ثني تركيا عن أهدافها وتقديم تنازلات لصالح روسيا في القضايا المشتركة والتي قد تتجاوز الملف السوري.
واعتبر المتحدث أن إشارة الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان إلى النظام السوري مؤخراً من أنّ بلاده تعتبر النظام السوري مصدر تهديد للأمن القومي، يعطي صورة أكثر وضوحاً عن شكل الخلاف مع روسيا، التي يبدو أنّها كانت تعتقد أنّ تركيز أنقرة على شرق الفرات يعني عدم إيلاء اهتمام كبير في حل القضايا غربه وبالتالي يُمكن تجزئة الخلافات بالضغط في إدلب واستمرار التعاون في المنطقة الآمنة، لكن رفع أنقرة لنبرة التصعيد وبشكل جدي بعث برسالة صريحة حول أهمية المنطقة كاملة بالنسبة لتركيا التي تعتبرها جزءاً من المنطقة الآمنة شرق وغرب الفرات.
وحول سيناريوهات التدخل التركي، قال عاصي «هي إما عبر دعم فصائل المعارضة السورية دون مشاركة مباشرة للقوات التركية، أو بمشاركتها أو عبر استخدام القوات الجوية وتنفيذ عمليات خاصة للقوات التركية خلف الخطوط وفي مراكز القيادة وطريق الإمداد».
وتبدو تركيا حريصة على استمرار التعاون مع روسيا، لكن استخدام هذه الأخيرة لسياسة الضغط القصوى عبر خيار العملية العسكرية والخروقات المستمرة وعدم حل ملف حزب العمال الكردستاني سيدفعها، أي تركيا، لاتخاذ قرار التدخّل المباشر على غرار ما قامت به أواخر شباط/ فبراير 2020.
الباحث السياسي طلال عبد الله جاسم قرأ التطورات في الشمال السوري على أنها محاولات من قبل الروس لإعادة ترتيب وضع منطقة ادلب وشرق الفرات، وكذلك تفعل تركيا بشكل منفصل، وسط ترقب إيراني. واعتبر جاسم في حديث مع «القدس العربي» أن الأمور مرتبطة بتوافقات محلية لا بد منها، وتسويات دولية تبدو ممكنة في ظل تراخي إدارة بايدن في ما يخص الملف السوري، والنشاط الروسي المكثف مع كل الفاعلين على الأرض السورية من الجنوب إلى الشمال، إلا أن العامل الإقليمي هو الأشد تعقيداً، حيث أن إدلب وشرق الفرات تشكل محيط حيوي تركي، ولا يمكن ترتيب حل فيها دون حفظ مصالح تركيا وتطمينها تجاه مصادر قلقها، وإلا ستدفع روسيا والنظام وداعميهم أثماناً باهظة جداً لإعادة السيطرة على هذه المناطق.

فرصة سانحة لروسيا

وقال «الوضع الحالي هو أن روسيا ترى في الخلافات التركية – الأمريكية فرصة سانحة للحصول على تنازلات أساسية من قبل تركيا والمعارضة لصالح النظام، وكذلك تستند روسيا إلى موقف عربي مساند لها نوعاً ما، وكما نرى ورغم وجود هدنة معلنة من قبل النظام في إدلب وأرياف حلب إلا أنه ووفق المعطيات الحالية فإن النظام وحلفاءه يجهزون، لشن حملة يتوقع ان تمكن النظام والروس من السيطرة على طريق اللاذقية حلب لفتح طرق التجارة وهذا أمر لا يحتمل التأجيل كثيراً خاصة مع الاخذ بعين الاعتبار التململ الشعبي لدى حاضنة النظام جراء ضغوط اقتصادية، وعدم توفر الوقود وغيرها، ثم تؤجل المناطق الباقية لفترة لاحقة بحيث تستطيع تركيا تدبر أمر اللاجئين ضمن الأراضي السورية دون احراجها بموجة كبيرة من اللاجئين.
وتركيا من خلال تصريحات رئيسها تبدي استعدادها للحفاظ على مصالحها ولو كانت وحيدة». وتحدث الباحث السياسي عن خلافات جوهرية في سوريا بين روسيا وتركيا، معتبراً أن الطرفين مضطران للاستمرار بهذا العمل المشترك، لكنه في نفس الوقت رأى أن حدوث مواجهة وصدام عسكري حقيقي بين روسيا وتركيا ولو عبر أطراف سورية، مستبعد، حيث قال «وإن حدث يحتاج إلى مباركة أمريكية لأي من الطرفين، من الصعب توفرها».

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.