مليونا مدني يواجهون كارثة إنسانية… معظمهم نزح مرات عدة خلال عمر الانتفاضة ضد النظام السوري

يقف حوالي مليوني مدني في المخيمات على الحدود السورية – التركية على أعتاب عام جديد، آملين – كما هو حالهم منذ عقد – في أن تحمل لهم نهاية هذا العام، نهاية لكل مأساة يعيشونها، إذ تختزل أمانيهم اليوم بعودة قريبة إلى منازلهم التي هُجّروا منها، أو ربما أقل من ذلك، كحقهم في الحياة ووقف تساقط القنابل والصواريخ الروسية والسورية فوق رؤوس أطفالهم بينما تفاقم الأمطار مخيماتهم وتزيدهم بؤساً ومعاناةً.
منظمة الدفاع المدني السوري، المسؤولة عن الاستجابة لاحتياجات المخيمات، ذكرت في بيان نهاية العام، أن مناطق الشمال السوري شهدت خلال 2021 أكبر موجة نزوح في سوريا، نتيجة الهجمات العسكرية والتقدم البري لقوات النظامين السوري والروسي، والقصف الذي يستهدف التجمعات السكنية.
وكنتيجة طبيعية للقصف، نزح خلال العام الماضي أكثر من مليون مدني، أغلبهم من ريف حلب الغربي وريف إدلب الجنوبي والشرقي وريف حماة الشمالي والغربي، وتوجه أغلب النازحين نحو المناطق الحدودية في ريفي إدلب وحلب، ليتجاوز عدد النازحين الكلي في شمال غربي سوريا مليوني مدني معظمهم نزح عدة مرات ومن مناطق مختلفة في سوريا خلال عمر الانتفاضة السورية ضد النظام. وينذر استمرار التصعيد، وفق المنظمة، بموجة نزوح جديدة نحو المخيمات الحدودية المهددة أساساً بكارثة إنسانية والتي يعيش فيها أكثر من مليون ونصف مهجّر قسرياً من مناطق عدة في سوريا، ما يفاقم الحالة الإنسانية للنازحين ويحرمهم من حقهم في الغذاء والدواء بعد أن حرمهم نظام الأسد من حقهم في العيش الآمن.
وصعّدت قوات النظامين السوري والروسي، منتصف العام من عملياتها العسكرية، على مناطق ريف إدلب الجنوبي وسهل الغاب في حماة، بالإضافة إلى تصعيد القصف على مناطق ريف حلب الشمالي والغربي، ما تسبب بتضاعف عدد الضحايا واستمرار عمليات التهجير والنزوح وتدمير البنى التحتية، في وقت اجتاحت موجة جديدة من فيروس كورونا مدن وبلدات شمال غربي سوريا، في ظل استنفاد كبير للقطاع الطبي المنهك أصلاً بعد سنوات من الاستهداف الممنهج له. وذكر الفريق في تقريره لحصيلة الهجمات نهاية عام 2021، أنه بالرغم من خضوع شمال غربي سوريا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 6 آذار عام 2020 إلا أن تصعيد نظام الأسد وحليفه الروسي لم يتوقف وارتفع بشكل واضح مع هجمات ممنهجة على المشافي والمرافق الحيوية ومراكز الدفاع المدني السوري، في سياسة شبيهة بما كان يجري خلال عشر سنوات مضت وإن كانت الهجمات أخفض نسبياً ولا يمكن توصيفها بأنها حملات عسكرية.
واستجاب الدفاع المدني السوري خلال عام 2021 لأكثر من 1300 هجوم من قبل النظام وروسيا تم فيها استخدام أكثر من 7000 ذخيرة متنوعة، منها أكثر من 145 طلعة جوية جميعها روسية تم فيها شن أكثر من 400 غارة جوية، و1000 هجوم بالقذائف المدفعية تم فيها إطلاق أكثر من 5650 قذيفة، و123 هجوماً صاروخياً تم فيها إطلاق أكثر من 700 صاروخاً منها 43 هجمات بصواريخ أرض ـ أرض، منها اثنان محملان بقنابل عنقودية، إضافة لـ 34 هجوماً بالصواريخ الموجهة تم فيها إطلاق أكثر من 40 صاروخاً، فيما كانت الطائرات المسيرة حاضرة واستجاب الدفاع المدني السوري لـ 8 هجمات بالطائرات المسيرة، و المئات من الهجمات بأسلحة أخرى متنوعة.

سقوط ضحايا

ووثقَّ الدفاع المدني السوري خلال عام 2021 مقتل 225 شخصاً من بينهم 65 طفلاً و38 امرأة نتيجة لتلك الهجمات التي شنها الطيران الروسي وقوات النظام واستجابت لها فرق الدفاع المدني السوري فيما تمكنت الفرق من إنقاذ 618 شخصاً أصيبوا نتيجة لتلك الهجمات، من بينهم 151 طفلاً. وتركزت معظم هجمات النظام وروسيا التي استجاب لها الدفاع المدني السوري خلال العام الحالي على المناطق الجنوبية في ريف إدلب وجبل الزاوية ومنطقة أريحا وريف إدلب الشرقي، فيما امتد القصف في اتجاه الغرب ليصل إلى مناطق سهل الغاب في ريف حماة، ومناطق الساحل بدرجة أقل في ريف اللاذقية، بالإضافة إلى عدد من الهجمات التي استهدفت عدة مناطق في ريف حلب الغربي، واستجابت فرقنا لهجمات استهدفت 169 مدينة وبلدة مختلفة في شمال غربي سوريا.
واستهدفت تلك الهجمات بشكل عام منازل المدنيين والحقول الزراعية، فيما لم يتوقف استهداف المدارس، والمشافي، والمرافق الحيوية، واستجابت فرق الدفاع المدني السوري، لأكثر من 490 هجوماً على منازل المدنيين، وأكثر من 620 هجوماً على حقول زراعية، و4 هجمات على مدارس ومنشآت تعليمية، و 8 هجمات على أسواق شعبية، و4 هجمات على مشافٍ ونقاط طبية، و4 هجمات على مراكز الدفاع المدني السوري، و4 هجمات على مخيمات تؤوي مهجرين، وهجومان على مدارس، ومئات الهجمات الأخرى التي استهدفت معامل ومنشآت تجارية ومحطات وقود وأبنية عامة وطرقات.

سلاح ضد المدنيين

يستخدم الحلف السوري – الروسي، أسلحة متطورة وذات دقة عالية في استهداف المدنيين وفرق الدفاع المدني السوري، وهي قذائف مدفعية موجهة بالليزر من نوع ( كراسنوبول)، وهذا ما يؤكد أن القصف ممنهج بهدف إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا. ووثقت المنظمة استخدام هذا النوع من القذائف بأغلب الهجمات المدفعية على المرافق الحيوية ومنازل المدنيين، ومن بين المنشآت المستهدفة بقذائف كراسنوبول مشفى الأتارب في 21 آذار/مارس الماضي ومعبر باب الهوى، وفي قرية إبلين في 10 حزيران/ يونيو الماضي، ونقطة مرعيان الطبية في 8 أيلول/ سبتمبر، وباستهداف مركز الدفاع المدني السوري في قرية قسطون غربي حماة، و منازل المدنيين في جبل الزاوية وأريحا، كما أن أغلب المجازر حصلت باستخدام هذا النوع من القذائف.
خلال 2021 لم تتوقف الانفجارات المجهولة والتفجيرات الإرهابية في شمال غرب سوريا، حيث استجابت الفرق خلال العام لأكثر من 177 انفجاراً مجهولاً وانفجاراً لسيارات مفخخة وعبوات ناسفة، تسببت تلك الانفجارات بمقتل أكثر من 91 شخص، من بينهم 15 طفلاً و7 نساء، وأدت لإصابة أكثر من 300 شخص آخرين من بينهم 55 طفلاً، وتركز العدد الأكبر من الانفجارات والعبوات الناسفة في ريفي حلب الشمالي والشرقي التي نزحت إليها أعداد كبيرة من المدنيين ما تسبب بارتفاع نسبي لعدد الضحايا.

كورونا… حرب من نوع آخر

في الوقت الذي لم يهدأ القصف والهجمات العسكرية للحلف السوري – الروسي، على شمال غربي سوريا، كان فيروس كورونا يجتاح المنطقة بموجة ثانية هذا العام ولاسيما مع وصول متحور دلتا سريع الانتشار. موجة خطيرة تفشت في المنطقة، بسبب طبيعة الظروف وغياب الخدمات وضعف البنية التحتية واستحالة تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي في المخيمات التي تؤوي أكثر من 1.5 مليون مدني، فضلاً عما يعانيه القطاع الطبي من إشغال تام في أسرة العناية المشددة وازداد عدد الوفيات بشكل كبير وبلغ عدد الوفيات هذا العام حسب الجهات الطبية العاملة في شمالي غربي سوريا أكثر من 1950 حالة وفاة موثقة، وعدد الإصابات أكثر من 72 ألف إصابة بالفيروس. وفيما يخص نقل المصابين ودفن الوفيات، نفذ الدفاع المدني السوري خلال عام 2021 أكثر من 5,700 عملية ميدانية، من عمليات نقل المصابين ودفن الموتى، وقد بلغ عدد المصابين 93 ألف حالة، فيما بلغ عدد الوفيات 2273 وفاة من المراكز الطبية الخاصة بالاستجابة لفيروس كورونا ودفنها وفق الإجراءات الاحترازية والجزء الأكبر من تلك الوفيات كان بسبب فيروس كورونا. وحسب التقرير السنوي للتحالف الدولي للقضاء على الذخائر العنقودية والحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية (ICBL-CMC)، فقد خلّف قصف نظام الأسد وحليفه الروسي آلاف الذخائر غير المنفجرة والتي باتت قنابل موقوتة تهدد سلامة المدنيين ويكون الأطفال هم الضحية الأكبر لها، وسجلت سوريا الحصيلة الأعلى في العالم خلال عام 2020 بعدد الضحايا الذين قتلوا بسبب الألغام الأرضية.
ووثق التقرير مقتل وإصابة (2729) شخصاً في سوريا أغلبهم كانوا مدنيين، ونصفهم من الأطفال، من أصل (7073) قتلوا أو أصيبوا في العالم خلال عام 2020، وأشار التقرير إلى أن حصيلة الضحايا التي سجلها في سوريا هي الأعلى في عام واحد منذ أن بدأ المرصد بمراقبة حصيلة ضحايا الألغام في عام 1999.
ويعيش ملايين المدنيين في سوريا في مناطق موبوءة بالألغام والذخائر غير المنفجرة نتيجة سنوات من قصف النظام وروسيا، تتركز جهود الدفاع المدني السوري على التعامل مع هذا الواقع المؤلم والحفاظ على أرواح المدنيين.
ويتعاظم حجم المخيمات كل يوم وتكبر مأساة سكانها، كما يهدد الحصار أكثر من 4 ملايين إنسان في شمال غربي سوريا بعد مساع روسية لإلغاء آلية إدخال المساعدات عبر الحدود، فيما يعيش في مخيم الركبان في منطقة التنف جنوب شرقي سوريا حصاراً مطبقاً من قبل النظامين السوري والروسي منذ سنوات، وفي وقت يواصل فيه نظام الأسد سياسة الاعتقال والتجويع للمدنيين في مناطق سيطرته، وهجماته لم تتوقف على شمال غربي سوريا، ويزداد تهديد فيروس كورونا وآثاره ستكون كارثية على جميع المناطق السورية التي دمرت الحرب كل ما يمكن أن يساهم في إنقاذ الأرواح فيها، وتتفاقم المعاناة مع أوضاع معيشية متردية وجفاف يهدد الزراعة ويجعل جميع السكان أمام خطر مجاعة حقيقية. ومع نهاية كل عام وبدء عام جديد يتجدد الأمل بانتهاء الحرب وبداية جديدة لإعادة الحياة لسوريا التي دمرها نظام الأسد وحليفه الروسي.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.