من سوريا إلى أوكرانيا.. الحرب الإنسانية

د.كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني
الدكتور كمال اللبواني

حمل فيديو طارق الجاسم، الذي تنطّح للدفاع عن وطنه الجديد أوكرانيا بعد أن فقد وطنه الأصلي سوريا، بعداً إنسانياً كبير الدلالة، يتعلّق بالصراع بين الإنسانية، عامة، وبين مجرمي الحرب وسلطات الاستبداد والفساد التي تحكم أكثر من نصف العالم وتسعى جاهدة للقضاء على الحضارة الإنسانية الغربية الطابع.

كذلك، لفرض نوع من النظم الرأسمالية المافيوية المستبدة الفاسدة والمجرمة، والتي تدافع عن بعضها في طول العالم وعرضه، وتستند أساساً على الدول التي طبقت النظام الشيوعي سابقاً ثم تحولت لدول رأسمالية مشوهة البناء منزوعة القيم، وعلى ما استمر من نظم الاستبداد القديم، وهي أكثر بكثير من نصف سكان العالم، حتى لا نقول معظمه، مرة أخرى نكتشف أن الحضارة الحديثة وقيمها السياسية والإنسانية مقتصرة على بقعة ليست كبيرة من العالم، في حين أنّ معظم شعوب العالم ما تزال تحت حكم أنظمة سياسية متخلفة جداً بل تعود لعصر العبودية، مع أن هذه الشعوب تطمح بشدة نحو حياة أفضل متحضرة تنطبق عليها مواصفات العصر التي بقيت حكراً على دول رأسمالية نخبوية، ربما هي ذاتها وبسبب مصالحها الضيقة ساهمت في تخلّف الكثير من دول العالم.

نحن اليوم نلمس ضعف النظام الديمقراطي ونظام الحضارة الغربي في مواجهة الاستبداد والشمولية لأنه لم يكن أميناً لمبادئه واستخدم المعايير المزدوجة في تعامله مع بقية العالم، وتغاضى طويلاً عن نشر قيمه في العالم ومساعدة الشعوب على تحقيق انتقالها هي الأخرى لركب الحضارة.

وخير مثال على هذا الضعف، بل الفشل والإهمال، ما حصل ويحصل في عموم الشرق الأوسط، وسوريا خاصة، التي تعرض شعبها لذات الهجوم العنيف من قبل تحالف الشر الذي دافع عن نموذجه وشريكه نظام الأسد، وترك الغرب والعالم كل مسؤولياته تجاه الشعب السوري وتغاضى وبشكل كامل عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وعن قوانين ونظم المجتمع الدولي، وهو ما شجع محور الشر على التمادي حتى وصل به الحال لشنّ حرب داخل أوروبا ذاتها، والمشرحة للاستمرار والتوسع لآسيا كلها. 

وعليه، فقد حان الوقت للبدء بمشروع إشراك هذه الشعوب في معركة الدفاع عن الحضارة والقيم الحديثة، وهذا يتطلب برامج مواجهة شاملة لبناء تحالفات إنسانية عامة ومنظومة تحالف عالمي حضاري منفصل عن نظام الأمم المتحدة الذي بني بعد الحرب العالمية الثانية، والذي أثبت أنه قد انتهى تماماً وأصبح عاجزاً عن حفظ الأمن والسلام في العالم.

نعم لا بد من ربط سوريا بأوكرانيا وبقية أزمات العالم لأن ذات الأسباب وذات اللاعبين موجودون في كلا الصراعين، وهذا ما يذكرنا بالفيتو الروسي الصيني المشترك ضد إحالة جرائم الحرب للمحكمة الدولية، مما يعطي لمرتكبي تلك الجرائم الحصانة التامة ويعلن موجة جديدة من الحروب والوحشية متاح لها اجتياح العالم، قلبه وشرقه وغربه، وما يحدث في أوكرانيا هو نتيجة منطقية لما حدث في سوريا، بل هو لعنة الدم السوري التي ستطال الجميع.

الطريق نحو النصر طويل وشاق، ولا يجب الاستهانة بقدرات محور الشر، ولا بامتداده الواسع، ولا التغاضي عن أزمات الغرب، ومعاييره المزدوجة وأنانيته، ولا يجب إهمال أهمية سوريا كحلقة أساسية من ذلك الصراع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.