يلخص باحثون إسرائيليون، في قراءة مشتركة، دلالات قمة طهران، ويقللون من احتمالات نجاحها في إخراج تفاهماتها لحيز التنفيذ. ويقول باحثو معهد دراسات الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب، راز تسيمت، غاليا ليندنشتراوس، بات حان فيلدمان، وأركادي ميل – مان إن في مقال نشره موقع “المعهد” زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طهران- الأولى منذ نشوب الحرب في أوكرانيا في شباط/فبراير 2022- أتاحت لزعماء الدول الثلاث، الرازحة تحت عقوبات غربية بدرجات متفاوتة، إظهار التعاون في ما بينها في مواجهة الغرب، وتداول تحديات تواجهها في الساحات الداخلية والدولية. ويستذكرون أنه خلال الزيارة، شارك الرؤساء الثلاثة في اجتماع قمة ضمن إطار “عملية أستانا”، من أجل إيجاد تسوية في سوريا، بالإضافة إلى عقد لقاءات ثنائية مع المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، ومع الرئيس إبراهيم رئيسي، ورأت كلّ دولة من الدول المشارِكة في الزيارة فرصة للدفع قدماً بمصالحها، سواء على المستوى الثنائي، أو في ما يتعلق بالساحة السورية.
وحسب المحللين الإسرائيليين، وعلى الصعيد الثنائي، رأت طهران في زيارة بوتين فرصة لتوسيع التعاون مع روسيا ضمن إطار “التوجّه شرقاً” الذي انتهجته القيادة الإيرانية في الأعوام الأخيرة لمواجهة عزلة طهران المتزايدة. ويقولون إنه في الأشهر الأخيرة، أجرت الدولتان سلسلة استشارات تتعلق بالتعاون المحتمل في ما بينهما لمواجهة العقوبات الغربية، بالاستناد إلى تجربة إيران في الالتفاف على العقوبات الاقتصادية. ويتابع هؤلاء في مقالهم المشترك:”خلال الزيارة، تحدثت وسائل الإعلام الإيرانية عن توقيع شركات وطنية إيرانية اتفاقاً تاريخياً مع اتحاد النفط الروسي الحكومي “غازفورم”، بما يعادل قرابة 40 مليار دولار، للاستثمار المشترك في مشاريع للنفط والغاز. لكن ثمة شكاً كبيراً في أن تكون روسيا قادرة حالياً على توظيف هذه المبالغ الطائلة في تطوير حقول النفط والغاز في إيران. علاوة على ذلك، الدولتان تُعتبران متنافستين أكثر مما هما متعاونتان في مجال الطاقة”. وطبقا لهؤلاء فمنذ نشوب الحرب في أوكرانيا، تعرّض حجم تصدير النفط الإيراني الخام إلى الصين لضربة قاسية بسبب بيع النفط الروسي للصين بسعر رخيص، وكذلك حجم التجارة بين إيران وروسيا ليس كبيراً، ورغم ارتفاعه في 2021 إلى أربعة مليارات دولار، فإنه لا يزال يُعتبر منخفضاً نسبياً، ويعتمد في الأساس على منتوجات غذائية، وعلى تصدير القمح من روسيا إلى إيران. بالإضافة إلى ذلك، يزعمون أن إيران وروسيا لا تستطيعان إجراء صفقات في ما بينهما بالعملات الغربية بسبب العقوبات، ومحاولات إجراء صفقات ذات مفعول رجعي بقيت محدودة جداً، لأن أغلبية منتوجات كل منهما ليست جذابة بالنسبة إلى الأُخرى.
الأزمة في أوكرانيا
وطبقاً للرؤية الإسرائيلية هذه فإن الأزمة في أوكرانيا تشّكل فرصة لإيران أيضاً من أجل تعميق التعاون العسكري مع موسكو. وخلال الزيارة، جرت مناقشة وجهات نظر عسكرية، إذ كان أحد أعضاء الوفد الروسي الذي رافق بوتين هو رئيس جهاز الاستخبارات الأساسي في الجيش الروسي. ويشير المحللون الإسرائيليون أنه خلال الزيارة، جرى تبادُل مسودات اتفاق تعاوُن استراتيجي بين الدولتين تضمنت بنداً للتعاون العسكري التقني. ويزعمون أنه من المفترض أن يحلّ هذا الاتفاق محلّ الاتفاق السابق بينهما، والموقّع في مطلع سنة 2001، والذي جرى تمديده عدة مرات إلى أن انتهت صلاحيته في سنة 2020. ويشيرون أيضا إلى أن روسيا ومع الغزو الروسي لأوكرانيا، وضعت قيوداً على تعاونها العسكري مع إيران، خوفاً من رد غربي معتبرين أن هذه القيود لم تعد موجودة، ومن المنتظر أن تقترح روسيا على إيران تكنولوجيا عسكرية متقدمة لم تزودها بها من قبل.
رداً على قمة جدة
ويرى هؤلاء أن هناك مصلحة كبيرة لطهران في توطيد علاقاتها الاستراتيجية مع الكرملين، من بين أمور أُخرى، رداً على فكرة إنشاء منظومة دفاع جوي في الشرق الأوسط بقيادة واشنطن. ويزعمون أن هذه الإمكانية تثير قلقاً كبيراً في طهران، وخصوصاً في مواجهة الحائط المسدود الذي وصلت إليه المحادثات النووية، وخوفاً من تصعيد إضافي بين إيران والغرب. ويتابع المحللون الإسرائيليون: “من جهتها، ترى روسيا أن قيام مثل هذه المنظومة الدفاعية بقيادة واشنطن يشكل تهديداً لمصالحها الإقليمية. في هذا السياق، لا تزال تركيا تقف موقف المتفرج، من جهة، عملية التطبيع مع الإمارات والسعودية وإسرائيل تجعلها تقترب من المحور الذي تقوده واشنطن، وفي المقابل، فإن الخلافات العميقة مع هؤلاء اللاعبين، ومع لاعبين آخرين، تقرّبها من روسيا وإيران”.
ويزعمون أيضا أن زيارة بوتين جاءت في ضوء تقارير في الولايات المتحدة عن نيّة إيران تزويد روسيا بطائرات من دون طيار (مسيّرات) لاستخدامها في الحرب في أوكرانيا، وأن البيت الأبيض نشر معلومات مدعومة بصورة من الأقمار الصناعية، تحدثت عن زيارة مسؤولين روس في الأسابيع الأخيرة إلى قواعد عسكرية في وسط إيران عدة مرات، من أجل فحص إمكانية استخدام مسيّرات هجومية في أوكرانيا. لم تؤكد إيران هذه المعلومات، لكن وزير الخارجية الإيراني كذّبها أمام نظيره الأوكراني، ولاحقا قال قائد القوات البرية في الجيش الإيراني، عشية زيارة الرئيس بوتين، إن الجيش الإيراني صنع مسيّرات متقدمة، وهو مستعد لتصدير عتاد عسكري وسلاح إلى دول صديقة.
من جهتهم يشكك المحللون الإسرائيليون في أن يكون لدى إيران القدرة على إنتاج مئات المسيّرات المتقدمة خلال وقت قصير، من هنا، حتى لو اشترت روسيا مسيّرات من إيران، فإنه لن يكون بكميات كبيرة. ويضيف هؤلاء: “إذا تزوّدت روسيا بمسيّرات، فمن المحتمل أن تتطور في أوكرانيا ساحة قتال ستشارك فيها مسيّرات من صنع تركيا موجودة لدى أوكرانيا، من جهة، وفي الجهة الأُخرى مسيّرات من صنع إيراني تستخدمها روسيا”.
السياق السوري
في السياق السوري، كشفت القمة الثلاثية في طهران عن مصلحة إيرانية- روسية لصرف تركيا عن القيام بعملية جديدة في شمال سوريا. هذا ما يقوله المحللون الإسرائيليون، ويرون أن السيطرة الكردية، وخصوصاً هيمنة الفرع السوري من الحركة الكردية على شمال سوريا، تشكل تهديداً أمنياً بالنسبة إلى أنقرة. وبرأيهم يُضاف إلى ذلك الإحباط المستمر في أنقرة، لأن الأكراد تخطوا في نهاية سنة 2015 “الخط الأحمر” الذي وضعته تركيا لردعهم عن محاولة السيطرة خلال قتالهم ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) على أراضٍ تقع غربي نهر الفرات. ويعتبرون أنه بالإضافة إلى التهديد الأمني، فإن وجود النازحين السوريين على الأراضي التركية يشكّل أيضاً مشكلة داخلية مشتعلة تساهم في تراجُع التأييد لأردوغان وحزبه، وخصوصاً في ضوء استمرار تراجُع الوضع الاقتصادي في تركيا.
برأيهم أيضاً أن إيران تتخوف من أن تؤدي عملية عسكرية تركية إضافية إلى المزيد من زعزعة سيطرة الرئيس الأسد على سوريا، وإلى توسُّع الوجود العسكري التركي في مدينة تل رفعت الواقعة في الضاحية الجنوبية لمحافظة حلب، والقريبة من البلدتين الشيعيتين نُبل والزهراء، اللتين تُعتبران منطقة نفوذ لإيران والميليشيات المؤيدة لها. وخلال الاجتماع مع أردوغان، حذّر المرشد الأعلى خامنئي من أن عملية عسكرية في شمال سوريا ستُلحق الضرر حتماً بتركيا وبالمنطقة كلها، وسيستفيد منها الإرهابيون”.
ويتابع محللو معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: “تُظهر تصريحات الأطراف أن إيران وروسيا لم تنجحا في إقناع الرئيس التركي بالتراجع عن نيته شنّ عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، ومن الممكن أنهما سيمنعان تركيا في الوقت الراهن من توسيع نشاطها في شمال شرق سوريا. الخلافات في الرأي بشأن الساحة السورية موجودة أيضاً بين إيران وروسيا فيما يتعلق باستمرار الهجمات الإسرائيلية على سوريا”. ويشير هؤلاء أنه في الملخص الرسمي الذي نشره الكرملين للّقاء الثلاثي لم يأتِ أي ذكر لإسرائيل أو للهجمات الإسرائيلية في سوريا، رغم أن الموضوع طرحه الإيرانيون الذين طالبوا بوقف العمليات الإسرائيلية. ورغم الخلافات في الرأي بين الدول الثلاث، فإنه يبدو أنها تعترف بالحاجة إلى التوصل إلى اتفاقات ما للمحافظة على مصالحها في سوريا”.
روسيا ليست وحيدة
بالنسبة إلى مصلحة روسيا، يقول المحللون الإسرائيليون إن اللقاء في طهران يشكل فرصة للرئيس بوتين كي يرسل رسالة إلى العالم والرأي العام الداخلي، مفادها أن روسيا ليست وحيدة في الساحة الدولية ولديها علاقات جيدة مع دول مختلفة، بينها تركيا العضو في حلف الناتو. هذا رغم العقوبات والبرودة في العلاقات بين موسكو ودول عديدة، وخصوصاً في العالم الغربي. علاوة على ذلك، يرى هؤلاء أيضا أن الاجتماع يقوّي وجهة نظر روسيا في أن العديد من الدول في العالم تفضّل عالماً متعدد الأقطاب، لا أحادي القطب بقيادة الولايات المتحدة.
مصالح تركيا
بالنسبة إلى تركيا، جرى اللقاء على خلفية التوتر المتزايد بين أنقرة وطهران، في ضوء السباق على النفوذ في بلاد القوقاز والعراق، وتقاسُم الموارد البحرية، والغضب في أنقرة بشأن المسّ بالسيادة التركية، في ضوء النشاطات التجسسية ومحالاوت اغتيال شخصيات إيرانية في المنفى موجودة على أراضيها، والنية لشن هجمات إيرانية ضد أهداف إسرائيلية في تركيا. يشار إلى أنه في إطار اللقاء الأسبوعي للمجلس الاستراتيجي للتعاون بين إيران وتركيا، وقّعت أنقرة وطهران اتفاقات من أجل توظيف مشترك والتعاون في مجالات الدبلوماسية والإعلام والتجارة، بالإضافة إلى التعهدات بالعمل من أجل زيادة حجم التبادل التجاري إلى الثلث ورفعه إلى 30 مليار دولار. مع ذلك، يقول المحللون الإسرائيليون إن التعهدات بزيادة حجم التبادل التجاري التي أُعطيت في مناسبات عديدة في الماضي لم تتحقق. وبالنسبة لهم يشير تركيز أردوغان على توسيع التعاون في مجال الصناعات الأمنية إلى العقبات التي تعترض تطوير التجارة المدنية بين الدولتين ويتابعون: “كذلك توسيع التعاون في مجال الغاز هو موضع شك، في ضوء التنوع الكبير في مصادر الطاقة لتركيا في الأعوام الأخيرة واستياء أنقرة من الإيقاف الموقت لتصدير الغاز من إيران في شباط/فبراير الماضي”.
خلاصة
وبخلاف مخاوف إسرائيلية من تبعات هذا التحالف يخلص المحللون الإسرائيليون في مقالهم المشترك للقول إن قمة طهران عكست التقاءً جزئياً في المصالح بين إيران وروسيا وتركيا، إلى جانب استمرار الخلافات في الرأي والتعارض في المصالح، مع شكوك متبادلة. ويرون أن هناك شكاً كبيراً في استطاعة زعماء الدول الثلاث تحقيق الاتفاقات التي جرى التوصل إليها خلال الاجتماع، فكم بالحري الدفع قدماً بالتعاون فيما بينهم من أجل إنشاء محور معادٍ للغرب قادر على أن يواجه، بنجاح، التحديات التي تواجهها هذه الدول في الساحات الداخلية والإقليمية والدولية. وهذا الشك برأيهم ينطبق بصورة خاصة على تركيا التي سيتأثر حجم تعاونها مع روسيا وإيران بالفوائد التي ستجنيها من عمليات التطبيع بينها وبين دول المنطقة، وكذلك في مدى استجابة الدول الغربية لمطالبها الأمنية”.
القدس العربي
