سوريا: هل يجنح النظام للتهدئة في السويداء تحضيراً لتخفيض الوجود الروسي في المنطقة؟

يعيش جبل العرب ذو الغالبية الدرزية، جنوبي سوريا، حرباً صامتة، وسط محاولات النظام السوري، إحداث اختراق أمني في المنطقة، وتوسيع دائرة المتعاونين معه للتغلب على العقبات التي تحول دون سيطرته الكاملة على المحافظة التي تتخذ موقفاً حيادياً منذ عقد من الزمن، خاصة أنه يواجه فيها تحدياً حقيقاً نتيجة فشله في بسط سيطرته بالقوة على غرار باقي المحافظات، لا سيما مع بروز دور قوي نسبياً لكتائب محلية عسكرية تفرض سيطرتها على أجزاء واسعة من المحافظة الجنوبية.
وتتويجاً للاجتماعات واللقاءات بين ضباط أمن النظام وبعض القيادات الروحية والمجتمعية في مدينة السويداء، أعلن مدير إدارة المخابرات العامة في سوريا، اللواء حسام لوقا، عن افتتاح مركز للتسويات غير المشروطة للمتخلفين عن الخدمة الإلزامية في المدينة، بحضور فعاليات سياسية واجتماعية ودينية، في تجمع غلب عليه طابع الاحتفال، والخطابات الحماسية. ويحصل المتقدم للتسوية على تصريح أمني يخوّله المرور على كافة الحواجز ونقاط التفتيش في مناطق سيطرة النظام، والدخول إلى المؤسسات والدوائر الحكومية، دون التعرض للملاحقة، وهو ما يفتح الباب مشرعاً أمام الكثير من الشبان المطلوبين والراغبين بالسفر، للخروج من سوريا، بينما يتوجب على الحاصل على التسوية بعد انقضاء ستة أشهر الالتحاق بالخدمة العسكرية، في حال كان متخلفاً أو فاراً.
المتحدث باسم شبكة أخبار «السويداء 24» المحلية الإخبارية، ريان معروف قال لـ«القدس العربي» إن التسوية التي أعلنت عنها إدارة المخابرات العامة في سوريا جاءت نتيجة «الاجتماعات بين ضباط أمن النظام ومرجعيات دينية، والتي بدأت منذ شهر أغسطس /آب/ الفائت، على خلفية الانتفاضة الشعبية ضد الميليشيات والعصابات المدعومة من شعبة المخابرات العسكرية التي تنشط في المحافظة».

مطالبات بتحسين الأوضاع المعيشية

وأضاف معروف أن «الفعاليات الدينية التي التقت مع مسؤولي النظام طالبت بتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردية بالدرجة الأولى، وكف يد الأفرع الأمنية، وتفعيل الضابطة العدلية والقضاء، لكن ضباط النظام قالوا إنهم لا يملكون حلولاً لمشاكل الناس والأزمات المتراكمة، باستثناء حلول أمنية جزئية». ونتيجة لعرض النظام الذي يقضي بالخدمة العسكرية ضمن مناطق الجنوب السوري حصراً، فقد «توافد عشرات الأشخاص الراغبين بتسوية أوضاعهم، من متخلفين وفارين من الخدمة العسكرية، ومطلوبين بقضايا أمنية، بالإضافة إلى أهالي بعض المغتربين المطلوبين. وكانت القاعة تغص بصور رأس السلطة، لتبدأ التسوية بكلمات ألقاها مسؤولو السلطة، والشخصيات الاجتماعية الحاضرة».
وأشرفت لجنة على تسجيل أسماء وبيانات الراغبين في التسوية، وفق المصدر الذي أشار أيضاً إلى «تعهد المسؤولين بأن تكون الخدمة العسكرية للمتقدمين بتسوية أوضاعهم ضمن تشكيلات الفيلق الأول، الذي ينتشر في المنطقة الجنوبية من سوريا، وتغطي وحداته محافظات درعا وريف دمشق والقنيطرة والسويداء، وهذا الإجراء كان معتمداً في التسوية التي امتدت بين 2021-2022. أما الفارون من الخدمة، فكانت الوعود بأن يعودوا للالتحاق بأماكن خدمتهم الرئيسية، دون التعرض لعقوبات». وتستقبل لجنة التسوية الراغبين بإجرائها، في الصالة نفسها، يومياً، كما أنها لا تشترط على أحد تسليم سلاح أو الخضوع لتوقيف لدى السلطات الأمنية. وهو بند مستنسخ من التسوية التي أطلقها النظام السوري سابقاً في السويداء عام 2021.
وعادت قضية التسوية من جديد، بعد سلسلة اجتماعات عقدها مسؤولون أمنيون وعسكريون، من بينهم اللواء حسام لوقا، مع وجهاء وفعاليات اجتماعية ودينية من السويداء، خلال الشهرين الماضيين، في أعقاب الانتفاضة المسلحة التي أطاحت بالميليشيات المحلية المدعومة من شعبة المخابرات العسكرية.
الباحث لدى المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام رشيد الحوراني اعتبر أن الهدف الأساس من كل التسويات التي يعلنها نظام الأسد ومنها التسوية المعلنة في مدينة السويداء مؤخراً هو الدعاية لنظامه وشرعيته واستمرار مؤسساته في تنفيذ مهامها، كما تشير هذه التسوية إلى أن النظام يحاول استمالة أبناء السويداء للالتحاق بصفوف قواته ومن ثم التحقيق معهم كما فعل مع أبناء درعا عقب تسوية 2018، وهو ما ييسر له تشكيل قاعدة بيانات لكافة المعارضين له، ليتعامل معهم بأسلوبه البوليسي، وفق المتحدث.
ويعكس الإعلان عن هذه التسوية وفق المتحدث لـ «القدس العربي» عن «إخفاق وعجز النظام في تحقيق المطالب التي طرحت خلال الاجتماع الذي عقد بين ضباط أمن النظام مع القيادات الروحية والمجتمعية في المدينة، وعلى الرغم من أنه لم يعلن عن مخرجات الاجتماع وما دار فيه، لكن الوجهاء الروحيين والمجتمعين طالبوا ضباط أمن النظام بوضع حد للفلتان الأمني الذي تقف الأجهزة الأمنية وراءه في السويداء»، لاسيما أنه «بات واضحا ومعلوما لدى أبناء المحافظة أن النظام يناور معهم ولن يكون في مقدوره فعل أي شيء يذكر، وسيستمر أبناء السويداء عبر الهيئات الأهلية في فلسطين ولبنان بالمحافظة على وجودهم وموقفهم من النظام».
وإزاء الإعلان عن تسوية وإفرادها للمخالفين عن الخدمة الالزامية اعتبر المتحدث أن ذلك يعكس مدى «معاناة النظام السوري من النقص الكبير في صفوف ميليشياته في ظل تخلف الكثير من السوريين عن الخدمة، والفرار الذي تعاني منه قواته لظروف متعددة منها ضعف المردود الاقتصادي خلال الخدمة والاستنفار الدائم».

لماذا يريد التهدئة الآن؟

ويجري النظام السوري هذه المرة التسوية الأمنية بدون وجود وساطة أو رعاية روسية، وهو ما ترجمه الكاتب والمحلل السياسي باسل معراوي بأن النظام يحضر لمرحلة ما بعد الانسحاب الروسي الذي يتآكل تدريجياً. وقال لـ «القدس العربي» إن «الروس ينشغلون بحربهم، ولا يستطيع النظام فتح مناطق صراع جديدة أو تأجيج الأزمة، وسيجنح للتهدئة نتيجة ضعفه العسكري والأمني على الأرض، وقد يكون وضع حسبانه على المدى القريب انشغال إيران بأزمات داخلية، فضلاً عن الوضع العراقي الذي هو الآن على حافة الهاوية، واضطرار إيران إلى تخفيف دعمها لميليشياته أو سحب ميليشيات تتبع «الحرس الثوري» للاستفادة منها في أماكن ملتهبة». وأضاف «يعمل النظام على نفس الخطى في ريف إدلب حيث ناشد أهالي مدينة معرة النعمان العودة إليها وافتتاح مركز للمصالحة والتسويات بناحية خان شيخون لاستقبال من يريد التسوية، ممن هم داخل الأراضي التي تسيطر عليها ميليشياته، أو من الراغبين في العودة من تركيا».

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.