رفضتها معظم الأطراف الدولية.. هل تطلق أنقرة عملية عسكرية شمالي سوريا؟

مجددا تفتح تركيا ملف العملية العسكرية في الشمال السوري، متذرعة بما حصل في إسطنبول قبل نحو أسبوع واتهامها لـ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في سوريا، بالوقوف وراء الانفجار، لتفسح المجال أمام قواتها لاجتياح مناطق شمالي سوريا.

بيد أن الذرائع التركية، حتى الآن تواجه رفضا شديد من قبل الأطراف الدولية الفاعلة في سوريا، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، التي رفضت مرارا أي تحرك عسكري تركي في سوريا، فهل تستطيع تركيا تجاوز الرفض الدولي وإطلاق العملية.

تهديدات متجددة

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعلن الثلاثاء الفائت، أن بلاده ستشن قريبا عملية عسكرية برية في سوريا، في تهديدات تشبه إلى حد كبير ما أطلقه أردوغان قبل أشهر، لكنه تراجع عن شن العملية بسبب الرفض من جميع الأطراف الفاعلة في سوريا، وأبرزها أميركا وروسيا.

المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات، يستبعد نجاح تركيا في تنفيذ تهديداتها العسكرية في الشمال السوري، مشيرا إلى أن كل ما تستطيع أنقرة فعله هو عمليات محدودة جدا، وذلك منعا للاحتكاك والتصعيد مع القوى العسكري والدولية الأخرى.

فرحات قال في حديث خاص مع “الحل نت“، إنه “من الناحية العسكرية، فإن أي تحرك عسكري يستهدف أي جزء من سوريا، له حساسية بالغة الدقة، هناك توافق ضمني بين القوى العسكرية الموجودة على عدم الاحتكاك والتصعيد في المسرح السوري، لذلك لا تستطيع تركيا أن تتحرك بدون أن تحصل على الضوء الأخضر“.

عملية غير ممكنة

الضوء الأخضر لم تحصل عليه تركيا حتى الآن، خاصة من الجانب الأميركي الذي جدد رفضه أي عملية عسكرية للقوات التركية، ما يعقد من الموقف التركي، فتركيا لا تستطيع إطلاق العملية بدون التنسيق لا سيما العسكري مع الأطراف الأخرى.

فرحات أشار إلى أن أي عمل عسكري، يجب أن يكون محكوما بالتوافقات بين الأطراف الموجودة في سوريا، منعا لأي احتكاك، حيث أن هنالك العديد من الإجراءات والتفاهمات تحد من إمكانية القيام بعمل عسكري حاليا.

حول ذلك أضاف المحلل العسكري، أنه “يمكن أن يكون هناك عمل عسكري محدود، لكن هجوم شامل على مناطق وتغيير في الخرائط اليوم، أعتقد أن هذا ضرب من ضروب المستحيل، في ظل المعطيات الدولية والإقليمية والمحلية، نحن نعلم كعسكريين، أنه عندما يتم إدخال القوات الجوية يجب إبلاغ الجهات الأخرى، أن كان الولايات المتحدة الأميركية أو روسيا وغيرهم، بالتالي أي عملية لتركيا يترتب عليها بشكل قاطع التنسيق مع القوى الأخرى“.

بدوره اعتقد المحلل السياسي، بسام الأحمد، أن التدخلات التركية في سوريا، مبنية بشكل أساسي على المصالح الداخلية للحزب الحاكم في تركيا، وأن الحديث عن التهديدات الأمنية هي مجرد ذرائع لتنفيذ هذه العمليات.

حول ذلك قال في حديثه لـ“الحل نت“، “أنقرة تسعى لتحقيق مصالح انتخابية على حساب الأراضي السورية، واستغلت تفجير إسطنبول لترويج العمل العسكري شمالي سوريا، بالتأكيد لا”.

تعليقا على التهديدات التركية، قال الناطق باسم الخارجية الأميركية في تصريحات نقلتها صحيفة “الشرق الأوسط“، إن الولايات المتحدة تعارض أي تحرك عسكري يزعزع استقرار الوضع في سوريا. وأوضح أنَّ واشنطن أبلغت أنقرة قلقها البالغ من تأثير التصعيد على هدف محاربة تنظيم “داعش“.

تركيا كانت قد تحدثت عن إمكانية شن عملية عسكرية قبل أشهر، وذلك بحجة التهديدات الأمنية القادمة من حدودها في سوريا، ولإقامة “المنطقة الآمنة“، للاجئين السوريين من جهة أخرى، لكنها واجهت رفضا حادا من واشنطن وموسكو.

طهران من جانبها أكدت موقفا رافضا للعملية التركية على لسان كل من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وهو موقف نابع على ما يبدو من رغبة إيرانية في منع تمدد نفوذ أنقرة في الشمال السوري، فيما قال رئيسي، إن الخطوات العسكرية لا تحل الأزمة السورية، بل تفاقمها. بينما قال خامنئي خلال لقاء ثنائي مع أردوغان، إن أي عمل عسكري في سوريا سيعود بالضرر على المنطقة بأكملها.

مطامع تركية باتت معلنة في الشمال السوري، فمن منطقة آمنة من أجل ترحيل أكثر من مليون لاجئ سوري، إلى عملية عسكرية تريد تنفيذها من أجل توسيع سيطرتها عسكريا وسياسيا في الملف السوري.

هي أيضا تستغل تبديد فرص الحل السياسي في سوريا لإحداث متغيرات جديدة على الأرض من خلال التصعيد العسكري لتعزيز مكتسباتها على حساب إطالة أمد الصراع في سوريا.

الصحفي المختص في الشأن التركي سركيس قصارجيان، رأى أن سياسات أنقرة تقوم على المتغيرات السياسية والإقليمية والدولية، حيث أن “أحلام الرئيس التركي في شمال سوريا والعراق ليست جديدة“. قصارجيان قال في حديث سابق لـ“الحل نت“، “أنقرة في الأساس هي أحد مشاكل الأزمة السورية وليس طرفا للحل فيها“.

دور أنقرة السلبي

حول طرح تركيا لمشروع المنطقة الآمنة كحجة لتوسيع نفوذها في سوريا، أضاف قصارجيان، “نتذكر أن أنقرة طرحت مشروع المنطقة الآمنة منذ بداية الأزمة السورية، وهو لم يلق قبولا لا على المستوى الإقليمي ولا على المستوى الدولي. ما لم تنجح أنقرة في تحقيقه عندما كانت المفوض من قبل أصدقاء سوريا لن تنجح في تحقيقه اليوم وحيدة“.

قصارجيان أوضح أن السياسة التركية تتوجه حاليا للداخل التركي بشكل أكبر، وذلك  بشكل يمكن أن يتوافق مع آمال الرئيس التركي في الاستمرار في الحكم لفترة رئاسية ثالثة بعد انتخابات العام القادم “وهو ما يبدو مستحيلا بدون حل أزمة اللاجئين“.

منذ 2016 شنت تركيا ثلاث عمليات عسكرية في سوريا، كان أولها “درع الفرات” (بين مدينتي أعزاز وجرابلس) التي قامت ضد تنظيم “داعش” الإرهابي وسيطرت بموجبه تركيا وفصائل المعارضة السورية المدعومة من أنقرة على مناطق في شمال غربي سوريا مثل مدن جرابلس والباب التي كانت يسيطر عليها التنظيم الإرهابي. تلاها ما أسمته تركيا بـ“غصن الزيتون” عام 2018، وعملية “نبع السلام” (بين مدينتي تل أبيض ورأس العين) عام 2019.

حتى الآن لا يبدو أن أنقرة حصلت على الضوء الأخضر لشن عملية عسكرية حقيقية شمال سوريا، فيما تشير المعطيات الدولية إلى أن عملا عسكريا من شأنه تغيير خرائط السيطرة في سوريا، لا يمكن أن يتحقق في الوقت الراهن.

الحل نت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.