شمال سوريا: لماذا غيّر الجيش التركي طبيعة وخريطة أهدافه؟

أعلنت وزارة الدفاع التركية الاثنين تحييد 3 عناصر من قوات سوريا الديمقراطية ضمن عملية “المخلب – السيف” العسكرية الجوية ضدّ حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية، التي أطلقتها في 19 نوفمبر /تشرين الثاني 2022 شمال سوريا.
وأوضحت في بيان أمس، “أن القوات التركية ردت على تحرش الإرهابيين في نقطة عسكرية تركية على الحدود مع سوريا”. وأضافت أنه عقب تحييد 6 إرهابيين الأحد، تم تحييد 3 آخرين الاثنين.
ونفذت القوات التركية بالتعاون مع الجيش الوطني السوري عمليات عدة شمالي سوريا، ضد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” أجبرت فيها الأخير على الانحسار آلاف الكيلومترات.
وكانت قد أعلنت وزارة الدفاع التركية مطلع الأسبوع الجاري، عبر موقع تويتر، مقتل وجرح 11 عنصراً من “قسد” (ذات الغالبية الكردية) في قصف على موقع لقواتها في تل رفعت في ريف حلب. ومضى أكثر من شهرين على إطلاق تركيا عملية “المخلب – السيف” العسكرية الجوية ضدّ حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية، وقد انخفض بشكل واضح مستوى التصعيد بعد 3 أسابيع من الإعلان عنها.

عمليات نوعية

لكن منذ بداية عام 2023 بدأت تركيا تشنّ عمليات نوعية في سوريا ضِمن منحى مختلف؛ حيث تغيّرت بشكل واضح طبيعة وخريطة الأهداف ومواقعها.
وفي تقرير حديث لمركز جسور للدارسات الاستراتيجية، حول العمليات التركية ضد قوات سوريا الديمقراطية وتفاصيلها ودلالاتها، أشار إلى أن جميع العمليات التركية كانت في عمق مناطق سيطرة قسد على بُعد أكثر من 60 كم جنوب الحدود “السورية – التركية”، وهو تغيُّر كبير في النطاق المعتاد للعمليات والتي كانت تتركز عادةً ضِمن عمق 30 كم جنوب الحدود، وفي طبيعة الشخصيات المستهدَفة والمتورطة في “أعمال إرهابية” انطلقت من مناطق سيطرة “قسد” إلى خارج سوريا وداخل تركيا على وجه الخصوص، إضافة إلى التجاهل غير المعتاد لإعلام قسد وحزب الاتحاد الديمقراطي لمعظم تلك العمليات والإشارة لها فقط كتفجيرات مجهولة السبب والمصدر رغم إعلان الحزب الشيوعي التركي عن سجلات قياديّين قتلا في إحدى تلك العمليات. وحسب التقرير: في 3 كانون الثاني/ يناير، نفّذ جهاز الاستخبارات التركي عملية أمنية في الحسكة قُتل على إثرها كلٌّ من زكي غوربوز ولقبه أحمد شوريش وأوزغور نام أوغلو الملقب بفرات نوال؛ حيث تم استهداف مقر إقامتهما في قرية “تل طويل مرشو” الواقعة على المدخل الشمالي لمدينة الحسكة، والشخصان المستهدفان هما مسؤولَا تنظيم FESK الجناح المسلّح للحزب الشيوعي التركي- الماركسي اللينيني TKP- ML وهو تنظيم محظور في تركيا ومتحالف مع حزب العمال الكردستاني، كما أنّهما متورطان في تنسيق وتنفيذ عمليات داخل تركيا أهمّها استهداف الحافلة التابعة لسجن بورصة في 20 نيسان/ إبريل 2022، وهجمات صاروخية شنّها التنظيم من مناطق سيطرة قسد مُستهدِفاً الداخل التركي.
وفي 11 كانون الثاني/ يناير، قُتل قياديان من حزب العمال الكردستاني دون الإعلان عن هُوِيَّتهما بعد؛ نتيجة استهداف يُرجَّح أنّه تمّ باستخدام الطيران المسير التركي لقصف السيارة التي كانت تقلّهما عند مرورها قرب محطة الجزيرة على طريق “القامشلي- الحسكة” الدولي، ولا يبعد مكان الاستهداف هذا سوى 8 كم عن مكان الاستهداف الأول.
وفي 18 كانون الثاني/ يناير، قُتل قياديان من حزب العمال الكردستاني على الأقل دون الإعلان عن هُوِيَّتهما؛ حيث اكتفى الإعلام التابع لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD بالقول: إنّ الطيران المسير التركي استهدف السيارة التي كانت تقلّهما أثناء مرورها قرب محطة وقود عند مفرق قرية معشوق على الطريق الواصل بين القامشلي والمالكية/ ديريك شرق الحسكة.
وفي 19 كانون الثاني/ يناير، وقع انفجار – قالت قسد: إنه ناتج عن استهداف بالطيران المسيّر – ضِمن إحدى النقاط العسكرية على أطراف مدينة الرميلان النفطية، والتي تتمركز فيها قيادة التحالف الدولي في سورية، ويوجد فيها عدد من قياديي الصف الأول لحزب العمال الكردستاني المنتدبين من قِبله لإدارة مناطق سيطرة قسد، التي قالت أيضاً: إنّ الانفجار استهدف إحدى نقاط “مكتب العلاقات العسكرية” التابع لها والمسؤول عن تنسيق اللقاءات مع قوات التحالف الدولي.

«ضرب مناطق التهديد»

ولم تعلن تركيا عن طُرق وآلية تنفيذ هذه العمليات، لكن وَفْق المعطيات والمعلومات المتوفرة عنها يُمكن قول ما يلي: إنّ تركيا لجأت إلى تنفيذ عمليات نوعية تستهدف فيها الشخصيات والمواقع المسؤولة عن التهديد المباشر لأمنها القومي، كبديل مؤقت على الأقل عن العملية العسكرية البرية في مناطق سيطرة قسد.
كما أن مواقع العمليات وطبيعة تعامُل قسد وحزب الاتحاد الديمقراطي معها يدعو للاعتقاد بوجود تنسيق أمني واستخباراتي عالٍ بين تركيا والولايات المتحدة، استجابةً لمطالب أنقرة بتحييد قوائم محددة من قياديي وكوادر التنظيمات المنتشرة داخل مناطق سيطرة قسد والتي تصنفها تركيا كمنظمات إرهابية.
ولفت التقرير إلى توقيت العمليات المتزامن مع مساعي روسيا لإعادة العلاقات بين تركيا والنظام السوري يدعو للاعتقاد بوجود تعاوُن وتنسيق أمني واستخباراتي بين روسيا وتركيا لتنفيذ وشن الضربات النوعية، وذلك كأداة مساعدة لدفع ودعم مساعي التقارب؛ خاصةً أن موسكو تمتلك قواعدَ ونقاطاً عسكرية عديدة في المناطق القريبة من مواقع الاستهداف وتقوم بدوريات دائمة في هذه المناطق عدا الوجود العسكري والأمني لقوات النظام فيها.


وانتهى التقرير إلى أن استمرار العمليات النوعية بذات طريقة التعامل الحالية معها من قِبل قسد وحزب الاتحاد الديمقراطي سيؤدي غالباً لتصفية وتحييد تيار فاعل من كوادر حزب العمال الكردستاني وبقية التنظيمات التابعة له في مناطق سيطرة قسد، وقد يؤدي ذلك لنشُوء توتُّر أو احتقان بين هذه التنظيمات من جهة وقسد وحزب الاتحاد الديمقراطي من جهة أخرى خاصةً في حال ارتفاع معدل العمليات واستهدافها لشخصيات مرتبطة بقسد أو تعمل معها بشكل مباشر.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.