الزيارات العربية إلى سوريا.. دلالات سياسية أم تكنيك دبلوماسي؟

منذ وقوع الزلزال الذي ضرب كلّ من سوريا وتركيا في 6 شباط/فبراير الجاري، تلقى الرئيس السوري بشار الأسد، سيلا من الاتصالات من قادة الدول العربية، بالإضافة إلى زيارتين من أبرز دولتين عربيتين تريدان إعادة تأهيل الأسد على الصعيدين العربي والدولي. والبلدان هما الإمارات والأردن، في خطوة تُعتبر تضامنية ولكنها قد تسرّع عملية تطبيع علاقات الأسد مع محيطه الإقليمي، وفق ما يراه محللون.

الأسد من جانبه رحّب خلال لقائه نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي، قبل يومين، بأي موقف إيجابي يصدر من الدول العربية، التي قطع عدد منها علاقاتها مع دمشق منذ بداية الحراك الشعبي في سوريا عام 2011. وموقف الأسد هذا يوحي بأنه يسعى لاستغلال وانتهاز الوضع والظرف المأساوي للشعب السوري. الأخير الذي تضرر ولا يزال منذ سنوات طويلة، جرّاء سياسة وعقلية السلطة الحاكمة في دمشق منذ عقود عدة، وفق تصريحات دولية.

بعد عام 2011، قطعت دول عربية عدة خصوصا الخليجية منها علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا وأغلقت سفاراتها، كما علقت “جامعة الدول العربية” عضوية حكومة دمشق. غير أن الأردن كان من الدول العربية القليلة التي أبقت على علاقاتها مع اتصالات محدودة. وتوقفت الزيارات الرسمية بين البلدين لسنوات عدة قبل أن تُستأنف في العام 2021. كما التقى وزير الخارجية الأردني نظيره السوري على هامش اجتماعات دولية سابقة.

من هذا المنطلق، تُثار عدة تساؤلات حول السياق السياسي ودلالة التوقيت التي يمكن من خلالها فهم زيارة وزير خارجية الأردن ووزير خارجية الإمارات مؤخرا إلى سوريا ومن ثم انتقال الأول لأميركا، بجانب إذا ما ثمة نية لاستغلال الزلزال وتوظيفه سياسيا في اتجاه تعويم الأسد، وأخيرا موقف واشنطن مستقبلا واستراتيجيا من الأسد على مستوى العقوبات وكذلك المساعدات الإنسانية بالتبعية وثم الترتيب لمستقبل الأسد سياسيا.

مضامين سياسية؟

في زيارة تُعد الأولى من نوعها لمسؤول أردني كبير منذ بدء الحرب السورية المستمرة لأكثر من 11 عاما والذي اتخذ فيه الجانبان مواقف متعارضة، زار وزير الخارجية الأردني، الصفدي، دمشق والتقى بالرئيس السوري ووزير خارجيته فيصل المقداد، يوم الأربعاء الماضي.


 » تقارير معمقة »

الزيارات العربية إلى سوريا.. دلالات سياسية أم تكنيك دبلوماسي؟

الزيارات العربية إلى سوريا.. دلالات سياسية أم تكنيك دبلوماسي؟سوريا

أستمع للمادة

منذ وقوع الزلزال الذي ضرب كلّ من سوريا وتركيا في 6 شباط/فبراير الجاري، تلقى الرئيس السوري بشار الأسد، سيلا من الاتصالات من قادة الدول العربية، بالإضافة إلى زيارتين من أبرز دولتين عربيتين تريدان إعادة تأهيل الأسد على الصعيدين العربي والدولي. والبلدان هما الإمارات والأردن، في خطوة تُعتبر تضامنية ولكنها قد تسرّع عملية تطبيع علاقات الأسد مع محيطه الإقليمي، وفق ما يراه محللون.

الأسد من جانبه رحّب خلال لقائه نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي، قبل يومين، بأي موقف إيجابي يصدر من الدول العربية، التي قطع عدد منها علاقاتها مع دمشق منذ بداية الحراك الشعبي في سوريا عام 2011. وموقف الأسد هذا يوحي بأنه يسعى لاستغلال وانتهاز الوضع والظرف المأساوي للشعب السوري. الأخير الذي تضرر ولا يزال منذ سنوات طويلة، جرّاء سياسة وعقلية السلطة الحاكمة في دمشق منذ عقود عدة، وفق تصريحات دولية.

بعد عام 2011، قطعت دول عربية عدة خصوصا الخليجية منها علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا وأغلقت سفاراتها، كما علقت “جامعة الدول العربية” عضوية حكومة دمشق. غير أن الأردن كان من الدول العربية القليلة التي أبقت على علاقاتها مع اتصالات محدودة. وتوقفت الزيارات الرسمية بين البلدين لسنوات عدة قبل أن تُستأنف في العام 2021. كما التقى وزير الخارجية الأردني نظيره السوري على هامش اجتماعات دولية سابقة.

من هذا المنطلق، تُثار عدة تساؤلات حول السياق السياسي ودلالة التوقيت التي يمكن من خلالها فهم زيارة وزير خارجية الأردن ووزير خارجية الإمارات مؤخرا إلى سوريا ومن ثم انتقال الأول لأميركا، بجانب إذا ما ثمة نية لاستغلال الزلزال وتوظيفه سياسيا في اتجاه تعويم الأسد، وأخيرا موقف واشنطن مستقبلا واستراتيجيا من الأسد على مستوى العقوبات وكذلك المساعدات الإنسانية بالتبعية وثم الترتيب لمستقبل الأسد سياسيا.

مضامين سياسية؟

في زيارة تُعد الأولى من نوعها لمسؤول أردني كبير منذ بدء الحرب السورية المستمرة لأكثر من 11 عاما والذي اتخذ فيه الجانبان مواقف متعارضة، زار وزير الخارجية الأردني، الصفدي، دمشق والتقى بالرئيس السوري ووزير خارجيته فيصل المقداد، يوم الأربعاء الماضي.

الصفدي أكد أن زيارته إلى دمشق جاءت تعبيرا عن التضامن مع الشعب السوري، مضيفا أن الرسالة واضحة وهي تأكيد الوقوف إلى جانب الشعب السوري لتجاوز المحنة وتداعياتِ الزلزال الكارثي. وبحث مع الأسد “العلاقات الثنائية وسبل تطويرها والجهود المبذولة للتوصل لحل سياسي للأزمة السورية يعالج جميع التبعات الإنسانية والأمنية والاقتصادية والسياسية”، وفق “وكالة الأنباء الأردنية” (بترا).

في اليوم الثاني من وقوع الزلزال في سوريا، أجرى العاهل الأردني عبدالله الثاني، اتصالا هاتفيا مع الأسد، قدّم فيه التعازي بضحايا الزلزال، معربا عن “تضامن ووقوف الأردن قيادة وشعبا إلى جانب سوريا في هذه الكارثة، وما نجم عنها من خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، واستعداده لتقديم ما يلزم للمساعدة في جهود الإغاثة”، وفق “وكالة الأنباء السورية” (سانا).

الباحث في العلوم السياسية والمتخصص في الشأن الأميركي، زياد سنكري، يرى خلال حديثه لموقع “الحل نت”، مما لا شك فيه أن زيارة الصفدي إلى دمشق ولقائه مع الأسد ونظيره السوري يعكس تغير في سياسة المملكة الهاشمية تجاه جارتها بعد فترة من التوتر بالعلاقات وصل إلى حد تبادل الاتهامات بين الوزيرين المذكورين وترتّب عليها شبه حرب إعلامية بين الدولتين، حيث تم فيها تراشق الاتهامات، خصوصا وأن عمّان تتّهم دمشق باستخدام الحدود بين البلدين كمعبر للمواد المخدرة والتي تعتبرها الأوساط الغربية بأنها أحد مصادر تمويل الحكومة السورية وأذرعها.

قد يهمك: الزلزال المدمّر.. هل يشكل بيئة خصبة للإرهاب في سوريا؟

الزيارة الأردنية إلى دمشق وإن كان ظاهرها هو التضامن جراء الزلزال الذي ضرب سوريا ولكنه في الوقت نفسه يعكس رغبة القيادة الأردنية بفتح صفحة جديدة مع دمشق عبر إيصال المساعدات عن طريق بوابة حكومة دمشق حصرا استثمارا بالزلزال وتداعياته الإنسانية لكسر الجليد مع دمشق، حسبما يقدّر سنكري المقيم في واشنطن.

كما ترى القيادة الأردنية هذا الوضع فرصة للالتفاف على عقوبات “قيصر” الأميركي والتي تعتبرها السبب في إلحاق الخسائر الفادحة للاقتصاد الأردني، على الرغم من استثناء واشنطن عمان من بعض بنوده فيما يتعلق بالتجارة البينية ومتطلباتها، وفق اعتقاد سنكري. وهذا الانفتاح بحسب المقاربة الأردنية من شأنه أن يحلّ مشاكل عديدة بين البلدين مثل قضية المعابر وإمدادات الإغاثة وما إلى ذلك.

في سياق متّصل، وقّع أكثر من 25 نائبا أردنيا، يوم الأربعاء الماضي، على مذكرة نيابية، تطالب الحكومة بتوجيه رسالة إلى “الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية والدول الأخرى” المشاركة في العقوبات المفروضة على سوريا بالإنهاء الفوري لـ”الحصار الاقتصادي والعقوبات”.

كذلك، جرت عدة لقاءات بين مسؤولين فنيين من البلدين، واستقبلت عمان وزراء الاقتصاد في الحكومة السورية، إلى جانب مغادرة فِرق حكومية أردنية إلى دمشق؛ للمشاركة في اجتماعات اقتصادية بحثت التعاون التجاري بين دمشق وعمان، وسط ضرورات اقتصادية تتطلب عودة العلاقات مع الجارة الشمالية رغم التزام الأردن بالعقوبات الدولية.

المقاربة الأميركية

الصفدي قال أيضا، إن زيارته إلى دمشق كانت محطة لبحث العلاقات الثنائية بين الأردن وسوريا وبحث الجهود المبذولة للتوصل لحل سياسي يُنهي الأزمة ويُنهي هذه الكارثة، ويحفظ وحدة سوريا وتماسكها وسيادتها ويُعيد لها أمنها واستقرارها ودورها.

المراقبون يرون أن زيارة الصفدي، تحمل مضامين سياسية بعيدا عن التضامن الأردني مع الجارة الشمالية بعد الزلزال الذي أوقع ضحايا في الشمال السوري. ودون أدنى شك كانت الأجندة السياسية موجودة على طاولة الزيارة هذه. وكما هو معلوم فإن الأردن يسير على خطى الإمارات في اتجاه إعادة تأهيل الأسد.

وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، زار سوريا قبل أيام قليلة ومن ثم اتجه إلى واشنطن يوم الأربعاء الماضي، وقد بحث مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الجهود المتواصلة لتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة للمتأثرين بالزلازل التي ضربت تركيا وسوريا، على ضوء اللقاء الذي جمعهما في العاصمة الأميركية واشنطن، وفق بيان نشرته “وكالة الأنباء الإماراتية” (وام).

في الإطار، يقول سنكري إن المقاربة الأميركية تختلف بشكل كبير، فالسياسة الأميركية حتى الساعة ترفض فكرة إعادة تعويم الأسد وحكومته، لكنها في الوقت نفسه ترى حرجا في محاولة تصوير العقوبات الأميركية بأنها تقف عقبة أمام إنقاذ أرواح السوريين، ولذلك قامت الإدارة برفع العقوبات التي تعيق وصول المساعدات وهذا الاستثناء سارٍ لمدة ستة أشهر.

المفارقة أن الضغط الروسي في “مجلس الأمن” نجح بأن يكون هناك معبر واحد فقط لنقل المساعدات من تركيا إلى المناطق الخاضعة لفصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، وهذا ما سيًّس العمليات الإنسانية، وفق تقدير سنكري.

سنكري نوّه إلى أن “النخبة السياسية الأميركية ترى بأنه من المثير للضحك الدعوات الموجّهة الى الانفتاح على الأسد بحجة تداعيات الزلزال، فكيف لحكومة قامت بقصف شعبها وتشريده أن تكون مخولة وقادرة اليوم على إغاثته، وذلك بحسب العديد من الدبلوماسيين الملمّينَ بالملف السوري”.

لا تعويم للأسد!

الأسد خلال اللقاء مع بن زايد ومن ثم الصفدي وتشييده بالدعم الإماراتي من جهة وترحيبه بأي موقف إيجابي من الدول العربية خلال لقائه الصفدي من جهة أخرى، يبدو جليا أنه يركز بشكل رئيسي على استغلال كارثة الزلزال والفيض الإنساني العربي لإعادة تعويم نفسه سواء إقليميا أو دوليا، وفق تحليلات المراقبين.

هذا وبرزت مؤشرات انفتاح عربي على دمشق خلال السنوات القليلة الماضية وبدأت مع إعادة فتح الإمارات لسفارتها في دمشق عام 2018 ثم زيارة الأسد للإمارات في آذار/مارس الماضي. والثلاثاء الفائت، هبطت طائرة مساعدات سعودية في مطار حلب الدولي، هي الأولى منذ قطع الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق.

بالعودة إلى الباحث السياسي، فإنه يقول إن الإدارة الأميركية حاليا تقوم بمراقبة الوضع في سوريا عن كثب وهي تغض النظر عن بعض خطوات التقارب مع الحكومة السورية، وذلك لأسباب إنسانية ولكنها حتى الساعة غير مستعدة وترفض فكرة إعادة تعويم الأسد أو التخلي عن حلفائها في هذا الإطار.

حتى أن العديد من الباحثينَ في مراكز الدراسات المعنية في المنطقة يشددون على أن هذه المحاولات تُعتبر بمثابة ضربة انتهازية في ظل الزلزال المدمّر الذي أضر بالشعب السوري بالدرجة الأولى وهو الذي قُتل وهُجّر ويشهد تبعات مأساوية جراء جبروت الأنظمة ولعنات الطبيعة، وفق تعبير سنكري.

خلاصة القول، طالما أن الموقف الأميركي من فكرة ومحاولات إعادة تعويم الأسد ثابت وواضح، فإن كل جهود الأردن أو الإمارات أو غيرهما لن تنجح ولن تتوج بنتائج إيجابية، وسط الرفض الأوروبي والعقوبات المستمرة ضد الأسد وأركانه، نتيجة لسلوكه العدائي واعتماده وتبعيته لكل من إيران وروسيا وتعنته تجاه وضع أي حلّ سياسي شامل لسوريا.

الحل نت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.