“البعث” السوري… محاولة تغيير الجلد لخدمة أهداف سياسية

مع المحاولات الحثيثة للنظام السوري وحلفائه للمضي في تثبيت مشروع التعويم بعد القطيعة العربية والدولية التي خلفتها الحرب، يبدو أن رئيس النظام بشار الأسد يريد الخروج بمظهر الإصلاحي، ليس على بنية النظام وحسب، وإنما حزب “البعث” الحاكم كذلك.

ففي العام 2018، كان مفاجئاً تغير شكل الحزب، من كونه حزباً عابراً للحدود والأقطار إلى حزب محلي سوري تنفي تسمياته ومسمياته امتداده خارج الحدود السورية، إذ تبدلت تسمية القيادة القطرية إلى القيادة المركزية، وتم إلغاء منصب الأمين القطري المساعد، ليبقى فقط منصب الأمين العام والأمين العام المساعد.

وكان الأمين القطري المساعد بمثابة نائب أمين عام للحزب عن سورية، باعتبار أن الأمين العام كان قائداً عاماً للحزب في كل مكان يتواجد فيه، في أي بلد أو قطر عربي.

رسالة التغيير السياسي والإداري 

وكان لافتاً خلال اجتماعات اللجنة المركزية للحزب، حرص الأسد في 16 الشهر الحالي، في خطابه الذي ألقاه أمام اللجنة المركزية لحزب “البعث”، بحضور أهم القيادات الحزبية والسياسية في النظام، على إيصال رسالة للداخل والخارج مفادها أن التغيير السياسي والإداري آتٍ في البلاد ضمن ما سماها منظومة الإدارة وليس النظام.

وركز الأسد في خطابه على دور “الحزب الحاكم” في مجاراة التطور والتغيرات داخل وخارج البلد، وهذه التغيرات التي ستطاول بشكل أو آخر منظومة الحزب الإدارية والفكرية بما يتلاءم مع الواقع الجديد.

وأعلن الأسد في كلمته إنشاء لجنة مستقلة للانتخابات داخل الحزب، وهي خطوة نظر إليها من قبل معارضين بكثير من الاستهزاء نتيجة لكون أي انتخابات في سورية لا تخرج نتائجها أساساً عن رغبات التعيين.

أحد المقربين من مركز القرار البعثي في دمشق قال، لـ”العربي الجديد” طالباً عدم الكشف عن اسمه، إن “الأسد حصل على التطمينات اللازمة لبقائه في السلطة، وشرع في تقديم جزء من المطلوب منه عربياً ودولياً، ولعل الإجراءات القريبة المتخذة بالتعيينات الوزارية وإلغاء وزارة شؤون القصر واستبدالها بالأمانة العامة لرئاسة الجمهورية، هي خطوة لتحييدها عن المساومات في وقت لاحق”.

وأضاف: “كذلك سيتم العمل على ضبط الإدارات الأمنية تحت قيادة موحدة وقرارات التسريح من الجيش والبدل النقدي وأطروحات الجيش الاحترافي وغيره، كل هذا يؤكد اتفاقات عربية ودولية غير معلنة، يمهد الأسد لها بخطوات متسارعة استوجبت مؤتمراً استثنائياً للقيادة المركزية لحزب البعث”.

التأكيد على بقاء “البعث” في قيادة الدولة

وتابع المصدر: “على صعيد الحزب الحاكم، وهذه الكلمة (الحاكم) تقصّد الأسد ذكرها أكثر من مرة في خطابه بهدف التأكيد على بقاء الحزب في قيادة الدولة والمجتمع في المرحلة المقبلة، ولكن ضمن منظومة عمل جديدة، سيطاولها التغيير القادم بالشكل التنظيمي والممارسة ولاحقاً بالأهداف”.

وأشار إلى أن “أولى هذه التغيرات استقلالية الحزب عن الأجهزة الأمنية وإعادة الهيكلة اعتباراً من القواعد بما يتناسب مع النهج الاستقلالي الجديد للحزب والتغيير السياسي المرتقب، الذي يتطلب إدارات للقواعد الحزبية مختارة بعناية ومُهيأة لخوض أي انتخابات ديمقراطية وتحت رقابة دولية”، وهذا ما يريد الأسد ترويجه، بحسب المصدر.

وكان أحد الأعضاء المشاركين في اجتماعات اللجنة المركزية قال إن “التغييرات آتية شئنا أم أبينا، وعلى الجميع أن يتهيأ للمرحلة المقبلة، وعلينا كبعثيين ان نُضحي قبل أن تنهار مؤسسات الدولة ونسقط جميعاً”.

وأضاف: “نحن بالحزب نُحصن مؤسستنا الحزبية ونعيد البناء الداخلي قبل أن نبدأ بتنفيذ القرارات الدولية”. وتابع: “سيفاجأ الناس بتغيرات ستطاول مؤسسات وأشخاصاً عمّا قريب”.

وفي خطابه خلال اجتماعات اللجنة المركزية، وحول طرق التعيين والانتخاب السابقة، قال الأسد إنه ضمن المعايير السابقة فهُم (قيادات الحزب) “غير شرعيين”، في خطوة منه للترويج لإعادة الشرعية لقيادة الحزب، لكنه شدد على استخدام مصطلح الحزب الحاكم متجاهلاً إلغاءه بنفسه المادة الثامنة من الدستور، التي أنهت قيادة “البعث” للدولة والمجتمع.

التغيير البنيوي يأتي أولاً في آلية الانتخابات الحزبية

وقال قيادي بعثي شارك في اجتماعات اللجنة المركزية عن أحد فروع المحافظات، إن “التغيير البنيوي المقترح في المؤتمر الاستثنائي، يأتي أولاً في آلية الانتخابات الحزبية بدءاً من اللجنة المركزية (القيادة القطرية سابقاً) وصولاً إلى انتخاب قيادة جديدة للحزب بعد استحداث لجنة عليا للانتخابات”، مرجحاً أن يكون الأسد على رأسها.

وأشار كذلك إلى تغييرات ستطاول الأشخاص بما يشبه تغيير الجلد الكامل للحزب، مع تغييرات نصية في دستور الحزب، ونظامه الداخلي وشعاراته وأهدافه.

حسين حمادة، وهو قاضٍ سابق في محكمة النقض وعضو قيادة فرع “البعث” في حلب الذي تركه في 2005، أشار إلى أنه في “بداية استلام بشار الأسد السلطة نادى بالتحديث والتطوير والعمل المؤسساتي والشفافية، ومجابهة ما سماه الحرس القديم، لكن هذا القول ثبت عدم جديته”.

وأوضح أنه “على مستوى الحزب، وفي العام 2000، تم الإعلان عن التخلي عن مبدأ التعيين في قيادات الحزب واعتماد مبدأ الانتخاب من القواعد إلى القيادة، وفعلاً بدأت عملية ديمقراطية داخل الحزب بحيث انتخبت الفرق ضعف عدد قياداتها، وهذه القيادات انتخبت ضعف عدد قيادات الشعب، وهؤلاء انتخبوا ضعف قيادات الفروع، وتم اختيار قيادات من ضمن المنتخبين عملاً بقاعدة الديمقراطية المركزية المكرسة في دستور الحزب، لكن تم وقف الانتخابات في حدود قيادات الفروع فقط، ثم كررت الدعوة لانتخابات الفروع (لأكثر من ثلاث مرات) دون انتظار انتهاء مدتها ولايتها، الأمر الذي زاد من أمراض الحزب المتجذرة فيه كالشلل والمحسوبية”.

وأضاف حمادة، لـ”العربي الجديد”، أنه “في العام 2005 عقد حزب البعث مؤتمره القطري العاشر، حينها عمد بشار الأسد إلى تعيين لجنة مركزية وقيادة قطرية”، معتبراً أن “الأسد شخصية دكتاتورية متناقضة متهورة، ويريد تحميل فشله على غيره، وبالتالي فإن قوله بإصلاح حزب البعث فكرياً وتنظيمياً أصبح – الآن – غير وارد بعد أن أوغل في الدم السوري وأصبح مليشيا محلية تقاتل إلى جانب مليشيات طائفية أجنبية”.

استياء من الأسد تجاه فرع “البعث” في السويداء

وكانت أحداث السويداء قد أرخت بظلالها على المشهد العام في سورية، إذ علمت “العربي الجديد” أن هناك استياء من الأسد تجاه فرع الحزب في السويداء جنوبي سورية بسبب تخلي مسؤوليه عن مسؤولياتهم خلال الاحتجاجات الأخيرة المستمرة في المحافظة، والتي تتطور بشكل مستمر.

وشهدت مقرات ومكاتب الحزب في المحافظة هجمات عدة من قبل المحتجين، الذين مزقوا أعلام “البعث” وصور الأسد أمام الكاميرات، ما اعتُبر في دمشق إهانة مسكوت عنها، إذ تشير معلومات، لـ”العربي الجديد”، إلى أن الأسد يهم بإعفاء كثير من مسؤولي فرع الحزب في السويداء وقيادات في الشُعب والفرق.

وفي ربيع العام 2017 قرر اجتماع اللجنة المركزية للحزب الذي رأسه الأسد، تغيير نصف أعضاء القيادة المركزية، فيما كانت آخر انتخابات للحزب عام 2013، شهدت تغيير جميع أعضاء القيادة حينها، باستثناء الأسد الذي يعد الأمين العام للحزب خلفاً لوالده حافظ.

العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.