هل تفرط إيران بنفوذها وما هو تأثير سحب كبار الضباط المستشارين على القوات الإيرانية في سوريا؟

في خطوة وصفت بأنها “تكتيكية بامتياز”، قالت خمسة مصادر مطلعة لوكالة رويترز، أمس الخميس، إن الحرس الثوري الإيراني سحب كبار ضباطه من سوريا بسبب سلسلة من الضربات الإسرائيلية، وسيعتمد بشكل أكبر على الميليشيات المتحالفة معه للحفاظ على نفوذه هناك.
وبعد توجيه إيران أصابع الاتهام للأجهزة الأمنية السورية، بتسريب المعلومات نتيجة اختراقها من قبل الموساد، أثار الحرس الثوري الإيراني مخاوفه من أن تسرب المعلومات من داخل “قوات الأمن السورية” لعب دوراً في الضربات الأخيرة، بحسب ما كشفته ثلاثة مصادر للوكالة. وبينما أكدت المصادر أن إيران ليس لديها نية للانسحاب من سوريا، قال أحد المصادر وهو مسؤول أمني إقليمي كبير أطلعته طهران على إفادة، إن كبار القادة الإيرانيين غادروا سوريا مع عشرات من الضباط متوسطي الرتب، ووصف ذلك بأنه تقليص للوجود.
وأشارت ثلاثة من المصادر أن الحرس الثوري سيدير العمليات في سوريا عن بعد بمساعدة حليفه “حزب الله”. وقال مصدر آخر، وهو مسؤول إقليمي مقرب من إيران، إن أولئك الذين ما زالوا في سوريا تركوا مكاتبهم وابتعدوا عن الأنظار، وإن “الإيرانيين لن يتخلوا عن سوريا لكنهم قلصوا وجودهم وتحركاتهم إلى أقصى حد”. ووفقاً للمصادر، فإن التغييرات حتى الآن لم يكن لها تأثير على العمليات، وقال مصدر إيراني إن تقليص حجم القوات “سيساعد طهران على تجنب الانجرار إلى الحرب بين إسرائيل وغزة”.
وقالت ثلاثة من المصادر إن الحرس الثوري يجند مرة أخرى مقاتلين شيعة من أفغانستان وباكستان للانتشار في سوريا، في تكرار لمراحل سابقة من الحرب عندما لعب مسلحون شيعة دوراً في تحويل مجرى الصراع. وقال المسؤول الإقليمي المقرب من إيران إن الحرس الثوري يعتمد أكثر على فصائل شيعية سورية.
وفي المقابل، نفت مصادر “موثوقة” لقناة الميادين الأنباء التي تتحدث عن تقليص وجود الحرس الثوري الإيراني في سوريا، مشيرة إلى أن السلطات الإيرانية طلبت من المستشارين الإيرانيين التواجد في سوريا من دون اصطحاب عائلاتهم معهم.
وتأتي هذه التسريبات بعد مقتل المستشارين العسكريين الخمسة وعلى رأسهم مسؤول استخبارات فيلق القدس في الحرس الثوري العميد يوسف أوميد زاده الملقب بـ “الحاج صادق” والمعروف بأنه “مصمم ومنفذ عملية طرد الأمريكيين من سوريا” في دمشق في 20 يناير/ كانون الثاني الفائت، وذلك بعد حوالي شهر من اغتيال سيد رضي موسوي، الذي يعد أحد أكبر المستشارين الإيرانيين في سوريا.
الخطوة التي أقدمت عليها طهران، فتحت الباب أم السؤال الأهم: هل تفرط إيران حقاً بوجودها في سوريا الذي دفعت ثمنه غالياً، عشرات المليارات من الدولارات ومئات الجنود والضباط قتلى؟ وما هو تأثير هذه الخطوة على القوات التابعة لإيران خارج الجغرافية الإيرانية وما هي أسبابها؟
يجزم مراقبون وخبراء في الشأن الإيراني لـ “القدس العربي” بأن إيران لن تتخلى عن نفوذها بأي شكل من الأشكال، وما يجري هي إجراءات أمنية، وإعادة هيكلة الميليشيات الإيرانية الموكلة بمهام حساسة ومعاودة توزيع عناصرها وتدويرها.
وفي هذا الإطار، اعتبر الباحث في العلاقات الدولية محمد عبادي لـ “القدس العربي” أن سحب ضباط الحرس الثوري من سوريا هي خطوة تكتيكية لأسباب عديدة، أهمها أن إيران لن تستطيع تعويض خسارة قادتها بعد الضربة الموجعة لموسوي وأوميد زاده. ولعدم قدرتها على الرد في حال استهدافهم خشية انفلات الأوضاع.
واعتبر عبادي أن الأسباب التي دفعت إيران لمثل هذه الخطوة، إدراكها لعدم قدرتها على الرد إذا استهدف ضباطها في سوريا أو في العراق أو في أي نطاق للتمركز لإيران خارج الجغرافيا الإيرانية، وهو متعلق في حدود الرد الحالي على مقتل ثلاثة جنود أمرييكن في الأردن، لذلك هي تفضل أن تسحبهم الآن حتى لا تتعرض لحرج بسبب أن ضباطاً لها أو قادة قتلوا في سوريا وهي لم تستطع الرد.
وقال: “تقول التسريبات وفقاً لخبراء مطلعين على الأمر أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد ضرب أهداف إيرانية خارج إيران، بما أن إيران تشرف على تسليح الميليشيات بشكل علني حتى لو اختبأت خلف المصطلحات؛ فاللعبة على المكشوف، وإيران هي من تدعم الميليشيات وتسلحها، والولايات المتحدة الأمريكية في ردها الكبير على ما جرى في نقطة التمركز الأمريكية في الأردن على الحدود السورية ستضرب الميليشيات بقوة في سوريا والعراق، وأيضاً سيكون من ضمن الأهداف أهدفاً إيرانية خارج الجغرافية الإيرانية، سواء في سوريا أو في العراق.
وأشار عبادي إلى أن الأمر الثالث يتعلق بمقتل خلية المستشارين وعلى رأسهم مسؤول استخبارات فيلق القدس في الحرس الثوري العميد يوسف أوميد زاده الملقب بـ “الحاج صادق”، ونائبه، في الضربة الأخيرة التي وقعت في 20 يناير/ كانون الثاني في مزة فيلات غربية، حيث اتهمت وسائل الإعلام الإيرانية أجهزة وقوى الأمن السورية بتسريب نقاط تمركز القوات الإيرانية في سوريا، أو حتى الأماكن التي يوجد فيها القادة، سواء أماكن السكن أو مواقع العمل للموساد، معتبرة أن الاستخبارات السورية مخترقة.
لذلك، تعتقد إيران بشكل جازم أن المخابرات وأجهزة الأمن وراء تسريب المعلومات عن المستشارين العسكريين الإيرانيين، وتدرك أن وجودهم في سوريا يشكل خطراً كبيراً سواء بما يتعلق بالرد الأمريكي على مقتل جنود، أو بما بتعلق بالحرب الرمادية الدائرة بين إيران وإسرائيل.
وحول تأثر القوات الأمريكية بهذه الخطوة، قال محمد عبادي: “الأمر تكتيكي. وبشأن الاستراتيجية، ما زالت إيران تؤمن بأنها دفعت أثماناً كبيرة جداً متعلقة بمليارات الدولارات التي دفعت لبشار الأسد، ومئات الجنود والقادة الذين تم الضحية بهم في سبيل ترسيخ الوجود العسكري الإيراني داخل الأراضي السورية، لذلك فإن إيران لن تفرط في هذا بأي شكل من الأشكال”.
وأضاف: “الخطوة تكتيكية بامتياز، متعلقة بالحفاظ على هؤلاء القادة المستشارين لأن إيران لن تستطيع تعويضهم إذا قتلوا، لا سيما بعد الضربة الكبيرة. واعتبر المتحدث أنها “خطوة عاقلة” فيما يتعلق بالمصالح والمكاسب والمصلحة الوطنية لإيران، قال: “كان سحب إيران لهؤلاء حتى لا تتعرض لخطر فقدانهم، وما دامت هذه الخطوة تكتيكية فإن الوجود الإيراني في سوريا لن يتأثر، وسرعان ما سيهدأ الأمر ويتم إصلاح الخلل في الأجهزة الأمنية السورية، وإعادة تموضع هؤلاء القادة مرة أخرى داخل سوريا، لذلك فإنهم سيعودون متى سنحت الفرصة.
وهو ما اتفق معه الباحث في الشؤون العسكرية النقيب رشيد حوراني، الذي اعتبر في تصريح لـ “القدس العربي” أنه لا يوجد في عقل صانع القرار الايراني أمر يدعوه للانسحاب إلا الانكسار العسكري الواضح، أما الخسارات التي تقع في صفوف قادته ومستشاريه في سوريا فلن تدفعه للانسحاب”. وقال حوراني: “ما جرى قد يدفع إيران إلى إعادة النظر في الإجراءات الأمنية المتبعة، وهيكلة بعض الميليشيات الموكلة بمهام حساسة وإعادة توزيع عناصر الميليشيات وتدويرها سواء في سوريا أو إيران العراق”. إضافة لما سبق، فإن إيران وفق المتحدث، تمتلك اليوم في سوريا قوة عسكرية وتدخلاً في مؤسسات الدولة السورية لدرجة تستطيع التأثير على مؤسسات الدولة وتسخيرها لخدمة استمرار وجودها في سوريا، وكذا انتشارها في جنوب سوريا بشكل خاص تحت غطاء الفرقة الرابعة. ونفس النفوذ تتمكن من خلاله التأثير على القوى الأخرى كإسرائيل من خلال التصعيد على الجبهة السورية، وكذا استخدامها لتلك الميليشيات في استهداف القاعدة الأمريكية في الأردن.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.