مخطط تنظيمي للمناطق المنكوبة ومعاقل المعارضة التي دمرها النظام السوري في محيط دمشق

وسط مخاوف من استملاك العقارات وتحويل الصفة العمرانية لها، كشف مصدر مسؤول أن النظام السوري بصدد إصدار مخطط تنظيمي للمناطق التي دمرتها قواته في محيط العاصمة دمشق، خلال الحرب التي شنها على الشعب السوري، وردم وترحيل الأنقاض وإعادة إعمارها، مؤكداً منع الأهالي من العودة إلى منازلهم في الأحياء المستهدفة، ما لم يقدموا رخصاً سكنية نظامية (طابو أخضر)، وهو ما اعتبره معارضون سوريون أنه اتساق لسياسة النظام في العقاب الجماعي لمعارضيه ونهب أموالهم، والاستيلاء غير المشروع على أملاكهم، وتحويل هذه المناطق إلى مناطق استثمارية.
ومن المعروف أن معاقل المعارضة، سواء في أرياف دمشق كحي جوبر والغوطة الشرقية وأحياء اليرموك والتضامن والقابون وتشرين ومدينة داريا غرب العاصمة أو غيرها، هي مناطق منكوبة ومُدمرة بالكامل، وسكانها إما أن يكونوا شهداء، أو مهجرين، أو معتقلين، أو نازحين، أو لاجئين، أو مفقودين، ولا يملكون وثائق الملكية، فهي إما بقيت تحت الأنقاض أو أتلفت نتيجة القصف أو ضاعت أثناء التهجير القسري، ولا يمكنهم تقديمها، لا سيما أن ملكية تلك العقارات قد تحولت من ملكيات مباشرة إلى ملكيات مشتركة إما بالإرث أو بالشراء والبيع على الشيوع، وهذه تحتاج إلى أوراق معقدة ومعاملات ووقت طويل قد يمتد سنوات.
المسؤول لدى محافظة دمشق أوضح في تصريحات صحافية، أمس، أن البداية ستكون من معقل المعارضة السورية في الضواحي الشرقية لمدينة دمشق وهي المناطق الأكثر تضرراً مثل “القابون، جوبر..، حيث سيُصدر لها مخطط تنظيمي تتعاقد من خلاله الحكومة مع شركة حكومية متخصصة بالدراسات الهندسية، مضيفاً أن حي “القابون مشمول بالمصور التنظيمي التفصيلي رقم 105 وسيتضمن المخطط التنظيمي مناطق حي تشرين- جزء من تخطيط القابون المدمر والمخطط الخاص بمؤسسة الكهرباء وإيكوشار ب”.
وفيما يخص عودة الأهالي إلى منازلهم في منطقة القابون، قال المصدر المسؤول إنه “سُمح لبعض الأهالي بالعودة وهم الذين يملكون رخصاً سكنية نظامية (منازلهم طابو أخضر) وليست مخالفات مهدمة وبشرط أن يكون المنزل صالحاً للسكن لا يحتاج لإعادة تأهيل كاملة”.
وبالنسبة لمنطقة الكباس، بيّن “أنها منطقة مخالفات ولا يوجد فيها أي منزل نظامي؛ لذلك سيتم إعادة الإعمار فيها بشكل نظامي بعد وضع المخططات التنظيمية لكل منطقة بحيث لا يتبقى ولا منطقة عشوائية، مضيفاً: “كلها ستنظم وفق مخططات هندسية توضع من قبل المختصين”.
وحول أبعاد ومخاطر المخططات التنظيمية التي يصدرها النظام السوري والتي تستهدف المناطق التي كانت تعتبر معاقل المعارضة حيث هجر وقتل واعتقل قسم كبير من أهلها، قال المحامي عبد الناصر حوشان المتابع للملف عن كثب لـ”القدس العربي” إن محافظة دمشق كانت قد أصدرت سابقاً المخطط التنظيمي التفصيلي رقم 106 لتعديل الصفة العمرانية للمناطق العقارية “جوبر، قابون، مسجد أقصاب، عربين، زملكا، عين ترما” من منطقة حماية، وزراعية داخلية، وتوسع سكني إلى مناطق قيد التنظيم، وأرفقت مخططاً عاماً ومنهاج الوجائب ونظام البناء الملحقين به لمنطقة جوبر.
وقد استندت سلطات النظام في ذلك إلى القانون “5” لعام 1982 الخاص بالتخطيط العمراني الذي يمنح “الوحدة الإدارية” بتنظيم المخططات التنظيمية للمناطق العقارية التابعة لها، ما يؤدي، وفق المتحدث، إلى “حرمان مالكي العقارات المرخصة والتي قد لا يكون لحق بها أية أضرار أو لحقت بها أضرار بسيطة قابلة للترميم دون الحاجة إلى إزالة البناء أو هدمه، وكذلك حرم مالكي العقارات من استخدام حقهم بالتسوية على مخالفات البناء، ومنع مالكي العقارات الواقعة ضمن المخطط التنظيمي القديم من التصرف بعقاراتهم التي كفِلها لهم المرسوم التشريعي “26” لعام 2013 الخاص بتحديد حالات السماح وعدم السماح بالتصرف لمالكي الأراضي الكائنة ضمن حدود المخطط التنظيمي”.
وعن المخاطر، أوضح الناشط الحقوقي وعضو هيئة القانونيين السوريين أنه في مرحلة لاحقة يتطلب ذلك صدور مرسوم من بشار أسد يقضي باستملاك المنطقة وفق أحكام قانون الاستملاك رقم 20 لعام 1983، لتنفيذ المخطط التنظيمي لهذه المنطقة بما لا يتعارض مع أحكام المادة 15 من الدستور.
وأضاف: “كما يتم تنفيذه وفقاً للقانون 23 لعام 2015 الخاص بتنفيذ التخطيط وعمران المدن، الذي يسمح للوحدة الإدارية بتغيير وتعديل الصفة العمرانية للمناطق العقارية من “مناطق حماية، ومناطق زراعية، ومناطق توسع سكني” إلى مناطق تنظيم. والقانون 23 لعام 2015 يعطي الحق للجهة الإدارية اقتطاع 50% من العقارات مجاناً للمشيدات والمرافق العامة بدون تعويض، كما أنه فرض نفقات التخطيط والتقسيم على عاتق المالكين وهي من الديون المُمتاز التي تمنع من نقل ملكية السهام إلى أصحابها، كما يعتبر المنطقة شخصية اعتبارية تحل محل جميع المالكين وأصحاب الحقوق فيها، تمثلها الوحدة الإدارية وتمارس الصلاحيات التي تكفل تصفية أملاك المنطقة وحقوقها بعد اقتطاع ما يترتب عليها من نفقات ورسوم وضرائب وغيرها.
وانتهى المتحدث إلى القول بأن النظام السوري يمعن في سياسة العقاب الجماعي ضد معارضيه ونهب أموالهم، والاستيلاء غير المشروع على أملاكهم المنقولة وغير المنقولة، وتحويل هذه المناطق إلى مناطق استثمارية لشركات التطوير والاستثمار العقاري الإيرانية التي استحوذت على أغلب عقود تنفيذ مشاريع التطوير العقاري التي أعلنت عنها الشركات القابضة التابعة للمحافظات السورية التي استولت على عقارات منطقة المزة كفرسوسة داريا ومخيم اليرموك والقابون وعهدت إلى الشركات الإيرانية بإعادة إعمارها مع منحها حق تملك أكثر من 51% من تلك العقارات، دون دفع أي تعويضات للمالكين الأساسيين أو أصحاب الحقوق العينية الأخرى على تلك العقارات.
وبرأي خبراء ومحللين لـ “القدس العربي” فإن هذه المخططات التنظيمية التي صدرت بخصوص أحياء دمشق الشرقية هي “عقاب لسكان حي جوبر وما حوله بحرمانهم من أملاكهم وعقاراتهم دون وجه حق، ضارباً عرض الحائط بالنصوص الدستورية وخاصة المادة “15” من الدستور، والمواثيق الدولية التي تكفل احترام حق الملكية” معتبرين أن المخطط التنظيمي الأخير “انتهاك فاضح للمبادئ الخاصة بحماية أملاك النازحين والمشردين داخلياً، وكذلك المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة المتعلقة بالتشريد الداخلي”.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.