بسبب رفع بدل إيجار الأرض… نازحون في إدلب مهددون بالترحيل خلال يومين

وسط خيمة قماشية مهترئة في شمال غربي سوريا جلس عزت مصطفى (67 عاماً) ناظراً إلى ممتلكاته المؤلفة من بضعة مساند للجلوس وأوانٍ بسيطة للطهو، معظمها تحتاج للاستبدال، لكن ما يشغل باله هو طريقة نقلها بأقل الأضرار في رحلة النزوح الجديدة التي تنتظره بسبب رغبة مالك الأرض برفع قيمة الإيجار وإلا إخلاء المكان أول الشهر.

قال عزت ساكن المخيم لـ«الشرق الأوسط»، إن رحلة النزوح هذه ستكون الحادية عشرة له ولعائلته خلال سنوات الحرب، وأضاف: «لا أعلم أين سأذهب، لا مكان لديّ، ولا قدرة لي على استئجار أرض جديدة لإقامة الخيمة، ولا أملك حتى إيجار سيارة لنقل الأغراض».

عزت وعائلته بين 70 عائلة مهددون بالنزوح من مخيم «الإيمان»، المقام منذ خمس سنوات (2019) على أرض زراعية خاصة في بلدة كفر روحين في ريف إدلب الغربي، وسط تقاعس عن نجدتهم من السلطات المحلية والمنظمات الإنسانية.

نقل الخيام القماشية يهدد بتمزقها وعدم القدرة على نصبها من جديد (الشرق الأوسط)

رفع إيجار أرض المخيم هو سبب الترحيل، وهو التهديد الدائم الذي تعانيه المخيمات العشوائية المنتشرة في أرياف إدلب، وفي حين تتجه المنظمات الإغاثية لإقامة المساكن الأكثر دواماً كالكرفانات أو الغرف الحجرية على أراضٍ عامة أو مقدمة للنازحين، يقف نقص الدعم عائقاً أمام مساعدة أكثر من 800 ألف شخص ما زالوا يسكنون الخيام القماشية.

عزت مصطفى من المقيمين في مخيم «الإيمان» (الشرق الأوسط)

قبل 13 عاماً كان عزت يعيش حياة مختلفة في مدينة حلب، يدير شركة صاعدة، مستقر وذو دخل جيد، ولكن بدء الحرب والقصف على المناطق المدنية جعله يختبر النزوح داخل المدينة أربع مرات قبل مغادرتها نحو اللاذقية، ومن ثم إلى إدلب.

«كل مرة كنت أترك المنزل دون أن أحمل شيئاً سوى الملابس التي أرتديها من شدة القصف»، كما قال عزت الذي تنقل في ريف إدلب بين أكثر من خمس مناطق باحثاً عن الاستقرار قبل الإقامة في مخيم «الإيمان» قبل خمس سنوات.

اليوم لا يملك عزت مصدراً للدخل سوى عمل زوجته في الأراضي الزراعية القريبة لقاء مبلغ لا يكفي لتأمين الطعام للعائلة المكونة من عشرة أشخاص. في حال استمر قرار الترحيل، يخشى رب الأسرة الذي يعاني من أمراض متعددة، من فقدان ذلك المدخول البسيط أيضاً.

نازحة في مخيم «الإيمان» تعد الطعام خارج خيمتها (الشرق الأوسط)

يقول مدير المخيم عبد الله المحمد لـ«الشرق الأوسط»: «في كل شهر يتقاضى مالك الأرض الزراعية التي أقيم عليها مخيم (الإيمان)، خمسين ليرة تركية عن كل خيمة، وعلى الرغم من بساطة المبلغ، فإنه يتجاوز الأجر اليومي للعامل، الذي لا يكفي لتأمين الخبز حتى، ففرص العمل تكاد تكون معدومة، وربع المقيمين في المخيم يعملون لقاء أجر يومي يتراوح ما بين 30 و50 ليرة تركية».

المبلغ الذي طالب به مالك الأرض قبل تسعة أشهر، 2000 دولار لكامل العام، وفي حين كان تأمينه في السابق ممكناً، عن طريق مساعدة المنظمات الإغاثية، فإن «سوء الحظ» حال الآن دون ذلك، حسبما شرح عبد الله.

ويوضح عبد الله: «توجهنا قبل أشهر للسلطات في إدلب واستجابوا بأن منحونا خيار الانتقال لمشروع سكني، رفضناه بسبب بعده عن المنطقة التي اعتدنا عليها وتوفرت لنا فيها فرص عمل، وكان هنالك مشروع سكني آخر قريب قيد الإنشاء وُعدنا بالانتقال إليه عند جهوزه».

عبد الله محمد مدير مخيم «الإيمان» (الشرق الأوسط)

قبِل مالك الأرض في حينه تمديد إقامة السكان إلى أن تجهز المساكن الجديدة، ولكن مهلة التمديد انتهت؛ إذ «فوجئنا بأن المشروع السكني لا يزال غير جاهز، والعمل فيه متوقف، في حين فاتتنا فرصة الانتقال إلى المشروع البعيد».

ويتابع عبد الله: «الآن لم يعد يقبل صاحب الأرض بالتمديد، ولم يعد يقبل ببقاء المخيم على أرضه بدءاً من أول شهر مايو (أيار) الوشيك».

مدير مديرية التنمية والشؤون الإنسانية التابعة لـ«حكومة الإنقاذ»، عبدو العبدو، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن سكان مخيم «الإيمان» حصلوا على فرصة الانتقال لكتل سكنية جاهزة، لكنهم «رفضوا الانتقال»، مشيراً إلى أن دور «الحكومة» هو نظم العلاقة بين أصحاب الأراضي وسكان المخيمات بعقود للإيجار فحسب.

حاول مدير مخيم «الإيمان» الاعتراض والمطالبة بتوفير مشروع سكني بديل لنقل العوائل، ولكن الاستجابة من السلطات المحلية كانت «بطيئة»، في حين يتسارع اقتراب موعد الترحيل وإفراغ الأرض. وأضاف عبد الله: «تكلفة النزوح عالية جداً، خلال السنوات الماضية وصلنا إلى الصفر (مالياً)، لو كنا نمتلك ما يكفي لدفع إيجار المخيم كنا دفعنا، ولكن لا مردود يدعمنا على الإطلاق».

نقل الخيام القماشية يهدد بتمزقها وعدم القدرة على نصبها من جديد (الشرق الأوسط)

تجدر الإشارة إلى تزامن توقف العمل بمشاريع بناء الكتل السكنية ونقص الدعم الموجه للمخيمات، مع أزمة نقص التمويل التي تواجهها المنظمات الإنسانية في الشمال السوري، وفي مقدمتها وكالات الأمم المتحدة؛ إذ إنه حتى نهاية شهر مارس (آذار) الماضي لم تلبِ المنظمات سوى 38 بالمائة من تعهدات تمويل المشاريع الإغاثية لعام 2023.

وتبين إحصاءات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، أن 2.1 مليون شخص بحاجة للخدمات المتعلقة بالمأوى في شمال غربي سوريا، و76 بالمائة من المخيمات، البالغ عددها 1556، غير مخدومة بما يكفي لإيواء النازحين بشكل مناسب.

«لدينا أطفال رضّع ومعاقون وعجزة»، يقول عبد الله، ويضيف: «انخفض الدعم عن المخيم تدريجياً كلما أعلنت مشاريع الأمم المتحدة تقليصاً، والآن وصلنا إلى نسبة صفر، لا ماء نظيف ولا ترحيل للنفايات، الدعم الغذائي ضعيف، لا طبابة ولا تعليم. تحول المخيم إلى كابوس، وأصبح حلمنا أن نعيش في وطن بلا خيمة».

الشرق الأوسط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.