عقد، اليوم السبت، في مدينة القامشلي في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا «مؤتمر وحدة الصف والموقف الكردي» للتصديق على «الرؤية المشتركة حول سوريا والقضية الكردية» المعدة مسبقاً والتي تم التوافق عليها بين «المجلس الوطني الكردي» وحزب «الاتحاد الديمقراطي».
صفحة جديدة
والتحركات السياسية وحتى الميدانية على الأرض، منذ الإعلان عن عقد المؤتمر الأربعاء الماضي وحتى قبل ذلك، دلت أن صفحة جديدة من الشراكة بين الكرد السوريين بدأت، بعد طي مرحلة استبعاد «المجلس الوطني الكردي» منذ تأسيسه في الـ 26 من تشرين الأول/ أكتوبر 2011، من المناطق التي تديرها الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا، عبر أذرع حزب «الاتحاد الديمقراطي» الأمنية والعسكرية.
وقال المتحدث الرسمي باسم «المجلس الوطني الكردي في سوريا» فيصل يوسف إن «الاجتماع الموسع بمشاركة نحو 400 شخصية كردية سورية سيبارك الاتفاق الذي تم إنجازه بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي ليصبح الاتفاق محل إجماع ويتحول من رؤية حزبية إلى رؤية كردية عامة».
ويعقد المؤتمر بحضور نحو خمسين من الأحزاب الكردية الموجودة في مناطق عفرين وعين العرب والجزيرة، إلى جانب مشاركة أكثر من 30 منظمة مجتمع مدني، وشخصيات مستقلة من وجهاء العشائر ورجال الدين، على أن يتم تمثيل بعض الأحزاب بثلاث شخصيات، وأخرى باثنتين، وبعضها بممثل واحد، وأن يحضر عن كل منظمة من منظمات المجتمع المدني مندوب واحد لكل منها، وبمجموع يصل في النهاية إلى نحو 400 عضو.
وقال يوسف: «يشرفنا أن يشارك في أعمال المؤتمر ممثل رئيس إقليم كردستان العراق السابق مسعود بارزاني، وحميد دربندي، بما يحمل ذلك من دعم معنوي كبير حيث كان راعياً لوحدة الصف الكردي على الدوام».
وتابع: «تعمدنا هذا الحضور الواسع حتى لا يخرج علينا أحد في المستقبل ويعلن أنه لم تتم استشارته في تثبيت الرؤية الكردية»، موضحاً أن «شخصيات كردية من المقيمين في الولايات المتحدة أو في دول أوروبية وغيرها من الدول بمن فيهم اللاجئون الكرد السوريون إلى كردستان العراق، عبروا عن رغبتهم بالمشاركة، لكننا لم نوجه أي دعوات للمشاركة لأحد من خارج البلاد».
وأكد أن التفاهمات التي تم إقرارها بين «المجلس الوطني الكردي» وحزب الاتحاد الديمقراطي «تلقى كل الدعم والتأييد من غالبية الأحزاب والقوى الكردية السورية ولن ترتفع لاحقاً أصوات معارضة لها، وخصوصاً أن الرؤية المشتركة هي في الواقع توافقات تم إنجازها منذ عام 2012، واليوم حصل عليها بعض التعديلات بعد إسقاط النظام».
وما توصل إليه الطرفان لا يعتبر جديداً بالخالص على الساحة الكردية السورية، وحسب مركز «جسور للدراسات»، فإن التفاهمات السابقة كانت بمثابة اتفاق على تشكيل المرجعية السياسية الكردية بنسب 40٪ لكل طرف و20٪ لبقية الأحزاب الكردية، على أن يعيّن كل طرف الـ10٪ من القوى المحسوبة عليه.
وحسب المركز ذاته، فإن الاتفاق على مواضيع التجنيد الإلزامي، والتعليم، وعودة بيشمركة روج المحسوبة على «المجلس الوطني» من كردستان العراق، وفك الارتباط بين حزب العمال الكردستاني و«قسد»، هي الملفات الأكثر تعقيداً، مشيراً إلى أن نجاح الاتفاق يعتمد أكثر من أي شيء آخر بتطبيقه على الأرض والالتزام به، ولا سيما من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي والمرتبطين معه.
اعتماد اللامركزية
ولطالما واظب «المجلس الوطني الكردي» خلال الفترة السابقة على المطالبة في اعتماد الفيدرالية كخيار أساسي للمستقبل السياسي للبلاد، لكن معظم التصريحات التي خرجت من قيادات حزب «الاتحاد الديمقراطي» بأذرعها المختلفة، خلال الفترة الأخيرة كانت تتحدث عن النظام اللامركزي مع استبعاد مصطلحات الفيدرالية أو الكونفدرالية والتي لطالما نظرت إليها دمشق على أنها باب لتقسيم البلاد ورفضتها إن في عهد النظام السابق، أو من قبل الإدارة الجديدة التي تتمتع بعلاقة طيبة مع تركيا الرافضة تماما للنظام الفيدرالي.
وفيما يمكن وصفه بتحول من قبل «المجلس الوطني الكردي»، قال المتحدث الرسمي باسمه في تصريحه لـ«القدس العربي» إن «الرؤية الكردية عن مستقبل سوريا السياسي تسير باتجاه اللامركزية، وإن كنا لم نحدد بعد إن كانت باتجاه اللامركزية الإدارية أو اللامركزية السياسية، لكن جميع الكرد يؤكدون على مسألة «سوريا اللامركزية» باعتبارها الحل الأفضل»، مشدداً في الوقت ذاته على أنه «لا توجد أصوات كردية تطالب بالانفصال، ولكننا اكتوينا بنار المركزية وما نريده اليوم أن ينتخب الأهالي في مدنهم سلطاتهم المحلية وأن لا يتم تعيين هؤلاء بقرار مركزي من دمشق».
وشرح يوسف أن «الرؤية الكردية هي في جانب منها تتعلق بشكل وهوية الدولة السورية، والقسم الآخر يتعلق بمطالب الشعب الكردي في إطار الدولة الجديدة»، وقال: «إننا متوافقون على تضمين الحقوق الكردية في الدستور السوري المقبل بل وحتى تعديل الإعلان الدستوري الحالي، وصولا إلى المطالبة بإجراء تعديل في الحكومة الانتقالية التي تم تشكيلها أخيراً، فنحن في النهاية ننشد الشراكة الوطنية ونؤكد على الإقرار والاعتراف الدستوري بالشعب الكردي وحقوقه القومية في سوريا، وإزالة السياسات التمييزية المطبقة بحقه من الحزام العربي والإحصاء وغيرها، وإلغاء نتائجها، وإعادة الأوضاع إلى ما قبل تطبيق هذه السياسات»، مشيراً إلى أن «تقديرات الأكراد تتحدث عن أنهم يحتلون المرتبة الثانية بعد القومية العربية وبما يعادل 15 ٪ من تعداد سكان سوريا، عدا عن أكراد دمشق والمدن السورية الأخرى، أي أكثر من ثلاثة ملايين نسمة».
وفد موحد
ومع توافق القوى الكردية على «الرؤية المشتركة حول سورية والقضية الكردية»، ينتقل الملف الكردي إلى مرحلة جديدة يكون فيها التفاوض هذه المرة بين الكرد بوفد مشترك من جهة، والحكومة المركزية في دمشق من جهة ثانية، لتثبيت ما يمكن تثبيته من مطالب يريد الكرد لها أن تتحول إلى حقوق دستورية في الدولة السورية الجديدة.
ومن المرتقب أن يكون أحد أبزر مخرجات اجتماع يوم السبت، هو تشكيل وفد كردي موحد لخوض الحوار مع الحكومة في دمشق.
وبين يوسف أن أعضاء الوفد مسؤولون أيضاً عن إدارة الحوار مع كل المكونات السياسية والقومية السورية، وليس فقط مع الإدارة في دمشق.
الحوار مع دمشق لم ينتظر تشكيل الوفد الكردي الموحد، وكان أحد أهم تجلياته الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في العاشر من آذار/ مارس الماضي بين رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع وقائد «قوات سوريا الديمقراطية – قسد» مظلوم عبدي، وقال يوسف: «إن عبدي أبلغنا بأن حواره واتفاقه مع الرئيس الشرع، لم يكن مخصصاً للمسألة الكردية، وإنما المعني سيكون الوفد الكردي الموحد، ونحن كقوى كردية سنتفاوض على مسألة إيجاد حل لقضيتنا وتأمين الحقوق القومية لنا، أما الاتفاقات التي تتم حالياً في بعض أحياء مدينة حلب مثل الأشرفية والشيخ مقصود أو في سد تشرين وفي غيرها من المناطق، وتتوصل إليها الإدارة الذاتية مع دمشق، فستكون مختلفة عن طبيعة المحادثات التي سيقودها الوفد الكردي الموحد بعد أن يصل إلى دمشق خلال فترة لن تكون بالبعيدة»، مشدداً على أن «وفود الإدارة الذاتية في حواراتهم مع السلطة في دمشق حاليا، ستأخذ بعين الاعتبار كل ما هو مرتبط بالمسألة الكردية». وأشار في حديثه لتعيين الكردي محمد عبد الرحمن تركو في منصب وزير التربية والتعليم ضمن الحكومة الانتقالية، وقال: «إنه يتحدث بلغته على الفضائيات الكردية ولم يتنصل من انتمائه الكردي ولكن ما يهمنا قبل كل شيء هو الاعتراف بالقومية الكردية داخل سورية، أما تكليف شخص كردي في منصب وزاري من دون معالجة القضية الكردية فهذا أمر لا نعتبره مؤشراً لإيجاد حل لواحدة من القضايا الأساسية في سوريا».
القدس العربي
						