قتل أكثر من 50 مدنياً من عشائر البدو في عمليات «إعدام ميدانية انتقامية» اتهمت فصائل درزية بتنفيذها، بعد انتشارها وإجراء عمليات تمشيط في السويداء جنوبي سوريا، حيث تحدث سكان فروا من المنطقة عن ترهيب وأعمال انتقامية وترحيل قسري، وذلك بعد انسحاب قوات السلطات السورية من المحافظة التي أحصى أبناؤها عشرات الجثث لقتلى سقطوا خلال الاشتباكات الأخيرة.
العمليات الانتقامية ضد البدو، وفق مصادر أهلية من السويداء، جاءت بعد مقتل أكثر من 500 شخص في اشتباكات عنيفة بين مسلحين من الدروز وآخرين من البدو، وفصائل موالية لدمشق.
مصدر أمني مسؤول جنوب سوريا، قال في اتصال مع «القدس العربي» «شنت مجموعات درزية هجمات انتقامية تركزت في 8 قرى للبدو على جميع المحاور في المنطقة الإدارية التابعة لمحافظة السويداء، بالقرب من بلدات الثعلة وكناكر وأصلحة، على أطراف محافظة السويداء، وذلك بعد انسحاب قوات الأمن والجيش التابعة للحكومة السورية من المحافظة».
وحسب المصدر فإن العشائر العربية البدوية تنتشر على أطراف مدينة السويداء الشمالية والشرقية في مناطق الحروبة ورجم الزيتون والمقوس وبريكة والمزرعة ونجران والمنصورة والمقوس والكفر وسهوة البلاطة والشعاب وغيرها.
وتداول ناشطون الخميس مقاطع مرئية تظهر عشرات الجثث المكدسة لرجال ونساء وأطفال جمعت عند مكب للقمامة بينما جفت الدماء على الأرض، فيما بثت مقاطع أخرى مظاهر لتشرد عشرات العائلات من البدو التي انتشرت في العراء في مساحات صحراوية مفتوحة في محيط محافظة السويداء.
وأضاف المصدر: شهدت ساعات الصباح حركة نزوح وتهجير لعشائر البدو في ريف السويداء، وسط تهديدات من قبل مجموعات مسلحة باستهدافهم.
الوكالة الرسمية للأنباء، «سانا» قالت في بيان رسمي الخميس، إن «مجموعات خارجة عن القانون اعتدت على حي المقوس، وارتكبت مجازر وانتهاكات بحق المدنيين».
وأشارت إلى أن التصفية الميدانية جاءت «بعد تطبيق بنود الاتفاق في السويداء الذي أعلنت عنه وزارة الداخلية، وتكليف بعض الفصائل المحلية ومشايخ العقل بمسؤولية حفظ الأمن في المحافظة».
وذكرت «سانا» أن تلك المجموعات هاجمت الحي، وارتكبت مجازر بحق النساء والأطفال، ونفذت تصفيات ميدانية وانتهاكات بحق أبناء المنطقة من العشائر والبدو، مشيرة إلى مقتل وإصابة عدد كبير من المدنيين.
يجري ذلك بينما قالت مصادر عشائرية إنهم حشدوا قواتهم على المحاور الغربية لمحافظة السويداء استعدادا لهجوم انتقامي من الفصائل الدرزية.
ولاحقا قال قائد عسكري من البدو لرويترز إن مقاتلين من البدو شنوا هجوما جديدا.
وأوضح القائد أن الهدنة تنطبق فقط على القوات الحكومية وليس على البدو، وأن مقاتلي البدو يسعون لتحرير بدو احتجزتهم جماعات مسلحة درزية في الأيام الأخيرة.
وعقب الاعتداءات على البدو، دعا حكمت الهجري، أحد مشايخ طائفة الموحدين الدروز في السويداء إلى العمل بـ«الأصول المعروفية» واحترام أبناء عشائر البدو المسالمين، وعدم المساس بهم، وكذلك إلى التعامل مع الأسرى باحترام ووفق الأصول.
وأكد على الالتزام بروح التسامح رغم «الاعتداءات المؤلمة التي طالت أبناء الطائفة الدرزية»، وأردف: «لسنا طائفيين، ولم نكن يوماً دعاة فتنة أو فرقة».
وحمّل المسؤولية لكل من يعبث بالأمن والاستقرار، مؤكداً أن من يقوم بأعمال تخريب أو تحريض لا يمثل إلا نفسه، ولا يُنسب فعله لأي طائفة أو منطقة.
ودعا إلى «وحدة الصف ورفض الفتنة والعمل مع العقلاء والشرفاء في هذا الوطن على وأد الفوضى وصون الكرامة وفتح أبواب الحل بالحكمة لا بالسلاح».
مشاهد صادمة
وما إن تراجع التوتر في مدينة السويداء حتى استفاق الأهالي أمس الخميس على مشاهد صادمة تظهر حجم الانتهاكات والجرائم بحق مدنيين عزل، وتوثق الدمار الهائل الذي لحق بالبيوت والمباني جراء المعارك التي دارت في المنطقة.
الناشطة الميدانية نايا عزام من أهالي وسكان مدينة السويداء، قالت لـ «القدس العربي» إن ساعات الصباح الأولى من يوم الخميس كشفت عن قصص مرعبة وعشرات الجثث لكبار سن وأطفال وشبان مدنيين عزل قتلوا وهم آمنون في بيوتهم، وعدد كبير من الجثث المنتشرة على الطرقات، وداخل المستشفى الوطني، بينما وثقت عدسات الأهالي دمارا واسعا في المباني والمحال التجارية والأسواق التي نهب بعضها وأحرق جزء كبير منها.
وأضافت: دخلوا إلى منزل أبناء عمومتي في مدينة السويداء أخذوا 9 شباب وقالوا سوف نعيدهم بعد قليل «وبعد شي نص ساعة أطلت زوجة صاحب البيت من الشرفة بحثا عن زوجها فلم تجد أحدا، وما إن نزلت إلى مدخل البناء حتى وجدت الشباب التسعة بجانب بعضهم وقد أعدموا للتو». مؤكدة أن عمليات الإعدام والتصفية الميدانية أجبرت مئات العوائل على النزوح، مشيرة إلى أن «بعض القناصة لم تزل تعتلي الأبنية في ريف السويداء حيث نزحت مع عائلتها».
ريان معروف من مدينة السويداء، قال لـ «القدس العربي» سجلنا «مشاهد لا يمكن وصفها، خلال أكثر من أربع ساعات كرسها الأهالي لجمع جثامين المدنيين الذين تعرضوا لإعدامات ميدانية بعد اقتحام مدينة السويداء»، مؤكدا أن «أسواق مدينة السويداء منهوبة، والمحال التجارية محطمة، ومحتوياتها مسروقة».
مدينة منكوبة
وأضاف: المشاهد مروعة في مدينة السويداء. جثث الضحايا متناثرة في الشوارع، في السيارات، داخل البيوت. نساء، أطفال، رجال، مسنون. مع دخول المجموعات الأهلية لتمشيط أحياء المدينة، شوهد حوالي 10 جثث في حارة واحدة، تعرضوا لإعدامات ميدانية.
وبين أن المستشفى الوطني، أكبر مستشفيات المحافظة خارج الخدمة، يمتلئ بالجثث، والكهرباء مقطوعة منذ أربعة أيام في معظم مناطق المحافظة وبنيتها التحتية تعرضت للتخريب، الاتصالات شبه غائبة، والكثير من آبار المياه توقفت عن الضخ نتيجة انقطاع الكهرباء والمحروقات.
وتابع: محطات الوقود فارغة، المحال التجارية مقفلة مع فقدان المواد الغذائية، نتيجة حصار شامل منذ أربعة أيام. مئات البيوت تعرضت للنهب، والحرق، في مدينة السويداء وقراها الشمالية والغربية. مراكز الإيواء، المضافات، البيوت، ممتلئة بالنازحين، والكثير منهم يحتاجون لمساعدات طارئة.
وأكد أن أهالي المنطقة دعوا لإعلان السويداء منطقة منكوبة، نظرا للمأساة الإنسانية الكبيرة التي خلفتها العمليات العسكرية.
الأوضاع في السويداء دفعت الشيخ الهجري للمطالبة بفتح ممرات في اتجاه مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، والأردن، معلنا الحداد العام في المحافظة.
وتحدث في بيان عن «لحظات عصيبة» تمر بها محافظة السويداء، بعد «استهداف المدنيين العزّل وقتل الأبرياء بوحشية»، معلنا السويداء «بلداً منكوباً».
وأعلن البيان عمّا وصفه بـ«تطهير السويداء من نجس الإرهابيين»، ودعا الطائفة الدرزية إلى «رصّ الصفوف ومواساة أهالي الشهداء»، وكذلك «التخفيف من الزيارات في هذه المرحلة احتراماً لحالة الحدود، ولإتاحة المجال للأهالي في تضميد الألم وترتيب الصفوف وفسح المجال للفرق الطبية وفرق توثيق الانتهاكات».
وقال البيان: «نطالب بفتح الطرق في اتجاه الأخوة الأكراد ونتوجه إلى جلالة الملك عبد الله الثاني في المملكة الأردنية الهاشمية التوجيه لفتح معبر حدودي بين السويداء والأردن لما لهذه الطرق من أهمية إنسانية في هذه اللحظات الحرجة».
القدس العربي
