شهدت محافظة السويداء وقفاً شبه كامل لإطلاق النار، بالتزامن مع إجلاء أفراد من عشائر المحافظة في اتجاه مراكز الإيواء في ريف درعا، وفق اتفاق لم تعرف بنوده.
شادي الحسن، مدير مديرية الدفاع المدني السوري في درعا، قال في تصريح لـ «القدس العربي» إن» فرق الدفاع المدني عملت على نقل وإخلاء أكثر من 1500 شخص بينهم نساء وأطفال وشيوخ، كانوا محتجزين داخل مدينة السويداء واستقبالهم في مراكز الإيواء، كما نقلت فرقنا عشرات المصابين والجرحى إلى المستشفيات الميدانية، وتأمين هؤلاء في مراكز الإيواء التي جهزت من قبل غرفة العمليات المشتركة بإشراف وزارة الكوارث والطوارئ».
ويأتي هذا التطور بعد أيام من التصعيد والمواجهات العنيفة بين مجموعات البدو وفصائل درزية، الأمر الذي أسفر عن سقوط مئات الضحايا في السويداء، وخلّف عشرات المحتجزين من الجانبين.
الاتفاق مرحلي
ووسط طوق أمني فرضته قوى الأمن العام في محيط السويداء لتأمينها وإيقاف الأعمال القتالية فيها، أكد مسؤول القوى التنفيذية في محافظة درعا بلال أبو نبوت في لقاء مع «القدس العربي»عدم تبلور اتفاق بصورة كاملة بما يخص محافظة السويداء حتى الآن، لافتا إلى أن ما حدث هو «احتواء للأزمة من قبل الدولة السورية، لإيقاف شلال الدم بعد المواجهات بين عشائر البدو والمجموعات الخارجة عن القانون بقيادة الهجري، والحفاظ على المسار الذي سيؤدي إلى المصالحة والاستقرار في المحافظة».
وأكد لـ «القدس العربي» أن عشائر البدو بجميع عائلاتهم سوف يعودون إلى بيوتهم ومدنهم، بعد تأمين الاستقرار، وأضاف: ما جرى اليوم هو نقل مئات العائلات من عشائر البدو إلى منطقة اللجاة ومحيطها، إلى حين تأمين المنطقة وعودة الهدوء.
وتابع: هذه المنطقة التي شهدت إخلاء للأهالي من البدو هي خاضعة لاتفاق تهدئة مرحلي في السويداء، مشيرا إلى أن العشائر التزمت بالاتفاق وخرجت من بيوتها، بانتظار التزام المجموعات الخارجة عن القانون بقيادة الهجري.
وحيال الوضع الأمني على الحدود الإدارية، قال: انسحبت القوى الأمنية إلى خارج محافظة السويداء، بينما انتقلت المواجهات في اتجاه بلدة شهبا التي يقطنها أهالي السويداء من البدو، ومنها إلى بلدة أم الزيتون حيث أخرجت المجموعات المسلحة عشائر البدو من المنطقة.
تهجير قسري
وتداول ناشطون سوريون صورا ومقاطع مرئية لإجلاء مئات العوائل من البدو في محيط السويداء إلى مراكز الإيواء في درعا.
واعتبر مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، في تصريح لـ «القدس العربي» أن العمليات التي تجري حاليا في السويداء إذا كانت تتم وفق اتفاق يقضي بترحيل 1500 شخص من السويداء إلى الخارج، في اتجاه واحد دون عودة، فهذا تهجير قسري دون شك، لأن هؤلاء خرجوا دون إرادتهم وفي اتجاه واحد، فهؤلاء سكان يعيشون في هذه الأرض منذ مئات السنين، لديهم بيوت وأعمال وأشغال وأراضيهم وليسوا سكان خيام، بل يقطنون في مدن ولديهم علاقاتهم التجارية.
وأكد أن «الاتفاق يحتاج إلى توضيح أكثر من قبل الحكومة السورية حول بنوده، وذكر أسباب ترحيل هؤلاء وإلى أين، وفي حال كان ترحيلهم مؤقتا بهدف حمايتهم إلى حين عودة الأمن والاستقرار إلى المحافظة فهو أمر مباح في القانون الدولي، أما في حال كان خروجهم في اتجاه واحد فهذا يعني تهجيرا قسريا».
وأضاف: في حال كان الاتفاق مؤقتا وغير دائم، تتحمل الدولة مسؤولية هؤلاء وعدم تركهم في العراء بكل ترتيبات حياتهم وتفاصيلها، كون الحكومة طرفا في الاتفاق.
وشدد على ضرورة «توضيح ما هو مقابل التشريد، وتفاصيل الاتفاق الذي يجب أن يكون مكتوبا وينشر في مؤتمر صحافي حتى نعطي تحليلات قانونية صحيحة»، مؤكدا أن المعطيات الحالية شحيحة وغير متوفرة.
جريمة حرب
تهجير عائلات البدو والعشائر اثار غضب السوريين حيث رصدت «القدس العربي» ردود أفعال بعض المثقفين والكتاب والحقوقيين والصحافيين، حيث أجمع معظمهم على أن التهجير «جريمة حرب».
الحقوقي محمد صبرا كتب يقول: التهجير القسري الذي يجري الآن لعشائر البدو من محافظة السويداء، هو جريمةُ حرب يتحملُ مسؤوليتها حكمت الهجري، والأسوأ من هذه الجريمة هو تبرير بعض «الناشطين المدنيين» لهذه الجريمة وتصويرها بأنها عُرف عشائري.
وكتب الدكتور أحمد جاسم الحسين يقول: تهجير البدو من ريف شهبا ومدينة السويداء سيكشف جانباً مغيّباً من السردية السورية المؤلمة. إنه صوت ضحايا بسطاء، (تعرضوا مرات ومرات لتنمر يومي عبر سنوات) لا يتقنون لغة الهاشتاغات، ولا يعرفون كيف يستثمرون مأساتهم. استمعوا إليهم. لعلّ سوريتكم تستفيق، أيها السوريون. ونكرر: نأمل السلامة للمدنيين جميعاً. والتهجير جريمة حرب.
الرواية الرسمية
أكد قائد الأمن الداخلي في محافظة السويداء العميد أحمد الدالاتي لوكالة الأنباء الرسمية «سانا» الالتزام الكامل بتأمين خروج العائلات المحتجزة والراغبين بمغادرة محافظة السويداء من جميع الشرائح، وسنوفّر إمكانية الدخول إليها للراغبين بذلك، وذلك في إطار جهودنا المتواصلة لترسيخ الاستقرار وإعادة الأمان إلى المحافظة.
وأشار الى فرض طوق أمني في محيط السويداء لتأمينها وإيقاف الأعمال القتالية فيها، للحفاظ على المسار الذي سيؤدي إلى المصالحة والاستقرار في المحافظة.
وكان في استقبال العائلات التي خرجت العميد الدالاتي، وقائد الأمن الداخلي في محافظة درعا العميد شاهر عمران، حيث تم إجلاء هذه العوائل وسط انتشار ميداني واسع لقوى الأمن الداخلي، التي عملت على تأمين المنطقة وضمان سلامة المدنيين.
جثث مكدسة
وفيما كانت عمليات إجلاء عائلات العشائر تجري، كانت السويداء تلملم جراحها. ويقول مسؤول في الطبابة الشرعية في مستشفى السويداء الوطني لوكالة فرانس برس، مفضّلاً عدم الكشف عن هويته، «سلّمنا 361 جثة إلى عائلات أصحابها، في حين ما زالت لدينا 97 جثة مجهولة الهوية».
ونُقلت أكثر من 450 جثة إلى مستشفى السويداء حتى مساء أمس الأحد، في حين تتواصل عمليات العثور على قتلى في الشوارع والمنازل في داخل المدينة، علماً أنّ الجثث لم تُسحَب بعد من قرى في ريفَي السويداء الشمالي والغربي، وفقاً لإدارة المستشفى وعاملين صحيين. ويعمل الطاقم الطبي وسط ظروف صعبة في المستشفى الذي دارت اشتباكات في محيطه وكذلك في جزء منه، خلال الأسبوع الماضي، فيما يغصّ بالجرحى الذين افترش بعضهم الممرّات الضيقة.
المتحدثة باسم اللجنة الدولية، لمنطقة الشرق الأوسط سهير زقوت قالت في تصريح خاص مع «القدس العربي» إن المحافظات الجنوبية في سوريا وخاصة محافظة السويداء والمدينة على وجه الخصوص، شهدت أعمال عنف في الآونة الأخيرة، والتي بدأت في دخول أسبوعها الثاني.
وأضافت: حتى هذه اللحظة ما نسمعه وما يصل إلى الناس، ومن الطواقم الطبية من داخل السويداء أو من الناس في المدينة بوجود نقص في المياه والطعام، كما أن الكهرباء غير متوفرة والطاقم الطبي يعمل على مدار الساعة رغم وجود النقص الشديد في المستهلكات الطبية والمعدات الجراحية ولا يستطيعون الانتظار أكثر لدخول المساعدات الحيوية والضرورية. ونقلت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر «دعوة المنظمة الجميع إلى تسهيل وتسريع وصول هذه المساعدات الضرورية وخاصة المستلزمات الطبية».
وأضافت: منذ اللحظة الأولى ونحن على تواصل مع جميع الجهات الفاعلة على الأرض لنتمكن من دخول المحافظة والمدينة» إلا أن فرق اللجنة الدولية لم تتمكن من «إيصال مساعدات طبية إلى مستشفى درعا والذي كان يستقبل جزءا من الجرحى وأردنا أن نفعل الشيء ذاته في السويداء حيث أننا مؤسسة تقوم على مبدأ الحياد وعدم التحيز ونريد أن تصل مساعداتنا إلى جميع المتأثرين بأعمال العنف». وأضافت: ما زالت تعمل اللجنة الدولية مع كافة الأطراف من أجل إدخال فريق من اللجنة الدولية، وإدخال المساعدات إلى مستشفى السويداء الرئيسي وإدخال فريق من اللجنة الدولية من أجل أن يلتقي بالعائلات والأهالي لسماع الشهادات إلى جانب تقديم الاحتياجات الطارئة والعاجلة من ماء وغذاء ونستطيع الاستجابة بطريقة فعالة أكثر.
وأكدت على ضرورة وجود «ضمانات بأن تسمح الأوضاع الأمنية بدخول طواقم اللجنة الدولية وهذه المساعدات الضرورية للسكان».
إلى ذلك، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان وقوع أكثر من 1300 قتيل وجريح جراء تصاعد أعمال العنف والاشتباكات في محافظة السويداء، بما في ذلك الهجمات الجوية التي نفذها الاحتلال الإسرائيلي.
وحسب تقرير محدث نشرته الشبكة أمس الإثنين، فإن ما لا يقل عن 558 شخصاً، بينهم 17 سيدة، و11 طفلاً، و6 من الكوادر الطبية، و2 من الإعلاميين، قُتلوا خلال الفترة من 13 حتى 20 تموز، إلى جانب إصابة أكثر من 783 آخرين بجروح متفاوتة.
وتشمل الحصيلة مدنيين ومقاتلين من مجموعات عشائرية محلية وخارجية، إضافة إلى عناصر من قوى الأمن الداخلي ووزارة الدفاع التابعة للحكومة السورية، حسب ما أكدته الشبكة.
ودعت إلى فتح تحقيقات مستقلة في الانتهاكات، ومساءلة المتورطين، وحماية المرافق المدنية من الاستهداف أو الاستخدام العسكري، واحترام القانون الدولي لحقوق الإنسان والالتزام بتطبيقه، ودعم المبادرات المحلية للحوار ووساطات التهدئة.
وشددت على ضرورة كبح الخطابات التحريضية والطائفية عبر الإعلام ومنصات التواصل، وضمان شفافية العمليات الأمنية، وإبلاغ المدنيين بالإجراءات مسبقاً، وتشجيع الإعلام على التغطية المتوازنة والمسؤولة، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي وتعويض الضحايا.
كما طالبت الشبكة الفصائل المسلحة في السويداء بالالتزام بالقانون الدولي، ووقف استهداف المدنيين والمرافق، والتوقف عن استخدام السلاح والتحريض.
القدس العربي
						