استقبل الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، وعقيلته لطيفة الدروبي، أمس الجمعة، قائد القيادة المركزية الأمريكية الأدميرال براد كوبر، وعقيلته سوزان كوبر، إلى جانب المبعوث الخاص للولايات المتحدة الأمريكية إلى سوريا توماس براك، والوفد المرافق، بحضور عدد من الوزراء وكبار المسؤولين، في أرفع لقاء على الصعيدين العسكري والأمني بين البلدين، وذلك في قصر الشعب في دمشق.
المصالح المشتركة
وفي الموازاة، عقدت الدروبي لقاء خاصا، مع سوزان كوبر، حيث جرى الحديث حول القضايا الإنسانية والاجتماعية ذات الاهتمام المشترك، وذلك في قصر الشعب أيضا.
وبحث اللقاء بين الشرع وكوبر، حسب مصادر رسمية، آفاق التعاون في المجالات السياسية والعسكرية «بما يخدم المصالح المشتركة ويرسخ مقومات الأمن والاستقرار في سوريا والمنطقة».
وعكس الاجتماع، وفق وكالة الأنباء الرسمية «سانا» الأجواء الإيجابية و«الحرص المشترك على تعزيز الشراكة الاستراتيجية، وتوسيع قنوات التواصل بين دمشق وواشنطن على مختلف المستويات».
وتكتسب الزيارة الأولى من نوعها لقيادة القيادة المركزية الأمريكية إلى دمشق، إلى جانب الحضور اللافت للوفد المرافق للقائد العسكري الأمريكي، حسب خبراء ومراقبين لـ «القدس العربي» أهمية بالغة تتعلق بمدى إمكانية التعاون العسكري والأمني بين دمشق وواشنطن، وتخفيف العقوبات، كما أنها تأخذ بعدا مهما من حيث توقيتها، إذ تأتي قبيل زيارة الشرع إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
ووفق ما قال رئيس المجلس السوري الأمريكي، فاروق بلال لـ «القدس العربي»، اللقاء يحمل أهمية خاصة للطرفين، إذ يوفّر فرصة لمناقشة الملفات السياسية والعسكرية في مرحلة مفصلية تمرّ بها المنطقة.
وأشار إلى «رغبة أمريكية في تعزيز الاستقرار ومنع أي فراغ أمني قد تستفيد منه جهات متطرفة أو قوى دولية، وخاصة إيران».
ومن جانب دمشق، رأى أن الاجتماع «فرصة للتواصل المباشر مع صانعي القرار الأمريكيين حول القضايا الأكثر إلحاحا، وخاصة العقوبات والهجمات الإسرائيلية ووحدة الأراضي السورية».
واعتبر أن الأولوية لدى دمشق اليوم هي التركّيز بشكل أساسي على تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية وتخفيف العقوبات التي انعكست بشكل مباشر على حياة السوريين واقتصادهم، وهي تطالب بخطوات عملية في هذا الاتجاه، إلى جانب ترسيخ الاستقرار على كامل الأراضي السورية.
تعاون عسكري
وتوقع بلال نتيجتين للاجتماع، الأولى: تتعلق بمدى إمكانية التعاون العسكري سيما بعد إضافة تعديل من قبل لجنة التسليح في مجلس النواب لمشروع موازنة وزارة الدفاع لعام 2026، والذي طلبت فيه اللجنة من وزارة الدفاع والقيادة المركزية الأمريكية تقديم إحاطة للكونغرس عن فرص اتفاقية دفاع مشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية وسوريا.
أما الثانية فهي «مناقشة إعادة اندماج المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية واستعادة سيطرة سوريا على هذه الأراضي، وهاتان الخطوتان مهمتان لتمهيد الطريق لانسحاب عسكري أمريكي من سوريا، وهذا ما يهدف له الرئيس ترامب».
رسائل أمريكية
وتعقيبا رأى الأكاديمي السوري والمدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية في واشنطن رضوان زيادة، في حديثه مع «القدس العربي» أن زيارة كوبر تعكس حجم التنسيق القائم بين سوريا والولايات المتحدة.
وأوضح أن القيادة المركزية الأمريكية، بحكم وجود القوات الأمريكية على الأراضي السورية، تلعب دورا محوريا، وهو ما يفسر استقبالها اليوم على المستوى السياسي الرسمي في دمشق، بل وحتى بحضور عقيلات المسؤولين، الأمر الذي يعكس أن العلاقات السورية ـ الأمريكية بدأت تأخذ منحى أعمق حتى على المستوى العسكري.
وأضاف أن هذه الزيارة قد تحمل في طياتها رسائل مرتبطة بملف سحب القوات الأمريكية من سوريا، وهو ملف معقد لا يمكن التعامل معه إلا من خلال مستوى عال من التنسيق السياسي بين الجانبين، مشيرا إلى أن القراءة الأوسع لمسار هذه اللقاءات ربما تفسر هذه الخطوة بوصفها جزءا من ترتيبات أعمق تسعى لإعادة صياغة العلاقة بين دمشق وواشنطن.
أجندة اللقاء
وشارك في لقاء الشرع وكوبر، رئيس جهاز الاستخبارات، ووزير الدفاع، ووزير الداخلية من الجانب السوري، ما دفع الباحث السياسي لدى مركز الحوار السوري الدكتور أحمد القربي للتأكيد لـ «القدس العربي» على أن اللقاء يعد الأعلى مستوى على الصعيدين العسكري والأمني.
وبيّن أن الولايات المتحدة تركز بشكل أساسي على ملفين: الأول يتعلق بمنع عودة تنظيم «الدولة الإسلامية» انطلاقا من الأراضي السورية، والثاني مرتبط بضمان أمن إسرائيل.
وأضاف أن معظم اللقاءات التي تجريها دمشق، خصوصا بعد أحداث السويداء، تدور في إطار هذين العنوانين الرئيسيين.
ووفق القربي، عقد اجتماع بهذا المستوى يمثل مؤشرا إيجابيا على إمكانية التعاون بين دمشق وواشنطن، لا سيما أنه جاء عقب لقاءات مع الجانب الروسي، ما قد يعكس رغبة أمريكية في توجيه رسائل سياسية إلى القيادة السورية بشأن حدود التعاون مع موسكو.
وعن المطالب السورية من الولايات المتحدة الأمريكية، أوضح أن أبرزها يتمثل في محاولة لجم التعديات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، ومنح القيادة السورية مجالا أوسع لتقوية الجيش وتعزيز المؤسسة العسكرية بالدرجة الأولى، بما يتيح لها امتلاك القدرة الكاملة على محاربة تنظيم «داعش»، مؤكدا أن هذا المطلب يأتي في إطار رغبة دمشق في استعادة توازنها الأمني والعسكري داخليا.
في السياق، رأى الباحث الأكاديمي الدكتور عرابي عرابي لـ «القدس العربي» أن اللقاء يكتسب بعدا استراتيجيا، إذ يؤشر إلى رغبة متبادلة في فتح قنوات تعاون سياسي وعسكري أوثق، بما يضمن تعزيز الاستقرار ومنع عودة التوترات الأمنية.
ويشكل كذلك، حسب المتحدث «إشارة واضحة إلى أنّ واشنطن تنظر بجدية إلى موقع دمشق المحوري في صياغة التوازنات الجديدة في المنطقة».
وأضاف: ركزت المباحثات ـ وفق ما رشح من مصادر رسمية ـ على ملفات التعاون العسكري، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب وضبط الحدود، إضافة إلى بحث أطر التعاون السياسي والدبلوماسي، وإمكانية خلق آليات مشتركة لدعم الاستقرار في المناطق التي شهدت نزاعات. كما تناولت الأجندة قضايا إعادة الإعمار، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، وتهيئة بيئة مناسبة للحلول السياسية الشاملة، ومن خلال هذا يمكن القول إن «الحكومة اليوم تسعى إلى تثبيت شرعيتها السياسية عالميا بالتعاون الوثيق مع الشركاء الدوليين، وتطلب دعما ملموسا في المسار الأمني من خلال ضمان عدم تحوّل مناطق الشمال الشرقي إلى ساحة فوضى، إضافة إلى دعم خطوات الحل السياسي بما يضمن وحدة سوريا وسيادتها»
وهو ما اتفق معه الباحث السياسي عباس شريفة، الذي اعتبر أن الزيارة تأتي في إطار تعزيز العلاقات العسكرية بين سوريا والولايات المتحدة الأمريكية، مشيرا إلى وجود توجه أمريكي نحو العمل بشكل أوثق مع الحكومة المركزية في دمشق، خصوصا في مجال الحرب على الإرهاب.
وبيّن لـ «القدس العربي» أن واشنطن تسعى إلى تقوية الدولة المركزية بما يخدم أجندتها في ترتيب عملية الانسحاب من سوريا، إذ تحتاج إلى شريك محلي يتمتع بانتشار واسع على امتداد الجغرافيا السورية، ويمتلك خبرة عسكرية وأمنية متراكمة، لا سيما في مواجهة تنظيم «داعش»، قبل الشروع في أي انسحاب فعلي.
ووصف الزيارة بأنها بالغة الأهمية، كونها الأولى من نوعها لقيادة القيادة المركزية الأمريكية إلى دمشق، إلى جانب الحضور اللافت للوفد المرافق للقائد العسكري الأمريكي. كما أشار إلى أن توقيتها يكتسب دلالة إضافية، إذ تأتي قبيل زيارة الشرع إلى الولايات المتحدة، ما يعكس أن اللقاءات الجارية تمثل تحضيرا لملفات أساسية يمكن طرحها خلال زيارة الرئيس إلى نيويورك، بما في ذلك احتمالية عقد اجتماع مباشر مع الرئيس الأمريكي.
العلاقة مع «قسد»
وأضاف أن دمشق تسعى من جانبها إلى إنهاء العلاقة بين الولايات المتحدة والمنظومات ما دون الدولة في شمال شرق سوريا، وفي مقدمتها «قوات سوريا الديمقراطية»، فضلا عن إيقاف أي دعم أمريكي لأجسام عسكرية ناشئة في الجنوب السوري. وأوضح أن المؤشرات تدل على أن واشنطن لا ترغب في الاستمرار بدعم مجلس الحرس الوطني في السويداء، كما أنها تميل إلى إعادة النظر بعلاقتها مع «قوات سوريا الديمقراطية»، ودفعها نحو الالتزام بتطبيق اتفاق مارس/آذار الماضي. وخلص إلى أن الولايات المتحدة تبدو متجهة إلى حصر تعاونها الأمني والعسكري والسياسي مع الدولة السورية كمرجعية وحيدة في البلاد، بعيدا عن أي عناوين أو أطر فرعية أخرى.
القدس العربي