أحيا السوريون ذكرى انطلاق المعركة التي غيّرت مسار بلادهم، إذ انطلقت مع فجر السابع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، عملية عسكرية واسعة غربي حلب وريف إدلب، حملت اسم «ردع العدوان». شكلت المعركة نقطة تحول حاسمة أفضت إلى سقوط نظام الأسد بعد أكثر من خمسة عقود من الحكم، وفتحت الطريق أمام مرحلة جديدة جاءت امتدادا وتتويجا لثورة السوريين التي اندلعت في مارس/ آذار 2011، وما رافقها من قتل وتدمير وتهجير وقصف ومعاناة.
شكّل انطلاق المعركة التي تحل الذكرى الأولى لانطلاقها، صدمة للعالم، بمن فيهم سكان المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية والمقاتلين الذين شاركوا بالعملية ذاتها، رغم سنوات من الإعداد وتسريب مواعيد متكررة بهدف التمويه وإرباك أجهزة النظام. بينما توقع الكثيرون تعاظم القصف الروسي، دون أن يتصور أحد أن العملية العسكرية لفصائل المعارضة بقيادة «هيئة تحرير الشام»، ستؤدي إلى انهيار بنية نظام الأسد بهذه الصورة.
وخلال 24 ساعة، سيطرت الفصائل على مساحات واسعة من ريف حلب الغربي وباتت على مقربة من مدينة حلب، وسط انهيار قوات نظام الأسد ودفاعاته، الذي كان يكثف ضرباته على شمال البلاد في ظل مناخ دولي كان قد بدا وكأنه يميل لمصلحته.
في اليوم التالي لبدء المعركة، واصلت الفصائل المهاجمة عملياتها حتى بات الطريق إلى مدينة حلب مفتوحا، دون مؤشرات على أن هناك طريقا إلى دمشق، واستمرت المعركة 12 يوما فقط، إلا أن التحضير لها، وفق ما قال قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع، استغرق خمس سنوات في إدلب، شمل خلالها توحيد القوى المختلفة وتهيئة البنية العسكرية والتنظيمية للعملية.
ويشير الشرع إلى أن نظام الأسد كان على علم بوجود استعدادات. وكما حذرت جهات عدة من بدء العمل العسكري خشية تكرار سيناريوهات مدمّرة، إلا أن قرار إطلاق المعركة اتخذ تحت شعار: «نصر لا ثأر فيه»، في رسالة تؤكد فتح صفحة جديدة في البلاد.
وفي تفاصيل المعركة، كشفت وكالة الأنباء السورية، «سانا» عن أيامٌ متتالية من الانتصارات انهارت فيها قوات الأسد والميليشيات الداعمة له بشكل متسارع، منذ تحرير حلب وحتى لحظة دخول دمشق لتثبيت واقع جديد أنهى حكم عائلة الأسد الذي استمر 54 عاما.
الشرارة الأولى
بعد ظهر الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024 أعلن القيادي في إدارة العمليات العسكرية حسن عبد الغني إطلاق عملية «ردع العدوان» ردا على استهداف النظام البائد المتواصل للمدنيين العزل بالقذائف والصواريخ والطائرات الانتحارية، وما أسفر عنه من مآسٍ مروعة وتعطيلٍ للحياة، مؤكداً أنّ المعركة ليست خياراً بل واجب لحماية الأهالي.
أولى المعارك كانت في ريف حلب الغربي، وخلال ساعات تمكن الثوار من تحرير نحو 15 قرية رغم الاشتباكات العنيفة مع قوات النظام الأسد، بدأت بتحرير قرى وبلدات الشيخ عقيل وبالا، وحيردركل وقبتان الجبل والسلوم وجمعية المعري والقائمة وحور ثم بلدة عنجارة والفوج 46 وأورم الصغرى والهوتة وجمعية السعدية وعاجل.
وفي اليوم التالي، وبعد يوم واحد من بدء ردع العدوان، أعلنت إدارة العمليات العسكرية تحرير مدينة حلب العاصمة الاقتصادية للبلاد، إلى جانب انهيار قوات النظام البائد والانشقاقات الواسعة في صفوفها، حيث وصلت الفصائل إلى مدينة حلب، بعد تحرير ريف حلب الغربي بالكامل والعديد من القرى في ريف المدينة الجنوبي وريف إدلب الشرقي، منها بلدة أرناز وكفربسين، وبلدات خان طومان وجب كاس والطلحية وتل الكراتين والبوابية وأبو قنصة وزيتان والصالحية، وبلدة كفرناها، وبلدة ياقد العدس وريف المهندسين الأول، وبلدة الزربة وعقدة عالم السحر وتلة الراقم، وبلدة كفر حلب، وبلدات ميزناز وكفر داعل والبلقوم وبابيص وبشقاتين وباشنطرة والمسئولية والأربيخ.
كما سيطرت في اليوم ذاته على بلدة كفر بطيخ وتلحدية وخان السبل والترنبة وتل مرديخ بريف إدلب الشرقي، وقرى شغيدلة والسابقية وسد شغيدلة وبلدة الحاضر ورسم صهريج ورسم العيس في ريف حلب الجنوبي وصولا إلى سراقب في ريف إدلب الشرقي.
تحرير مدينة حلب كان «بمثابة إعلان واضح أن الفصائل المقاتلة باتت تمسك بزمام المبادرة، وبالفعل تحركت القوات سريعاً لتأمين كامل الشمال، وأصبحت إعزاز ومارع مركزاً لوجستياً، لاستكمال المعركة، وبالتوازي تمت إعادة ترتيب ريف إدلب، ليكون قلباً واحداً في هذه المعركة، فيما شكلت منبج والباب وجرابلس بفي ريف حلب خط الإمداد المستقر لإتمام مسيرة التحرير».
في يوم الجمعة الـ 29 من نوفمبر/ تشرين الثاني، عملت قوات «ردع العدوان» حسب وكالة الأنباء «سنا» على «نزع الألغام من ريف حلب الغربي لتأمين عودة عشرات الآلاف من العائلات إلى منازلهم التي هجّرهم منها النظام البائد لسنوات، كما عملت على إبعاد نيران مدفعية النظام البائد وتأمين الحماية للأهالي في عدد من المناطق المحاذية للجبهات».
وفي يوم السبت الـ 30 من تشرين الثاني، أعلنت قوات «ردع العدوان» تحرير 43 قرية وبلدة منها جرجناز وتلمنس وأبو الضهور في الريف الجنوبي والشرقي لإدلب، وعندان وكفرحمرة وحريتان وحيان في ريف حلب الشمالي، تلاها إعلان تحرير معرة النعمان، وكفر نبل في إدلب، وخان شيخون في إدلب.
وفي الأول من ديسمبر/ كانون الأول، سيطرت قوات «ردع العدوان» على أوتوستراد خناصر حلب، وكلية مدفعية الميدان والأكاديمية العسكرية، وقرى جنوب شرق حلب وصولا إلى معان والكبارية وكوكب شمالي حماة، والسيطرة على جبل شحشبو في شمالها الغربي، وقرى الطليسية والشعثة والفان الشمالي وتلة الراي وطيبة الاسم في ريف حماة الشمالي.
تحرير حماة
ثم واصلت الفصائل التقدم وصولا إلى مدينة قلعة المضيق وقرى عدة في سهل الغاب شمال غربي حماة، وبتحرير هذه الجبهات «رغم الغارات الجوية الكثيفة، تم إغلاق جميع المنافذ أمام أي التفاف أو هجوم معاكس، وأصبحت الجبهة الشمالية قاعدة آمنة للتوسع نحو الوسط والجنوب، لتعلن إدارة العمليات العسكرية تأمين مدينة حلب بالكامل والتوجه نحو حماة».
في يوم الأربعاء سيطرة قوات «ردع العدوان» على الفرقة 25 مدرسة المجنزرات، وقرى ريف حماة الشرقي والغربي، وعملت على تطويق الأطراف الغربية والشمالية لمدينة حماة.
بعد 9 أيام من انطلاق المعركة، أعلنت قوات «ردع العدوان» في الـ 5 من ديسمبر/ كانون الأول، عن تحرير مدينة حماة بالكامل، بعد سيطرتها على عدة أحياء والسجن المركزي في المدينة، ثم عملت على تمشيط جبل زين العابدين وقمحانة في ريف حماة الشمالي، وتمشيط مطار حماة العسكري في ريف المدينة الغربي، حيث وصلت بداية وصول الأرتال العسكرية إلى ريف حمص الشمالي.
واصلت قوات «ردع العدوان» تقدمها حتى سيطرت على منطقة السلمية في ريف حماة الشرقي ومدينة محردة في ريف حماة الغربي، وتقسيس، الجمقلة، وبلدات تير معلة والزعفراني والمجدل ودير فول وأصيلة والفرحانية والوازعية والغصيبية والمكرمية وعز الدين في ريف حماة الجنوبي، والرستن وتلبيسة والدار الكبيرة في ريف حمص الشمالي.
وفي الـ 7 من الشهر ذاته أعلنت «ردع العدوان» عن تحرير أكثر من 13 قرية في ريف حمص، ثم بدء دخول مدينة حمص ومدينة درعا، والصنمين في ريف درعا، وفرع سعسع في ريف دمشق، حيث بدأت قوات «ردع العدوان» بتطويق دمشق، مع بدء عمليات خلف خطوط قوات النظام، كما أعلن عن تحرير القنيطرة والسويداء وتدمر جنوب سوريا.
فرار الأسد
يوم الأحد الـ 8 من كانون الأول، أعلنت «ردع العدوان» عن تحرير مدينة حمص بالكامل وسجنها، وبلدات عسال الورد ويبرود وفليطة والناصرية وعرطوز في ريف دمشق، وفي الساعة 4 فجرا، بدأت قوات ردع العدوان تدخل دمشق، مع تحرير سجن صيدنايا.
ثم أعلن فجر الأحد، في الساعة 6 صباحا عن تحرير مدينة دمشق بالكامل، وسقوط نظام الأسد، وفرار فلول النظام من مدينتي اللاذقية وطرطوس وتحرير دير الزور والميادين والبوكمال، وتحرير ريف حمص الغربي، وريف حماة الغربي، والانتهاء من بسط السيطرة وإحلال الأمن في مدينة دمشق.
وفي يوم التحرير نزل مئات آلاف السوريين إلى الساحات في جميع المحافظات احتفالاً بالنصر والخلاص من قيود نظام بشار الأسد الذي فرّ هارباً إلى موسكو مع بعض كبار القادة في قواته، رافعين علم الثورة السورية ومرددين هتافات الحرية.
وعلى صعيد ردود الأفعال الدولية، رحبت الدول العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والعالم بانتصار الشعب السوري، وأكد المجتمع الدولي مواصلة دعم الشعب السوري لتحقيق الاستقرار والتنمية، وبدأت الوفود الدبلوماسية تتوافد إلى دمشق منذ الأيام الأولى للتحرير بعد قطيعة استمرت سنوات طويلة.
القدس العربي
