احد احياء حمص كما يبدو اليوم. (الصورة بعدسة ناشط سوري)

ماذا بعد سقوط حمص ؟

سقطت حمص، كما تسقط التفاحة الناضجة. إعلان سقوطها وانسحاب المقاتلين، كان إعلاناً مبرمجاً، مثل الوفاة المعلنة. ليست البراميل المتفجرة وحدها التي أسقطتها. صراعات المعارضات، خصوصاً «النصرة» و«داعش» وغيرهما، أطلقت عليها رصاصات عدة. جرى استنزاف المقاتلين فيها، في الاقتتال الداخلي. الجميع تخلوا عن أهلها ومقاتليها. في حين أن الجميع من حلفاء النظام قدموا كل ما يملكون من مال وسلاح وخبرات أمنية وإلكترونية لتحقيق هذا الانتصار. مطلوب ألا يبكي أحد حمص وكأنها نهاية الحرب، وإنما البحث ما العمل في المستقبل. من الواضح جداً أن الرئيس الأميركي باراك أوباما، لا يرغب أكثر من إدارة الأزمة في سوريا. السؤال هل يريد الاستمرار هكذا حتى نهاية ولايته، ليتركها «كرة نار» لخليفته سواء كان ديموقراطياً أم جمهورياً؟ المضحك المبكي أن أوباما يعترف «بالائتلاف الوطني» ممثلاً للشعب السوري ويسلمه السفارة، وفي الوقت نفسه يبلغ جون كيري الجربا بأن لا سلاح نوعياً حالياً، للثوار حتى المعتدلين منهم.

مرت سوريا المظلومة، وشعبها الذي يبقى في كل ذلك الخاسر الكبير، في أربع مراحل منذ آذار 2011 حتى الآن:

ـ الانتفاضة المدنية طلباً للحرية والعدالة والكرامة. رد نظام بشار الأسد البعث كان، صاعقاً في عنفه ولجوئه الى الرصاص الحي والاعتقالات والتعذيب.

ـ العنف دفع المدنيين الى «عسكرة» الثورة التي خطّط لها النظام الأسدي بالتعاون مع طهران وموسكو.

ـ حققت الثورة انتصارات ملحوظة حتى أصبح الحديث عن سقوط نظام الأسد شرعياً.

ـ وضعت طهران وموسكو كل قوتهما وما تملكان من مال وسلاح وخبرات لدعم الأسد، في وقت اكتفى أصدقاء سوريا بعقد المؤتمرات ونشر الوعود والتقيد بأوامر واشنطن في عدم تقديم السلاح النوعي وحتى الثقيل للثورة. فانقلبت الموازين وتقدم النظام.

الآن، بدأت مرحلة خامسة. أبرز مظاهرها، اكتمال «الدولة الأسدية» الممتدة من الشمال وصولاً الى دمشق. حمص واسطة العقد في هذه «الدولة» ذات الحدود المرسومة. لم يبقَ أمام النظام سوى حلب ليسيطر على كل المدن السورية. السؤال الكبير هل تُترك يتيمة كما حمص؟ وهل لتركيا مصلحة بذلك قبل أي طرف إقليمي ودولي آخر؟ وماذا عن درعا وموقف الأردن منها؟ وماذا عن حمص التي تعيش على وقع تغيير ديموغرافي حقيقي؟ واقعياً حمص السنية المسيحية دُمرت منهجياً. كيف يستطيع أهلها العودة اليها ومتى؟ الأخطر هذا الوضع المرسوم سابقاً، خلق حدوداً من نار بين سكان حمص. كيف يمكن أن يأمن السني للعلوي؟ والأهم كيف سيتعامل العلوي الذي دخل الموت الى كل بيت فيهم مع السني المهزوم والخائف؟.

في قلب هذه الأسئلة تتشكل ارتداداتها على القوى المشتركة في الحرب. إذا كانت سوريا لن تعود كما كانت، فإن لبنان أيضاً لن يعود كما كان بعد الحرب. ارتدادات الحرب في سوريا على لبنان كبيرة وضخمة جداً نتيجة لمشاركة «حزب الله» الرسمية في الحرب، وتحويل «داعش» و«النصرة» لبنان من أرض نصرة الى أرض جهاد. كل ذلك يفتح الوضع على أسئلة حقيقية ومصيرية منها: متى وكيف سينسحب حزب الله من سوريا؟ هل يكون ذلك بعد تحقيق انتصار ناجز للأسد وإيران، وبالتالي يعود قوة منتصرة الى لبنان، ما يمكنه من فرض ما يريده على الآخرين، وأول ذلك إعادة صياغة النظام سواء في مؤتمر تأسيسي أو غيره بما يتناسب مع حجمه الجديد كقوة إقليمية شريكة وليست فقط «حزباً مسلحاً» في لبنان تحت أعلام المقاومة؟ وماذا لو اضطر للانسحاب نتيجة لاتفاق إيراني غربي شامل، لتكون المكاسب فيه محدودة، لأن أي اتفاق بين قوى لم تحقق الانتصار يجبرها على تقديم تنازلات متبادلة ومنها خروج الأسد؟ وماذا لو قامت «الدولة الأسدية»، هل ينخرط فيها وصولاً الى الحدود مع إسرائيل؟

وماذا عن مواقف القوى اللبنانية الأخرى من هذا الوضع المجهول، هل تأخذ بمعادلاته كما هي أم تعارض وترفض؟.

مستقبل لبنان الجديد معلّق على نتائج الحرب في سوريا وخروج «حزب الله» منها!..

المستقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.