خيارات الغرب محدودة وتردده في العراق سيكون خطيرا كرفضه التدخل في سوريا

خيارات الغرب محدودة وتردده في العراق سيكون خطيرا كرفضه التدخل في سوريا

هل اقترب التسيد الشيعي للنظام السياسي العراقي من نهايته؟ فبعد تسع سنوات من تنصيب الأمريكيين للشيعة حكاما على العراقيبدو البلد على حافة الإنهيار، خاصة بعد سيطرة الأكراد على المدينة النفطية كركوك التي يطالبون فيها كإشارة انفصالية، فيما تبخر تأثير الحكومة العراقية على مناطق السنة وسط زحف قوات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) نحو بغداد.

كان انهيار الجيش العراقي في الشمال علامة شؤم لحكومة نوري المالكي التي تقول صحيفة «نيويورك تايمز» أنه مصاب بالفزع، وحملته مسؤولية «الكارثة» الحقيقية والفوضى السياسية التي سممت العراق، وتساءلت عن الفشل الأمني الذريع لكل من الولايات المتحدة والعراق اللتين تتعاونان أمنيا وعدم القدرة على رصد تحركات داعش التي تقول تقارير إنه كان يخطط للسيطرة على العراق منذ أكثر من عام.

وعبرت الصحيفة عن دهشتها من فعالية الدولة الإسلامية في العراق والشام التي استطاعت السيطرة على مدينة الموصل، ثاني المدن العراقية من ناحية الإهمية واحتلت المراكز الإستراتيجية فيها، ومصفاة النفط في بيجي التي تقع جنوب الموصل ويواصل التنظيم تقدمه نحو العاصمة بغداد.

وترى الصحيفة أن التمرد وإنجازاته لن يكون تهديدا على العراق في حالة استطاع داعش إقامة إمارة إسلامية كما نجح في سوريا لان أحدا لا يريد هذا لا الأتراك ولا الأكراد ولا الإيرانيين. كما وعبرت عن قلقها من هرب الجنود العراقيين الذين تخلوا عن أسلحتهم رغم المليارات التي أنفقتها الولايات المتحدة على إعدادهم وتدريبهم.

وبنفس القدر تحدثت عن مخاوفها من كميات الأسلحة التي غنمها مقاتلو داعش وهي أسلحة أمريكية متقدمة. وأضافت انه يفهم احتلال الأكراد مدينة كركوك في ضوء جبن الجيش العراقي و»هي خطوة تشير لنزعة انفصال عن الدولة».

اختيار زعيم

وقالت إن إرسال أسلحة والقيام بغارات جديدة بالدورن لن تؤثر في حالة عجز الجيش العراقي عن الدفاع عنها واستخدامها. كما أن فكرة تدخل عسكري أمريكي غير عملية بل «فكرة سيئة» لأن أمريكا لا تريد التورط في جولة جديدة من الحرب.

وتساءلت الصحيفة في النهاية «لماذا تريد الولايات المتحدة كفالة زعيم خطير كالمالكي والذي يحاول البقاء في السلطة لمرة ثالثة؟ ورأت أن الأمر لم يعد بأمريكا بل بيد القادة العراقيين لاختيار زعيم جديد للبلاد يقوم بإنقاذ ما يمكن إنقاذه، يصلح النظام الطائفي ويضم الطوائف الأخرى خاصة السنة للنظام السياسي والإقتصادي.

ورأت أن اوباما لا يتحمل مسؤولية الأحداث لأن الجيش الأمريكي انسحب ورفضت الحكومة العراقية السماح ببقاء قوات امريكية في العراق، مع أن المالكي غير رأيه وطلب مساعدة امريكية العام الماضي بعد تزايد قوة داعش، وهو ما استجابت الولايات المتحدة له وزودته العام الماضي بصواريخ «هيلفاير».

وفي السياق نفسه حمل المعلق ديفيد إغناطيوس المالكي مسؤولية ما حدث وقال إنه شخصية استقطابية طائفية فقد ثقة جيشه وشعبه ولن يكون جمع العراق المفرق مرة أخرى مهما كانت المساعدة العسكرية التي سيلقاها من أوباما. مشيرا إلى فشل المالكي الواضح منذ انتخابات عام 2010 ورغم كل هذا فضل أوباما العمل معه كحليف ضد القاعدة. ويقول إن الكثيرين تساءلوا عن سبب اختياره في المقام الأول «فقد كان خيارا سيئا» ولم يكن يملك النية الحسنة او الطاقة حسب ديرك هارفي المحاضر في جامعة ساوث فلوريدا. وتساءل جنرال متقاعد بأربع نجوم «إلى متى سنظل نراهن على هذا المالكي بعد كل ما حدث؟». وأضاف أن أسلوب المالكي الطائفي ساعد على خلق الكارثة، وبحسب هارفي فقد استبدل المالكي الجنرالات بمسؤولين من حزب الدعوة مفضلا الولاء على الكفاءة.

تقسيم العراق

وهنا ماذا يمكن للمالكي أن يفعله بعد هرب 900.000 من قواته، الغارات الجوية المتواضعة التي قام بها على الموصل لم تنفع بعد عودة السكان للمدينة وتبين أنهم حانقون على الحكومة أكثرمن حنقهم على داعش، الرحيل هو ما تراه «نيويورك تايمز» مناسبا له. وينظر إلى هروب الجيش العراقي بمثابة تخل عن منطقة الشمال.

ويرى باتريك كوكبيرن في صحيفة «إندبندنت» إن الشيعة قد يتمكنون من الإحتفاظ بالعاصمة والمناطق الجنوبية ولن يكونوا في موقع لاستعادة التأثير في الشمال ووسط البلاد. ولن يتخلى الأكراد عن كركوك التي سقطت بيد البيشمركة حسب المتحدث باسمها جبار ياور «لا جيش عراقيا في كركوك».

ويرى الكاتب أن التدخل الأجنبي إن حدث فلن يأتي من أمريكا أو حلفائها فيالغرب بل من إيران التي ظهرت بعد الغزو الامريكي كأكبر قوة مؤثرة في العراق، وأكد حسن روحاني، الرئيس الإيراني أن بلاده ستعمل على مواجهة «عنف وإرهاب داعش». ويعتقد الكاتب أن شيعة العراق قد يستنتجون من أحداث الشمال أن الجيش قد تخلى عنهم ولهذا سيعتمدون على الميليشيات الشيعية التي دربتها إيران.

ويرى أن سقوط بغداد لم ينسه السنة ولا الدول العربية مثل السعودية التي عملت على وقف تسيد الشيعة. ويضيف أن داعش كان حذرا في عدم تهميش سكان الموصل الذي وجدوا صعوبة في دخول مناطق الحكم الذاتي الكردية بسبب التدقيق على الهويات. ولهذا حاول داعش إظهار قدرة على إدارة الموصل وحسنت من خدمات الكهرباء التي امتدت لست ساعات بعد خروج الجيش العراقي.

ويعتقد كوكبيرن أن الأكراد يحاولون الإستفادة من الفوضى التي تعيشها الحكومة في بغداد من خلال تعزيز سيطرتها على خطوط التماس.

ومن هنا فالتدخل الإيراني لن يكون إلا من خلال تقوية الميليشيات، والشيء المؤكد هو أن المالكي لن يكون قادرا على تغيير الهزيمة التي حصلت الإسبوع الماضي. فالإنتصار الذي حققه داعش لم يكن ليتم لولا الدعم التكتيكي ورفض الجيش العراقي المقاومة.

عزت الدوري

وذكرت صحيفة «التايمز» البريطانية أن نجاح داعش لم يكن ليتحقق لولا الدعم الذي تلقاه المقاتلون من بقايا الجيش العراقي السابق، حيث قالت تقارير إن عزت الدوري وهو أحد قادة النظام السابق زار قبر صدام حسين في بلدة العوجة.

وتفسر مشاركة الدوري الطريقة التي خطط فيها داعش لعمليته. ونقلت عن زعيم قبلي بارز قوله «جاءوا بالمئات لتكريت وقالوا إنهم لم يحضروا للدم والإنتقام بل لتحقيق العدل والإصلاح، وقاموا باختيار جنرال متقاعد لإدارة المدينة»، وأشارت صحيفة «الغارديان» إلى قيام مقاتلي التنظيم بتوزيع ملصقات على البلدات التي احتلوها وتؤكد لهم انهم جاءوا لحمايتهم. ونقلت عن مسؤول عراقي تقديره عدد المقاتلين بحوالي 6.000 شخص.

زعزعة استقرار المنطقة

وترى صحيفة «إندبندنت» في افتتاحيتها إن قوات داعش ليس قادرة على ارتكاب أفظع الأفعال ولكن باستطاعتها زعزعة استقرار المنطقة، وترى أن السبب كله يعود إلى غطرسة القوة لكل من الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، «مهمة انجزت» شعار ظهر لفترة قصيرة وارتبط بجورج بوش ليصبح علامة على ذروة الغطرسة الامريكية في العراق قبل عقد من الزمان، وكلنا يعرف ما حدث بعد هذا الشعار. ويمكن ان يرتبط هذا الشعار قريبا بأبو بكر البغدادي، زعيم داعش القيادي المحنك الذكي والرجل المناسب لحرب العصابات أكثر من الرئيس بوش.

وتشير إلى أن قوات داعش لا تبعد سوى ساعة عن العاصمة بغداد التي قد تكون هدفا صعب المنال على داعش لكننا لن نفاجأ لو عانت الحكومة وجيشها من انهيار سريع.

فحقيقة عدم قدرة المالكي على تمرير قانون الطوارئ في البرلمان يحكي الكثير عن حالة العراق اليوم، فقط المناطق الكردية هي التي تعتبر آمنة اليوم في العراق. وتضيف الصحيفة ان قدرة قوة عسكرية صغيرة لا تتمتع بدعم شعبي واسع السيطرة على مناطق واسعة في العراق وسوريا مثير للدهشة والخوف في الوقت نفسه. فمقابل فعالية وقدرة داعش كان هناك ضعف وفساد وعجز الحكومة العراقية التي لم تستطع اقناع الكثيرين للقتال من أجلها بسبب سياساتها.

ومن هنا تبدو خطورة داعش الذي سيقوم باستخدام إمارته الإسلامية كقاعدة للإرهاب الدولي، وعليه فالطريقة التي سترد فيها الدول الجارة مثل تركياوإيران على الدولة الجديدة حيوي.

وتقول الصحيفة إنه من السهل لوم «بوش وبلير» لكن هناك خطوات عسكرية حاسمة لو اتخذها الغرب كانت كافية لمنع داعش مثل التصويت الفاشل على التدخل العسكري في مجلس العموم البريطاني العام الماضي.

وفي ضوء الوضع الحالي تدعو الصحيفة الغرب لوضع اخطاء الماضي جانبا ودراسة مزايا التدخل الآن. ففي حالة استمرار داعش في تقدمه يصبح التدخل، من جانب أمريكا ضروريا نظرا لخطورة الدولة الجديدة على مصالح إسرائيل وتركيا عضو حلف الناتو، وبمنظور كهذا هل من الأفضل التحرك الآن، وهل ستعيد الولايات المتحدة أخطاء عام 2003.

وتشير الصحيفة إلى ان «فشلنا في العراق عزل الناخبين الغربيين عن أية رغبة بتكرار التجربة، مهما كان الغزو للعراق حقيقة وإن كان تحريرا للشعب العراقي وإنقاذ أرواح في كل المنطقة» ففشل بلير وبوش يعني أننا لا يمكن التدخل، فقد أنجزت المهمة. هل هذا يعني عدم التدخل؟

لا نستطيع التجاهل

تعتقد صحيفة «دايلي تلغراف» أن الغرب لا يمكنه تجاهل الوضع المسموم في العراق، مشيرة إلى ان النزاع في هذا البلد دخل مرة جديدة ولكنها قاتلة.

فمع تقدم داعش وخطط الحكومة الإيرانية للتدخل وتعهد اوباما بالدعم أصبح الوضع غير واضح في العراق.

وتحدثت الصحيفة عن النقاش الذي عاد من غيوم الزمن حول ضرورة التدخل العسكري، فالداعون للتدخل في سوريا «يقولون اننا نحصد ثمار فشلنا في دعم المقاتلين المعتدلين في الجارة سوريا، أما المعارضون للحرب فيقولون إننا كنا حمقى عندما أخرجنا صدام من السلطة عام 2003، فقد كان مثل تيتو قويا وسيطر على البلاد»، وترى أن النقاش قد يعيدنا للحرب العالمية الأولى عندما قامت القوى الإستعمارية بإعادة رسم حدود العراق الذي لم يأخذ بعين الإعتبار التنوعات الدينية للمجتمعات التي تعيش فيه «بالتأكيد، ففي الوقت الذي كان فيه صدام حسين يمثل ديكتاتورا من فترة الحرب الباردة إلا أن النزاع الحالي يستند على الخلاف السني ـ الشيعي والذي ساء بسبب فشل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ضم السنة وبشكل كامل في الحكومة».

وأيا كان الشخص المسؤول عن الخطأ في الماضي فالحالة الطارئة الآن تستدعي قيادة من الغرب غير التي شاهدنا في الأعوام الماضية، فإدارة اوباما تميزت بزيادة عدد الجنود ثم سحبهم بشكل ادى للتشوش والخلط، وتميزت بتحول حول من يدعم في مصر التي شهدت انقلابا والتخلي عن «الخطوط الحمراء» في سوريا والتخبط في العراق.

وتعتقد الصحيفة أن هذه السياسة مرتبطة بموقف الرأي العام والثورة في مجال الغاز والطاقة التي قللت من اعتماد الولايات المتحدة على الدول النفطية التي تعيش حالة من الإضطرابات والذكريات المؤلمة عن أكياس الجثث التي كانت تأتي من العراق.

ورغم كل هذا فالفوضى في العراق قد تؤدي إلى نشر المعاناة والبؤس في كل المنطقة وسيترك أثره على الإقتصاد العالمي.

وعليه وبعيدا عما يجب عمله وما لم يعمل في السابق «فالغرب لا يمكنه تجاهل ما يجري في هذه اللحظة، فهناك حاجة لقيادة وقرارات واضحة، وعلى الغرب تقديم دبلوماسية حاسمة خاصة أنه لا يريد التورط عسكريا في العراق قبل أن يتأخر الوقت»، وإلا اندلعت حرب أهلية.

حرب أهلية

وهو ما تطرقت إليه صحيفة التايمز في افتتاحيتها قائلة إن العراق يواجه سيناريو حرب أهلية كاملة بعد ثلاث سنوات من انسحاب القوات الأمريكية، مضيفة أن السرعة التي تقدم فيها داعش جعلتهم يقتربون من بغداد وتهدد بتمزيق البلاد. مما يطرح على الحكومات الغربية سؤالا خطيرا هو: هل عليهم التدخل وإن كان الجواب نعم فكيف؟ وتجيب أنه لا واشنطن ولا أوروبا تريد حربا جديدة في العراق ولكن غض الطرف أيضا هو خيار ليس جيدا. فالصراع هذا لا تستطيع الدول الغربية أن تحدد نتائجه ولكن ما تستطيع فعله هو توظيف كل الأدوات التي تملكها لتؤثر على تلك النتيجة.

وفي حالة تحولت الحرب الخاطفة التي شهدناها على مدى الأيام الأربعة الماضية إلى حرب طويلة الأمد فإنها ستسبب فوضى كبيرة في أسعار النفط العالمية وستخلق موجة أخرى من اللاجئين العراقيين إلى بلدان لديها فيضان من اللاجئين السوريين. وإذا كسب داعش المعركة فسيحول العراق إلى ملاذ جديد للإرهابيين الدوليين.

وهو أمر صار تحصيل حاصل بعد سيطرة داعش على الفلوجة والموصل وتكريت ومعظم الطريق السريع من بغداد إلى الشمال أيضا. وترى الصحيفة أن المالكي يعتمد على الأكراد لحماية الشمال التي دخلت قواتهم كركوك «لحمايتها» ولكنهم سيطلبون ثمنا غاليا لإعادتها لبغداد.

وتعتقد أن هذا الوضع شكل فرصة لإيران بالوقوف إلى جانب النظام في بغداد، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة استثمرت مليارات في الإبقاء على سياسة الامر الواقع في العراق، إلا أنها فشلت بشكل ذريع بسبب إساءة المالكي للسلطة حيث أقصى السنة من الحكومة وسجن المئات دون محاكمة ومع هذا فإن واشنطن ملامة أيضا فوعودها بنشاط دبلوماسي بعد الانسحاب العسكري لم تحقق.

وبتبخر الثقة ساءت العلاقات بين المالكي وأوباما إلى درجة أن رفضت واشنطن طلب بغداد إمدادها بالأسلحة لأسباب بيراقراطية سخيفة.

وترى الصحبفة أن الخيارات امام الغرب محدودة في هذه الأزمة ولكن عليهم ألا يستسلموا للتردد كما فعلوا في سوريا.

ابراهيم درويش – القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.