الأسد واداء اليمين… نهاية الثورة أم نهاية سوريا؟

ادى الرئيس االسوري بشار الاسد اليمين الدستورية امس لبدء فترة رئاسية جديدة من المفترض ان تمتد لسبع سنوات. وجاء في اليمين «اقسم بالله العظيم ان احترم دستور البلاد وقوانينها ونظامها الجمهوري وان ارعى مصالح الشعب وحرياته واحافظ على سيادة الوطن واستقلاله وحريته والدفاع عن سلامة ارضه وان اعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ووحدة الامة العربية».

وقد بدأ الأسد ولايته الجديدة بمخالفة دستورية حيث أدى اليمين في القصر في حين ينص الدستور على ان يؤديه داخل البرلمان.

اما السؤال البديهي والمأساوي في آن الذي يثيره تأمل نص اليمين الدستورية فهو ان كان بقي وطن اصلا ليحافظ الاسد على «سيادته واستقلاله وحريته وسلامته»؟

انه يوم حزين حقا. ليس فقط على المستوى السياسي او المحلي بل والانساني والكوني ايضا. ديكتاتور ارتكب عددا قياسيا من جرائم الحرب يقف فوق اجساد ملايين الضحايا والنازحين واللاجئين، وفوق حطام سوريا نفسها، ليعلن انتصاره، مرتديا قبعة «رجل السلام» الذي يعرض «رعاية المصالحة الوطنية»، ويتعهد تحقيق «العدالة الاجتماعية»(ربما يقصد التوزيع العادل للبراميل المتفجرة على المواطنين الامنين).

ومن حق ملايين العرب والسوريين ان يروا في اداء الاسد لليمين الدستورية مناسبة لبكاء مرير مستحق على سوريا التي قد لا تعود ابدا كما عرفناها، او لتأبين «الثورة» التي تحولت خلال الاعوام الاخيرة الى صراع بين ميلشيات،(بينها ميلشيا النظام الحاكم نفسه)، وامراء حروب واباطرة سياسة على الغنائم بكافة اشكالها.

لكن على المستوى السياسي، يجب نظريا ان يكون اداء اليمين محطة ثمينة لجميع الاطراف للتوقف والتأمل والتعلم ايضا من الاخطاء، عبر محاولة الاجابة عن اسئلة تبقى مشروعة وان كانت مؤلمة او محرجة للبعض، ومنها.

اولا: هل يملك ما يعرف بـ «الائتلاف السوري المعارض» اي مشروع حقيقي للتحرر الوطني؟وهل حقا يمثل ذلك «الائتلاف» الشعب السوري، ولو جزئيا، ويبدو واضحا ما يعانيه من تمزقات تعكس التقلصات في العلاقات المعقدة بين مموليه، وليس الخلافات الصادقة بشأن مقاربات او برامج تجاه الازمة السورية. بل ان البعض اصبح يسأل ان كان الائتلاف ما زال يمثل «بديلا ديمقراطيا حقيقيا» خاصة ان هذه النقطة تحديدا كانت السبب المعلن لاخر ماعاناه من انشقاقات. وما اطلقه المنشقون من «اوصاف قوية» على الانتخابات الاخيرة التي اسفرت عن اختيار هادي البحرة رئيسا جديدا؟

ثانيا: هل تتجه «خريطة الصراع» داخل سوريا الى نوع من «استقرار الامر الواقع» الذي تفرضه التطورات العسكرية والسياسية الاخيرة على الارض، والتي تتلخص في «تقسيم كانتوني» لسوريا اساسا بين قوات النظام المدعومة من حزب الله، وقوات داعش، بعد الاختراقات التي نجحا في تحقيقها، والتطورات الاقليمية التي تكرسها، خاصة «فتوحات» داعش في العراق، التي تمثل خط امداد لوجستي يدعم مركزها كـ « خصم او شريك» يقف على قدم المساواة مع النظام. ومما يكرس هذا التحليل اتساع نطاق «المصالحات المحلية» على غرار مصالحة حمص، بين النظام والمجموعات المسلحة، في دليل اضافي على انهيار تنظيمي للمعارضة في الداخل.
ثالثا: هل اصبح النظام، بالنظر للمعطيات الجديدة، جاهزا الى نوع من «اعادة التأهيل السياسي» اقليميا ودوليا، خاصة بعد بروز «داعش» كتهديد حقيقي تجاوز سوريا والعراق الى الاقليم باكمله، وما يحويه من مصالح حيوية لقوى عظمى، اصبح تدخلها مسألة تتعلق غالبا بالتوقيت والتفاصيل، وليس المبدأ، وهو ما يسعى النظام للاستفادة منه بطرح نفسه (كشريك امر واقع لاصدقائه واعدائه الاقليميين والدوليين على السواء) في محاربة الارهاب؟ خاصة بعد ان تعلم الجميع بـ «الثمن الباهظ» ان اي فراغ نتيجة لتآكل الدولة في هذا الجزء من العالم لاتملأه الا قوى التطرف والعنف والتكفير، وان التغيير الوحيد الآمن هو الداخل وليس عبر تدخل خارجي لن يصبر على العواقب، ولن يكمل الطريق الوعر نحو التحول الديمقراطي المنشود.
واذا كان العقل هو معرفة ما هو آت بما قد كان، فللأسف لا يبدو في الافق امل في ان تغير اي من القوى الفاعلة سواء سوريا او اقليميا من مساراتها، فقد نجح الديكتاتور، الى اشعار اخر، في الاستفادة من اخطاء خصومه من جهة ومن تغاضي المجتمع الدولي ولاسيما الولايات المتحدة عن الجرائم والمجازر التي يرتكبها نظام الأسد ضد الشعب.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.