يثب

لماذا وصلت الجرائم ضد الانسانية في سوريا إلى هذا المستوى الفظيع ؟

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

لماذا وصلت جريمة الحرب والجريمة ضد الانسانية في سوريا إلى هذه البشاعة غير المسبوقة في التاريخ ؟..

ما هي العوامل التي دفعت بها للوصول إلى هذا المستوى من الوحشية والشناعة ، وهذا الانتشار على نطاق واسع، والمتكررة بحق ملايين البشر ، والتي وصلت حد استخدام النظام لكل أنواع الأسلحة بما فيها سلاح التدمير الشامل ضد شعبه بل وفي عاصمته ،واصراره على حصار وتجويع السكان وتركيعهم  وتهجيرهم ، بل على تدمير المدن ، وافناء السكان عن بكرة أبيهم في بعض الاماكن .

ما الذي يدفع مقاتلين متطوعين ونظاميين لممارسة كل فنون الخطف والاغتصاب والتعذيب والقتل البطيء للأشخاص العزل وللمدنيين ،  وللنساء والأطفال وأمام ذويهم وبأبشع الطرق ، مع التلذذ بتعذيبهم حتى الموت .. ناهيك عن الاهانة والترهيب والانتهاك الجنسي وتشويه الجثث بأبشع صوره ..

لماذا يتم كل ذلك على نطاق واسع ومعمم.. وبشكل منهجي مؤسساتي تتبناه مؤسسات الدولة الأمنية  والعسكرية ، وتتبناه أيضا الهياكل الدينية الشرعية والمذهبية الملحقة بها، ثم  يتم اعتبار ذلك جزءا من حسن الانتماء والأداء الوطني والقومي، بل اعتباره عملا دينيا مقدسا يتقربون به من معبودهم ، ويتباهون به أمام مجتمعهم ، الذي يبارك لهم فعلتهم ويشجعهم على فعل المزيد منها، بل يسمح لأفراد من هذا المجتمع بالتلذذ به وممارسته كهواية خاصة ، ثم يجبر ذوي الضحايا على انكارها والرقص في مهرجانات مرتكبها ..

ولماذا هذه الكمية المرعبة من الضحايا التي تشمل مئات الآلاف من القتلى ومثلهم من المعذبين ومثلهم من المشوهين ، وملايين المهجرين ، والمحاصرين ، والأبشع من ذلك لماذا هذا الصمت الدولي الرسمي والشعبي ..

الأفلام والصور والقصص التي توثق ذلك كثيرة ،وبشعة ومقززة ومعروفة ، ولسنا هنا بصدد توثيقها أو تصنيفها بل بصدد تحليل الدوافع والعوامل التي جعلت من الصراع الذي يحدث جريمة تفوق كل تصور، وكل ما سبقها من حروب وصراعات ..

نقدم العوامل التي تبرهن على أن هذه الحرب القذرة التي يقودها بشار الأسد وقاسم سليماني وحسن نصرالله  في سوريا في هذا  القرن الحادي والعشرين هي الأبشع والأقذر في التاريخ على الاطلاق ، متذكرين قوله تعالى

( لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم ، ثم رددناه أسفل سافلين )

فلوحشية الحيوان حدود ، تنتهي بتوفير الحاجة ، أو ممارسة طقوس التذلل ،  ولكن لا حدود لوحشية الانسان على ما يبدو ، وأسوأ ما فيه أنها تصبح رغبة بحد ذاتها ، وأنه يبرر جرائمه ويعطيها صفات مقدسة ، ويحولها لعمل بطولي نبيل . وأن هذه البشاعة تزداد مع تقدم الحضارة والتكنولوجيا ..

سوف نعدد هنا عوامل نرى أنها لعبت دورها في تفاقم الجريمة وايصالها لهذا المستوى غير المسبوق:

1-      دور الأجهزة الأمنية التي تشرعن وتؤسس هذا القمع وهذه الوحشية وتمارسه بشكل منهجي والتي بنيت بخبرات نازية وستالينية ( على يد خبراء من الغستابو النازي ، ثم من الشتازي الألماني الشرقي ، وال ك جي بي ) ثم تطورت بالإفادة من تجارب القمع في الصين الماوية والخمير الحمر ، وتجارب القمع المحلية وفي أنظمة الجوار ، وزادت عليهم جميعا .. فوجود هذه الأجهزة بنظامها وأساليبها وعقلها ودورها هو مشكلة بحد ذاته ، واعتبارها من بنية الدولة العميقة  يعني الاصرار على تكرار وادامة هذه الجريمة وادامة مرتكبها .

2-      تحريض هذه الأجهزة للإبداع الفردي الاجرامي المنفلت ومكافأتها عليه ، وربطها للارتقاء بالسلم الوظيفي بمقدار القدرة على التفنن في القمع والتعذيب ، ثم اطلاقها لنزعة الانتقام الشخصي والتشفي وتمكين الكثيرين من فعل ذلك بشكل طائفي .

3-      شيوع الرغبة في اخضاع الآخر وقهره وإذلاله أو انهائه .. بسبب غياب عقد السلم الاجتماعي المدني ، واستبداله بدولة السلطنة والمزرعة والشخص والعشيرة  والطائفة ( دولة الهوية الواحدة التي تختزل لدولة العصابة المتحللة من كل قيم والمتمحورة حول أمير حرب وزعيم عصابة)

4-      غياب وتغييب العدالة الوطنية وكل أنواع المحاسبة ، ومنعها  عن عمد واصرار وبتوجيه من أعلى السلطات .

5-      ترهيب القيادات العليا  للمستويات الدنيا في الأجهزة القمعية واتهامهم بالتقصير ومعاقبتهم بشكل وحشي ، في حال لم يتفننوا في ممارسة التعذيب ولم يبدعوا في وسائل العنف ويمعنوا في الوحشية .

6-      غياب المعايير والقواعد والأخلاق الناظمة للحرب عن وعي المتقاتلين و ومناهج تدريبهم .

7-      انتشار الأدبيات والنصوص التراثية والدينية التي تبيح هذا القمع والقتل الوحشي والتي تصور العنف كبطولة، والتي تتباهى بامتلاك السلاح واستخدام العنف وتشويه الجثث والتمثيل بها .

8-      استمرار تداول واجترار قصص العنف و الوحشية المتبادلة والمتكررة عبر التاريخ  بين مكونات المجتمع وتوارثها بدل دفنها .

9-      تراكم مشاعر الحقد والكراهية التاريخية، التي تسببت بها حالة الحرب والصراع الطويل الظاهر والمستتر، والتي تناوبت في التاريخ بين اضطهاد واستبداد وتمييز وحروب ومجازر، واستقواء بالأجنبي وخيانة للمجتمع، و التعاون مع المحتل والغازي على هزيمة ابناء الوطن الآخرين،

10-   وصولا للاستبداد العسكري الذي جاء بعد الاستقلال والسمات الطائفية التي حكمت مرحلة حافظ الأسد والعنف الطائفي الذي أطلقه الاخوان المسلمون ضد نظامه ، وردة الفعل الهمجية المفرطة التي مارسها النظام خاصة في حماه وتدمر وفي السجون، ثم التمييز الطائفي المستفز الذي استمر حتى الثورة .

11-   العنف الذي اندلع للعلن بشكله العسكري بين الطرفين بعد الثورة، بعد أن كان يمارس من طرف واحد عنفا واستبدادا وتشبيحا على الشعب، مما جعله يكن العداء والكراهية للسلطة ولهويتها الطائفية التي كانت بينة بشكل وقح في  مفاصل السلطة ومقدرات الدولة ، وبشكل خاص الأجهزة الأمنية التي تعتبر هي المسؤول الأول عن القمع والجرائم، والتي لها صفة طائفية سافرة ، وأكثرها بشاعة تلك الممارسة من قبل أجهزة الأمن العسكري بما فيها الجوي ، وبدرجة بعدها أجهزة أمن الدولة ثم السياسية ، والشرطة والجيش ولا ننسى منظمات الشبيحة ، واللجان الشعبية ، ومنظمات ومليشيات طائفية قادمة من الخارج ، هذا من جهة النظام ،

12-   في مقابلها من جهة المعارضة داعش التي تحاكي النظام في ممارساته لكن بصيغة دينية ، وبدرجة أقل النصرة والتنظيمات الاسلامية السلفية الجهادية ، وحتى قوات الجيش الحر التي قلدت أساليب النظام في التعذيب والاعدام لكن على نطاق فردي وليس منهجي مؤسساتي..

13-   الخلط بين الخيال و الواقع  .. فالكثير ممن يشاركون في الصراع يمارسونه ببلادة كما اعتادوا على ممارسة العاب الكومبيوتر ، الأشخاص بالنسبة إليهم هم مجرد صور وكرتون وليسوا بشر حقيقيين … وعدم التمييز هذا بين الخيال والواقع ، هو صفة سائدة عند جيل كامل، يعيش حياتين واحدة افتراضية سهلة ممتعة، حتى لو كانت دموية ومتوحشة يعيشها على الأجهزة الإلكترونية ، وواحدة حقيقية مضجرة لا يعيرها الاهتمام ، ولا يكوّن خبراته اعتمادا عليها . كذلك انتشار أفلام العنف لدرجة ولدت الاعتياد وعدم الاستهجان ، وغيبت امكانية التعاطف .

14-   عندما يكون الشخص في موقع القيادة بعيدا عن ساحة الأحداث يسهل عليه الخلط بين اللعب على الأجهزة الالكترونية وبين ادارة السلطة ( فالأسد و مثله من حوله ولد مدلل منفصل عن الواقع يتحدى معارضيه وكأنه يتبارى معهم بلعبة الكترونية ، ويصدر الأوامر بسهولة كبس الزر ، وهو كالكثيرين منفصل جزئيا عن الواقع وغير قادر على تصور أو وعي نتيجة أفعاله ولا الاحساس بضحاياه ، فهو بعيد جدا عن ملامسة جرائمه )

15-   لكنه عندما زار الأحياء المدمر أثبت أنه مجرم فعلي ومختل مكتمل الدافع والتصميم ، حيث لم يبد أي حزن ولا أسف، بل حاول اخفاء جريمته وجثث ضحاياه وسخر منها بطريقة مرعبة. مما يثبت مسؤوليته و يبرر ضرورة ادانته ومعاقبته  .

16-   طريقة تربية أولاد المسؤولين المعتادة على يد الخدم والسائقين والمرافقين وحرمانهم من خبرة المجتمع و الحياة الطبيعية، مما يعطل عندهم نشوء أنا عليا مراقبة أو ضمير محاسب ، وبالتالي يتسبب في تشوه شخصيتهم وتهيئتها للتسلط والعدوان .

17-   تدخل عامل اسطوري رمزي يتجلى  باستذكار واستعادة وتجديد (جرائم وحشية ومذابح قديمة ) يجري توظيفها في احتفالات طقسية كل سنة وتتجلى في مظاهر الندب واللطم والتمثيل الدرامي للمجازر مترافقا مع منظر الدماء وصرخات الضحايا، والتي لا تنتهي بأي قيمة انسانية ، بل فقط تهدف لتحريض العنف وتشجيع الانتقام والثأر بذات الدرجة التي تقدس بها الضحايا ، وتجدد استذكار مأساتهم  .

18-   الإيمان بالتقمص وبأن قتل النفس سوف يعطيها من فورها فرصة جديدة لحياة أفضل بعد تخليصها من جسدها الذي تتعذب به، فالقتل يصبح عملا نبيلا ومقدسا وطقس عبادة وتخليص من خطيئة ..

19-   امتزاج هاتين العقيدين  وتحالفهما معا وتضافر جهودهما في القمع والوحشية ضد عدو مشترك.

20-   استخدام العقل النمطي في توزيع الخير والشر على مجموعات بكاملها وتحميلها صفات تاريخية جمعية مشتركة ، وتقييمها بشكل عام تقييم يشملها جماعة ، والباسها دور تاريخي نمطي وكأنها شخص واحد ، أي الخلط بين الشخص والأمة ، محولا مفهوم الأمة  كمجموعة أشخاص متعاونين على تباينهم وتجددهم ، إلى روح وهوية واحدة ووعي جمعي شمولي مستمر عبر الأشخاص والتاريخ ، مما يحملهم معا المسؤولية السلبية والايجابية باستمرار وعبر التاريخ ( وهو ما يحاكي النازية والعنصرية ، والعداء للسامية ، وفوبيا الاسلام )

21-   ينتج عنه غياب مفعول الفاصل الزمني بين عصر وشخوص مرحلة ما من التاريخ ، وبين أجيال أخرى تعيش ظروفا مختلفة ، وتحميلها مسؤولية افعال أجداد أجدادها ..  أي استمرار مبدأ توريث وتخليد الجنايات وأسطرتها . بدل دفنها مع شخوصها في أزمانها ومكانها .

22-   امكانية وممارسة التخفي والتستر و وجود غرباء ومجهولي الهوية أو مقنعين يفعلون ما يريدون دون خوف ولا حرج ، والابتعاد عن المجتمع والانعزال عنه .

23-   مفعول الخوف الرهيب والأسطوري من الطرف الآخر ، و الذي يجعل من العدو وحشا أسطوريا يجب القضاء عليه بكل الوسائل، في حالة من الانفعال الهيستيري التي يذهب فيها العقل ويسيطر الانفعال الغريزي .

24-   انتشار الجنون والعته والتخلف العقلي الجماعي والفردي وتناول الحبوب المهلوسة والمخدرات.

25-   مفعول ظاهرة الاعتياد والتعود المرتبطة بالتكرار اليومي لمدة طويلة لذات الأفعال ، مما يحولها لوظيفة تنفذ من دون مشاعر ..

26-   تدني السوية الاجتماعية والأخلاقية والسلوكية والمادية والثقافية للمقاتلين ، بسبب التخلف الحضاري.

27-   تبني نظرية الارتباط بين الارهاب وبين المسلمين السنة واسقاط ذلك على الشعب السوري وقوى المعارضة ، المعزز والمبرر بتبني بعض قوى المعارضة لأيديولوجيا القاعدة وتقليدها ، واستخدامها للرموز الترهيبية المرتبطة بها  .

28-   استجابة الطرف الآخر وانتقامه الموازي … وتباريهما أيهما أكثر بشاعة وتبادلهما الشرعية والشناعة وفنون الجريمة كمسابقة بطولية.

29-   غياب المجتمع وبشكل خاص المرأة ، وابتعاد السلطة الاجتماعية الطبيعية  عن ساحات المعارك وغياب النشاط الأدبي والفني الانساني الذي يعري هؤلاء المرتكبين ويفضح هذه الجرائم ، بسبب التهجير.

30-   ارتفاع درجة الكبت والحرمان وليبيدو العنف المحرض من درجة عالية جدا من الكبت الجنسي والاقتصادي والسياسي والفكري . واستثمار الثقافة الذكورية ، وعزل المرأة ، في توليد الكبت الجنسي الذاتي واستثماره في العنف السياسي و الحربي .

31-   الاعلام الذي يغطي ويبرر هذه الجرائم ويتنصل منها ويسخفها أو يحولها لشيء هزلي .

32-   تغاضي رجال الدين وقيادات المجتمع عن ادانة هذه الجرائم .

33-   تجاهل الاعلام العالمي أيضا لها وعدم نقلها والتركيز عليها ،

34-   عدم وجود تعاطف شعبي مع الضحايا في الدول المجاورة وفي العالم.

35-   تعطيل المؤسسات الدولية الحقوقية والجزائية والأمنية.

36-   فشل القيادات السياسية والمجتمعية ، وفشل اعلام الثورة في تغطية ما يحدث ونقله للرأي العام .

37-   تدني احتمال تطبيق العدالة وكثرة الحديث عن حل سياسي وحوار وتسامح مع المجرمين، وصولا لمحاولة فرض حل توافقي مع المرتكبين عبر مسار جنيف وبمباركة دولية، مما يقدم للمرتكبين الأمن والاطمئنان ويشجعهم على التمادي .

38-   تجاهل معاناة الشعب السوري وانخفاض قيمته الانسانية عند المجتمع الدولي الذي لم يبد أي درجة مقبولة من التفاعل مع هكذا فظائع ، والذي يستخدم معايير مزدوجة تصل حد العنصرية في تعاطيه مع الأزمات.

39-   وجود دول عظمى ونافذة تدعم المرتكبين وتمولهم وتحميهم وتساعدهم على الانتصار وتغطيهم وتقدم لهم الحصانة ضد العدالة .

40-   التطمينات المتكررة التي يتلقاها المرتكبون من قبل كل الزعامات والدول بأن أحدا لن يستخدم القوة ضد المجرمين ، وأن الحل السياسي هو الحل الوحيد المسموح به .

41-   غياب التوازن في القوة مما يؤدي لغطرسة القوي ( النظام وحلفاءه ) و عنف وانتقام الضعيف بوسائل ارهابية ( المعارضة) التي تخوض معارك بلا  أمل واضح وقريب .

42-   امتناع الوسطاء الدوليين عن توصيف الحوادث بحقيقتها واستخدامهم توصيف ديبلوماسي فاتر ، هو بحد ذاته اهانة لكل الضحايا من نمط تصريحات العربي والابراهيمي وبان كيمون .

43-   نظام الأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي يسمح لزعيم دولة واحد( ديكتاتور فاسد ومستبد ) أن يعطل حقوق ملايين الضحايا ويوقف المنظومة العالمية عن العمل ويهدد السلم والأمن العالميين بشكل سافر في أرجاء مختلفة من العالم. وهو اعطاء حق النقض الفيتو لتعطيل القانون والعدالة والنظام في العالم .

44-   وجود أوباما كشخص في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية  لكونه يشعر بشعور المرتكب الضعيف والفاشل ، و لا يشعر بشعور رئيس الدولة العظمى الأقوى في العالم والمسؤول الأول عن حسن تطبيق نظامه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.