نساء سوريا يدفعن ثمن الحرب… زواج مبكر مبعثه الخوف من الإختطاف والإغتصاب

من أهم آثار الحرب في سوريا على اللاجئات السوريات شعورهن بفقدان الأمان، والحرمان من الزوج الذي يحمي العائلة ويوفر لهن ولأبنائهن العيش اليومي، وفوق كل هذا شعورهن بأنهن أصبحن نهبا لنظرات وملاحقات غير مرغوبة من الرجال.

وأظهر تقرير للأمم المتحدة الدور الذي باتت تضطلع به المرأة السورية في رعاية العائلة فهناك حوالي 150.000 عائلة سورية لاجئة تديرها النساء فيما أظهر تقرير أن هناك عددا متزايدا من البنات السوريات يتم تزويجهن لتحقيق نوع من الإستقرار والأمن لعائلاتهن. ولمعرفة دوافع العائلات نشرت صحيفة «الغارديان» تقريرا لمراسلتها منى محمد التقت فيه مع ثلاث نساء سوريات تحدثن عن ظروفهن والدوافع وراء تزويج البنات مبكرا. وحكت كل من أم رولا وأم ديما وأم نور قصصهن.

من درعا للزعتري

تقول أم رولا إنها وزوجها أحمد وأبناءهم السبعة غادروا بيتهم في مدينة درعا في شباط (فبراير) بعد أن اقترضت من أمها مبلغ 5.00 ليرة سورية، ومثل بقية العائلات كان عليهم المشي حتى الحدود الأردنية، ولم تكن أم رولا تخشى من المشي في الظلام حتى لا يتعرض لهم الأمن السوري بل مما ينتظرها في الأردن.

وعندما وصلوا هناك ذهبوا لمخيم الزعتري «والذي كان يشبه الجنة مقارنة مع جحيم درعا» ومع ذلك «بدأت بالقلق على مصير وأمن بناتي الخمس، فزوجي كبير في العمر، وولداي صغيران، ولا أحد هنا ليحمينا، والخيام متقاربة مع بعضها، والشباب يمرون من أمام الخيمة ويحدقون في البنات». وتضيف إن «رولا، كبرى البنات 13 عاما وجميلة، وهي وشقيقاتها لم يستطعن تغيير ملابسهن، وكنت خائفة أن نتعرض لهجوم من الغرباء، فالمخيم يزدحم بالرجال من مختلف الأعمار، وكان علي أخذهن واحدة تلو الأخرى للحمام الذي كان بعيدا، وفي الطريق إليه كان الشباب يتحرشون بنا، وعندما كانت واحدة من بناتي تريد الحمام كنا نحضر الحوض للخيمة وكنت أنا وأمي نقف خارج الخيمة حتى لا يتلصص الشباب على الخيمة حتى لو كانت أعمارهن ما بين 12-13.

وتقول إن بناتها تحولن «لعبء كبير، ولم أكن أفكر في يوم بهن بهذه الطريقة، فقد كنت سعيدة عندما ولدن، لا يمكنك تصور مخاوف أم عندما تنظر لبناتها وتفكر أنهن سيتعرضن للاغتصاب في أية لحظة، وأسوأ من هذا هو انتشار قصة الاغتصاب، فعمها سيقتلها حالا، كنت أشعر بأنني سأموت عندما أفكر بهذا».

طرق الزواج

وعن الكيفية التي يتم بها تزويج البنات، تقول إن والدة العريس تطوف على الخيام بحثا عن فتاة مناسبة لابنها وعندما تعثر عليها يتم الطلب رسميا، وقد يكون العريس سوريا، أردنيا أو من جنسيات عربية اخرى. وتتراوح أعمار البنات ما بين 12- 14 عاما، وفي بعض الأحيان يتم خطبة من هن في سن العاشرة إن كن طويلات.

وتقول إن ابنة جارتها في الخيمة الملاصقة تزوجت من سعودي عمره 70 عاما، مع أنها كانت مخطوبة لشاب سوري، «فلم تصدق العائلة حظها بتقدم سعودي ولهذا تخلت عن الأول وقبلت الثاني، ودفع هذا مليون ليرة سورية كي يتزوج الفتاة». ولم تسلم العائلة من الخطاب «جاءت الصدمة الكبرى عندما تقدم رجل أردني متقدم في العمر وقال إنه يريد أن يجنب الفتاة الحياة الصعبة والإهانة في المخيم»، «هؤلاء الأردنيون يقومون فعلا باستغلال ظروف اللاجئين السوريين الرهيبة».

ولكن أم رولا قررت تزويج ابنتها لشاب عمره 18 عاما اسمه عمر يعمل في مصنع للنسيج، ولم تكن رولا تعرف أي شيء عن الزواج وكان على والدتها تعليمها كل شيء. وتبرر الأم القرار بأنه جاء بسبب الحرب والجوع والإهانة والخوف.

وتحكي الأم ترتيبات الزواج والانتقال من المخيم لعمان حيث أستأجرت شقة قريبا من ابنتها، وحقيقة أن رولا رغم زواجها لا تزال تتصرف كطفلة وتلعب كما كانت تلعب في بيت أهلها وقالت «أمي أريد أن اركض والعب كما في السابق مع بقية البنات».

أصبحت مطلقة

ولا تختلف قصة أم ديما عن أم رولا إلا في التفاصيل، فهي أيضا من درعا وتعيل ستة أولاد، ثلاثة ذكور وثلاث إناث، وقد اختفى زوجها عندما ذهب لدمشق لزيارة اخته المريضة ولم يعد، وتركها وحيدة بدون مال، فقبل اختفائه كان يعمل محاسبا في محل للأدوية، وكان يحصل على 15.000 ليرة سورية في الشهر.

وبسبب انتشار قصص الخطف والاغتصاب واختفاء عدد من البنات من الحي الذي كانت تسكن. ومن هنا أصبح القلق على البنات والتنقل اليومي في الحافلات عذابا، ففي أية لحظة كانت البنت عرضة للاختطاف من أي رجل يبدي الإعجاب بها .

ولهذا بدأت العائلات بالبحث عن تزويج بناتها والخيار الآخر هو منعهن من الخروج. «ابنتي الكبرى ديما كانت في عمر 15 عاما، وكانت مجدة في دراستها، وبدأت أخاف من تعرضها للاختطاف في ذهابها وإيابها للمدرسة من الجنود.

وأقنعتها بترك الدراسة، ولكنها كانت مصرة على إكمال دراستها، وأقنعتها قائلة «رمد في العين أحسن من العمى»، فالزواج أحسن من أن يختطفها جندي. ومن هنا نشرت خبر بحثها عن زوج لابنتها في الحي.

وعثرت على واحد اسمه حسن عمره 25 عاما،عاطل عن العمل، وتم الزواج سريعا بدون ضمانات ولا توثيق ولا مهر، جاء إمام مع شاهدين وعقد النكاح. وحصلت المشاكل فيما بعد عندما ذهبت لبيت الزوجية، حيث لم تحب زوجها ولم تكن قادرة على النوم في بيت واحد مع غريب، وظلت تستعطف أمها أخذها للبيت وتركها تواصل دراستها، وكلما حاول زوجها لمسها أخذت بالصراخ والعويل، وبعد ثلاثة أشهر طلق حسن ديما، وأعادها لأمها، قائلا إن ديما لا تصلح له كزوجة وسيبحث عن اخرى.

عادت ديما لأمها محطمة، مكتئبة ورفض العودة للمدرسة فقد كانت تخجل من إخبار صديقاتها أنها أصبحت مطلقة، وفقدت رغبتها بالقراءة، وكل ما كانت تريده هو البقاء وحيدة. «أشعر بالذنب كلما التقت عيني بعيني ديما، ولا أعرف مساعدتها على الشفاء». بعد فترة هربت أم ديما والعائلة لمخيم الزعتري وهي تحاول البحث عن طبيب نفسي ليعالج ابنتها.

لم تكبر

أم نور تحكي القصة نفسها عن زواج ابنتها لرجل يكبرها بعشرين عاما بسبب الخوف من تعرضها للاغتصاب والاختطاف، وكان عمر نور عندما تزوجت من عادل 16 عاما، ولم تكن الفتاة تفهم معنى الزواج وشعرت أنها ارتكبت إثما بالنوم مع رجل غريب هو زوجها، ولم تكن عائلة الزوج راضية عنها لأنها لم تنضج بعد ولعدم اتقانها فن العمل البيتي.

وبعد هرب والدتها للأردن، تركت نور مع زوجها الذي يظهر من نبرة كلامه ندمه على الزواج من نور «أفكر بها دائما وأسأل نفسي مرات ومرات فيما إذا كان القرار صائبا، كل يوم أفكر بهذا واستنتج انني كنت مخطئة».

امهات معيلات

وتظهر حكايات السوريات الثلاث طبيعة الظروف والخيارات المفروضة أمام المرأة السورية في ظل الحرب، فالمعركة كما تقول جانين دي جيوفاني لا تنتهي. وتشير لقصة ندى من حمص التي رفضت مغادرة بيتها رغم هرب معظم أبناء الحي، ولكن ما اجبرها هو دخول الجنود لشقتها والتحقيق معها حول زوجها الهارب مع أنهما انفصلا عن بعضهما البعض.

وتلاحق الكاتبة قصة ندى التي تنتمي لعائلة مرموقة ومتعلمة من حمص للاذقية ومنها للبنان حيث تعيش في بلد غريب وعرضة للخطر ولكنها تظل من السوريات المحظوظات اللاتي التقت بهن الكاتبة «فندى متعلمة ولديها مصادر داخلية ومستعدة لبدء حياة رغم قساوة الواقع الذي تعيشه»، وهي بهذه الصفة على خلاف السوريات اللاتي تحدث عنهن تقرير الأمم المتحدة «نساء وحيدات: معركة اللاجئات السوريا للبقاء».

وقد ساعدت جيوفاني في إعداد التقرير مع فريق كرس نفسه للمهمة من الباحثين والمحامين والمصورين الصحافيين.

وتقول الكاتبة في مقال نشرته بداية الإسبوع مجلة «نيوزويك» إنهم قضوا خمسة أشهر في إجراء مقابلات مع 130 إمرأة كلهن يدرن عائلاتهن.

وتقول إن وضع امرأة وحيدة في المجتمع أمر صعب، فهي عرضة نفسيا ومسؤولة عن اتخاذ كل القرارات الهامة «ولكن أن تكوني واحدة من السوريات اللاتي التقينا بهن أمر مثير للألم» فعدد من الذين تحدثت الصحافية والفريق البحثي معهن في الأردن ولبنان ومصر لسن متعلمات، وجئن من مجتمعات ريفية خارج المدن الكبرى في حمص ودمشق وحماة. وبعض هاته النسوة قلن للصحافية أنهن لم يغادرن أبدا بيوتهن للتسوق علاوة تحمل مسؤولية البيت.

وتقول سيبلا ويلكيز من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إن «معظم هذه النسوة لم يعد لديهن ما يكفي، فقد أنفقن كل المدخرات، وبعن ذهبهن، وقلة منهن لها أقارب تعتمد عليهم».

وبعضهن لا يعرفن شيئا عن مصير أزاوجهن إن كانوا يقاتلون في داخل سوريا، أو موتى أو اختفوا.

وأولوية كل واحدة منهن هي الحصول على مسكن للأولاد وتوفير الطعام لهم، ومن أهم ما اهتم به البحث هو الكشف عن المخاطر التي تتعرض لها العائلات السورية ذات المعيل الواحد من مخاطر حالة قلة المال.

ووجد التقرير أن أهم عقبة أمام النساء المعيلات لعائلاتهن هي المال. فقط خمس من تمت مقابلتهن عاملات ويتلقين أجورا، وفي العادة كخادمات أو في المزارع.

وهناك نسبة 5٪ من النساء ممن يحصلن على دعم نفسي ومالي من الأقارب، فيما تحصل عائلات على مساعدة من السكان المحليين من أصحاب البيوت والمزارع أو من المسجد. فيما قامت بعض النسوة بإرسال أطفالهن للعمل، وفي شمال لبنان هناك أطفال سوريون في الخامسة يقومون بأعمال في المزارع ولساعات طويلة مما يعني عدم تمكنهم من الذهاب للمدارس.

ولا تتلقى هذه العائلات دعما من مفوضية اللاجئين فقط ربع العائلات.

وفي الوقت الذي تحصل فيه كل العائلات على نوع من المساعدة إلا أن ثلث النساء تحدثن عن قلة ما هو متوفر. ونقلت عن سيدة قولها «في سوريا، عشنا على المزرعة، كان لدينا بساتين وأشجار فاكهة، وأبقار وحليب وجبنة ودجاج، ولدينا خضروات» وتخشى الآن من عدم توفر ما يكفي لتغذية أطفالها.

وفي مخيم الزعتري جلست مع سيدة أخرى ووصفت لها ما يأكلون كل يوم «خبز وجبنة للفطور، وخبز وجبنة للغداء وخبز وجبنة للعشاء» وقالت إن أبناءها يحنون لتناول دجاج مشوي وهو الذي كانوا يتناولوه في سوريا دائما «ولم يدخل الدجاج والطماطم هذا البيت لشهور».

وكيف تعيش؟ فقد باعت خاتم خطبتها، وبعد أن باعته «اكتشفت أن زوجي الذي اختفى منذ مدة ميت».

وبالإضافة للمشاكل اليومية هناك قضايا تتعلق بتعليم الأولاد، والعناية الصحية، فمعظم اللاجئين لا يستطيعون الحصول على الأدوية او زيارة الأطباء بسبب الكلفة العالية.

وفي شمال لبنان، التقت مع زينب وحنا اللتين تعانيان من شلل الأطفال منذ أن كن صغيرات حيث يعشن في كوخ مع عبدالكريم وهو ابن واحدة من الأختين والذي لا يتجاوز عمره 10 أعوام، ويقضي الولد وقته يعتني بهما ويحرص على راحهتما ويحضر الطعام لهما ولا يذهب للمدرسة، وفي بعض الأحيان يتلقى دروسا من إمام المسجد. وقصص معاناة المرأة السورية لا تنتهي.

إبراهيم درويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.