قضيّتان عادلتان متوازيتان .. فلسطينية وسورية

ليس هناك ما هو أسوأ من المفاضلة بين التضامن مع السوريين في عذاباتهم وفي كفاحهم الوطني التحرري وبين التضامن مع الفلسطينيين في عذاباتهم وفي كفاحهم الوطني كذلك الأمر. 

واهنٌ في المقابل الاسترسال في المماثلة على طول الخط بين القضيتين، وبين المسألتين. الجمع بين الانتصار لقضية سوريا اليوم، من حيث تبقى بالدرجة الأولى قضية اسقاط نظام آل الأسد، وبين الانتصار لقضية فلسطين، من حيث هي الآن قضية وقف العدوان على قطاع غزة أولاً، يستدعي الالتفات الى عناصر الاختلاف اولاً.

فوق أراضي فلسطين الانتدابية، ثمة شعب متشكّل بتجربة مركّبة، انما بأساس استيطاني لا غبار عليه، يضطهد شعباً آخر، الشعب الفلسطيني، الذي جعله منطق الصراع نفسه مشتتاً في أرضه وحولها، انما عصيّاً على التحلّل، ووارثاً شرعياً في مكان ما، وعلى صعيد اقليمي، لـ»المسألة اليهودية». 

وفي العدوان على غزّة، ثمّة منطق تريد اسرائيل فرضه ويقوم على انها بسلسلة «انسحاباتها من جانب واحد» (بالخط الأزرق في جنوب لبنان، وجدار الفصل في الضفة، وقطاع غزة المعزول بالمعابر) يمكنها أن تحسم الصراع وتمسخ أساس فكرة التسوية. ديموغرافياً واقتصادياً وايديولوجياً، قطاع غزة هو الأكثر تناقضاً وبشكل وجوديّ مع هذا المنطق الاسرائيلي، وهذا التناقض لا تختلقه حركة «حماس« ولا حركة «الجهاد«، كما لا سبيل لاسرائيل الى استئصاله ولو جرّدت أضعاف حملتها العسكرية الاجرامية الحالية. 

أما في سوريا، فثمة نظام عسكريّ – فئوي، وان كان لا يُحصر في «فئته» الأقلويّة، ويرتكز الى خارطة متشعّبة من الدعائم والولاءات. هذا النظام واجه انتفاضة شعبية بطولية ضدّه بالحديد وبالنار، واستطاع الاستفادة القصوى من العوائق الموضوعية، ومن عناصر الهشاشة الذاتية في معسكر الثورة والمعارضة، فراهن عبر الحرب المتواصلة منذ ثلاث سنوات، على ان بقاءه رهن بتحلل الشعب السوري، وليس فقط بتشتته. 

الحرب الاسرائيلية تحتكم الى آليات القمع الاستعماري لأهل البلاد الأصليين، أما الحرب الأهلية السورية فيحاكي فيها النظام هذه الآليات، لكنه يتزيّن بمنطق «الدولة الوطنية» جاهداً لتصوير الثورة عليه على أنها من توجيه «غرباء» ومن فعل «غرباء»، غرباء في الزمان والمكان. 

المشترك في الحالتين هو ابتذال مقولة «مكافحة الارهاب». النظام السوري المتهم تقليدياً بإيواء حركات وشبكات ارهابية عديدة يصوّر اسهامه الطليعي في التدمير المنهجي للمجتمع السوري على انه مكافحة ارهاب. الحكومة اليمينية المتطرفة في اسرائيل «تتفنن» على طريقتها في مفهوم الارهاب وتسوق لفكرة ان «حماس» و»حزب الله» و»داعش» على نمط واحد. في الحالتين، الغاية الأساسية لاستخدام مقولة «مكافحة الارهاب» هي تغييب «سياسية الصراع». لا يجري الاعتراف بأن الثائر على النظام في سوريا هو عدو سياسي للنظام، ولا ان المتصدي لعدوان اسرائيل في غزّة هو عدو سياسي لاسرائيل، فيجري اعتبارهما اذاً قضايا «حق عام»، انما «حق عام» يعاقب بارهاب الدولة وجرائم الحرب، وان كان بنمطين مختلفين: ادارة الحرب الأهلية المستمرة في سوريا، والحملات العدوانية الاسرائيلية الدورية ضد الفلسطينيين.

لكل من القضيتين قوام بذاته، ولا نخدم أياً منهما لا بالمفاضلة، أو بالتركيز والانتصار لواحدة دون أخرى، ولا بالمماثلة الخطابية والأخلاقوية بينهما. نحن أمام قضيتين عادلتين متوازيتين ومتزامنتين. 

بشكل تاريخي، قضية فلسطين هي القضية المزمنة بشكل أطول من القضية السورية. لكن، بالمعيار الحربي، الحرب السورية هي المزمنة، منذ ثلاث سنوات، ولسنوات، في حين ان العدوان الاسرائيلي على غزّة يتكثّف في محطة زمنية بعينها، كما الحروب الاسرائيلية السابقة، وستكون بعده هدنة، فحرب، فهدنة، فحرب.

المستقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.