هل تغير صورة الطفل السوري مروان شيئاً من الحقيقة؟

تداولت أشهر وسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية وشبكات التواصل الاجتماعي في شكل واسع في الأيام الماضية صورة الطفل السوري مروان ذي الأعوام الأربعة وهو يسير وحيداً تائهاً على غير هدى في وسط الصحراء ويحمل كيساً بلاستيكياً يضم بعض حاجاته وأغراضه، بعد افتراقه عن عائلته أثناء هروبها من أتون الحرب في سورية ولجوئها إلى الأردن، وبعد الانتشار الواسع وانشغال الرأي العام بصورة الطفل مروان التي حظيت بتعاطف كبير تجاه مأساته، عقَّب لاحقاً ممثل مفوضية اللاجئين في الأردن بتوضيح نفى فيه أن يكون الطفل مروان كان يسير وحيداً عندما عبر الحدود، وأنه كان يسير ضمن قافلة من الشتات السوري هائمةً في الصحراء، وتخلف عن المجموعة قليلاً وعاد إلى عائلته بعد وقت قصير، وأن وسائل الإعلام اقتطعت صورة الطفل مروان من صورة أكبر تُظهر مجموعة من اللاجئين السوريين يقطعون الصحراء الأردنية – السورية، وقد ظهر مروان في خلفية تلك الصورة المتكاملة، وما إن صدر ذلك التوضيح حتى تسارعت وسائل الإعلام الموالية للنظام السوري بتداول ذلك التصريح واتهام وسائل الإعلام الغربية والعربية بفبركة الواقع وتزوير الحقيقة وتهويلها، ولكن هذا التوضيح لحقيقة الصورة عن سياقها المتكامل وعدم صدقيتها بالشكل الذي تم تداوله، لن يغير شيئاً من الواقع المرير ومن حجم المعاناة والمأساة لأسوأ كارثة في التاريخ المعاصر التي يعيشها أكثر من مليون ونصف المليون طفل سوري يمثلون نصف تعداد اللاجئين السورين في خارج سورية، وقرابة نصف النازحين الذين تركوا منازلهم وظلوا في سورية والمقدر عددهم بحوالى ستة ملايين ونصف المليون شخص، وخلّفت أيضاً أكثر من 10 آلاف طفل قُتلوا في سورية، فضلاً عن عدد أكبر من هذا من الأطفال المصابين والمفقودين الذين لا يُعرف مصيرهم، بل لم يعد صادماً أن تكون سورية وفقاً لتصريح رئيس المفوضية العليا لشؤون اللاجئين قبل خمسة أعوام هي ثاني أكبر بلد يستضيف لاجئين في العالم، والآن بات السوريون بسبب قمع النظام وإجرامه على وشك أن يحلوا محل الأفغان كأكبر عدد من اللاجئين في العالم.
ونتيجة لذلك الواقع البائس فإن الأطفال السوريين يدفعون ثمناً باهظاً نتيجة جرائم النظام السورى الوحشي، إذ أصبح هؤلاء الأطفال بلا مأوى، ففقدوا الإحساس بالاستقرار في محيطهم غير المألوف من حولهم، وكل ما هو طبيعي في الحياة انتُزع من حياتهم، فهم انتُزِعوا من المدرسة ومن باحة اللعب وأقلام التلوين، ليُرْمَى بهم وسط هذا الجحيم، في عيونهم ألف تساؤل عن مدرسة غادروها ولن يعودوا إليها في المستقبل المنظور، وعن بيت كان يؤويهم بمتاعهم وأثاثهم، وعن أصدقاء لا يعرفون عنهم شيئًا، وعن أب أو أم أو أخ يسألون عنهم، ولا يجدون الجواب، ضحكهم مكتوم، وفي قلوبهم كلمة واحدة: «متى؟»..
متى يعودون أولاً إلى حياة كحياة سائر أطفال العالم؟ ومتى يعودون ثانيًا إلى وطن هم أحبوه وما أحبهم، يواجهون خطر الموت الصامت بسبب سوء التغذية وانتشار الأوبئة والأمراض، أطفال صاروا كباراً على حين غرة، متأثرين بما يعايشونه من قتل وتهجير ورعب، فأية طفولة تبقى لأطفال وهم يروون على أسماعنا كيف تحول بعض عائلاتهم إلى أشلاء؟! وقد جاء أخيراً في أول تقرير قدمته الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن الدولي أن الأطفال السوريين قد تحملوا معاناة كبيرة «لا يمكن أن توصف ولا تطاق»، إذاً فنحن أمام كارثة تطاول «جيلاً» كاملاً، كُتِب عليه ألا يكون شاهداً على هذا الدمار والخراب والقتل فقط، بل أن يكون أهم ضحاياه، وأن يكونوا شهوداً على الكبار على ما فعلوه من أجلهم ومن أجل التخفيف عن معاناتهم ومأساتهم الرهيبة التي تلاحقهم في يقظتهم ومناماتهم، ومن هذا المنطلق والإحساس بالمسؤولية أطلقت المملكة العربية السعودية في الأسبوع الماضي حملة يوم التضامن الوطني مع الأطفال السوريين التي وجّه بإقامتها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبرعاية من وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، لتقديم العون والمساندة الوطنية لتغطية حاجة آلاف الأطفال السوريين الذي يعيشون في ظروف مأسوية صعبة لسد حاجاتهم والإسهام مع المجتمع الدولي الإنساني في الحد من تدهور الحال المعيشية للأطفال السوريين النازحين داخل سورية واللاجئين في دول الجوار، التي تأتي ضمن مواقف المملكة المستمرة في دعم الثورة السورية ومساندتها منذ بدايتها.
إن هذا الواقع المؤلم يستدعي من الدول والمجتمع والجهود الديبلوماسية الدولية المبادرة والتحرك سريعاً وعدم التفرج ببرود على هذه الكارثة، ولاسيما أن ذلك – وفي ظل هذا الصراع وعواقبه التي من المتوقع أن تستمر طويلاً – يتطلب من الدول والمنظمات كافة العمل والتخطيط للأمد الأبعد لهذه المأساة قبل أن يضيع جيل بأكمله على مرأى من العالم ومسمعه.

كاتب سعودي من صحيفة الحياة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.