وعلى طول الحدود المزيّنة بأزهار الربيع والفستق وبساتين الزيتون، صَمتت المدافع والطائرات المقاتلة التي كانت تقصف الجبال المنخفضة منذ أن استولت القوات التركية على عفرين في نهاية الأسبوع الماضي.
وقد جرى احتفال كبير بهذا الانتصار في تركيا، انتصار شجَّع الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي تعهَّد بنشر حملته حتى شمال سوريا والعراق.
إلّا أنّ الطريق أمام تركيا في سوريا غير مؤكّدة ومفعَمة بالمخاطر.
تغاضَت حتى الآن القوّتان اللتان تسيطران على المجال الجوّي السوري، روسيا والولايات المتحدة، عن اعتداءات تركيا المتفاقمة وحلفائها. لكنّ تركيا قد تواجه قوّة مقاومة إذا تغَلغلت بعد.
والاحتمال كبير في أن تتورّط تركيا، التي تشهد تاريخاً أقلَّ مِن مرموق بالتعامل مع سكّانها الأكراد، في حرب عصابات داخل سوريا، أي عبارة عن امتداد لمعركةٍ عمرُها عقود ضدّ التمرّد الكردي في الداخل الذي يقوده «حزب العمّال الكردستاني».
وقال أوزغور أونلوهيسارسيكلي، وهو مدير صندوق مارشال الألماني في الولايات المتحدة: «إنّ عفرين ليست منطقة سهلة القيادة بالنسبة لتركيا. ليست أغلبية السكّان هناك من الأكراد فحسب، بل إنّ جزءًا كبيراً منهم يتعاطف مع «حزب العمّال الكردستاني».
حتى إنّ بهجة الأتراك التي أحاطت بفوزهم المفاجئ في عفرين، سرعان ما اختفت بعد عواقب هذه المعركة.
ولم يَكد يستولي مندوبو تركيا في الميدان، أي الجيشُ السوري الحر، على مدينة عفرين، حتّى اشتعلت وسائل الإعلام الاجتماعية بالفيديوهات والرسائل التي تصوّر مقاتليها يَنهبون.
لا تزال الأجواء متقلّبة. وقد أسفرَت عبوة ناسفة مزروعة في عفرين عن مقتل سبعة مدنيين وأربعةٍ من جنود الجيش السوري الحر هذا الأسبوع. وكان صحافيّ سوري من بين القتلى، حسب ما أعلنته «لجنة حماية الصحافيين».
ولكنّ سقوط عفرين جعلَ من الواضح أنّه على تركيا وحلفائها أن يتوقّعوا أيّ مفاوضات قد تؤدي في نهاية المطاف إلى إنهاء النزاع الذي مضى عليه 7 سنوات.
وقال أونلوهيسارسيكلي: «إنّ تركيا والجيش السوري الحر أصبحا قوّةً لا تُنكر في سوريا».
ويضع التدخّل المتزايد تركيا في خضمّ القتال بين حكومة الرئيس بشّار الأسد، المدعوم من روسيا، والجماعات المتمرّدة المصمِّمة على إزاحتِه عن السلطة.
وتدعم الولايات المتحدة بعضَ هذه الجماعات المتمرّدة، ولكنّها تعارض بشدّة تركيا وبدلاءَها.
ويُغيّر الاستيلاء على عفرين الوضعَ على الأرض ويَخلق صلةً بين أجزاء من شمال سوريا حيث تحافظ القوات التركية على وجودها، ومحافظةِ إدلب الغربية التي يسيطر عليها المتمرّدون وحيث تقوم تركيا بتوسيع نطاق وجودها تدريجيّاً.
ويعيش حوالي مليوني شخص في إدلب، ونِصفهم نازحون من مناطق أخرى في سوريا، وهم يتعرّضون لهجومٍ يوميّ من الحكومة السورية، ولغاراتٍ جوّية روسيّة.
تسيطر الجماعات الإسلامية المتطرّفة على المعارضة، وتضغط روسيا على تركيا للسيطرة على المتمردين. ولكنْ تبقى تركيا متردّدةً حتى الآن في مواجهة الأقوى أي «تحرير الشام» المجموعة المرتبطة بالقاعدة.
ومع تعادلِهما بالنجاح، يخطّط الجيش السوري الحر، حليفُ تركيا، في الاتّجاه شرقاً أوّلاً من عفرين وصولاً إلى مدينة منبج.
ويتواجد على طول الطريق سلسلة من 15 قرية عربية شُرِّد منها العديد من مقاتلي الجيش السوري الحر الذين يشاركون في العملية.
وتسيطر الآن على القرى نفسُ الجماعة الكردية التي طرِدت من عفرين، والمعروفة باسمِ «وحدات حماية الشعب»، التي دعَمتها الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال سنان أولغن، وهو رئيس مركز الدراسات الاقتصادية والسياسات الخارجية في اسطنبول «إنّ السؤال هو: هل يمكن تسوية النزاع عن طريق التفاوض مع الولايات المتحدة؟».
ويقول المسؤولون الأتراك إنّهم وافقوا على الخطوط العامة لخطّة مع الأميركيين لانسحاب «وحدات حماية الشعب» إلى شرق نهر الفرات.
ممّا سيَسمح لتركيا والولايات المتّحدة بالقيام بعملية مشتركة في منبج وبتجنّبِ أيّ مواجهة بين حلفاء الـ»ناتو».
ولكن، قال أولغن، إنّ الولايات المتّحدة ترسِل إشارات متضاربة: في حين أنّ وزارة الخارجية تعمل على حلٍّ وسطٍ من جهة ويقاوم البنتاغون والقادة الأميركيون في المنطقة التحرّكات ضدّ «وحدات حماية الشعب» من جهة أخرى.
ويمكن للاتفاق بين الولايات المتحدة وتركيا حول منبج أن يبشّر بدخول عهدٍ جديد من التعاون بينهما في سوريا بعدما تصاعدت التوتّرات.
وقال أونلوهيسارسيكلي: «منطقة منبج أساسية لإعادة الثقة بين الولايات المتحدة وتركيا. فإذا تمَّ التوصّل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن منبج، فسيؤثّر ذلك كثيراً على العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة».
وبدا أردوغان على استعدادٍ للعمل مع الولايات المتحدة في بذلِ جهودٍ مشتركة لضمان الأمن في المدينة والمنطقة.
وقال أردوغان يوم الثلاثاء في تجمّعٍ أسبوعي لمشرّعي حزبِه: «إذا كنتم شركاءَ استراتيجين معنا، فيجب أن تحترمونا وتسيروا معنا».
وقد أصَرّ على أنّ هدف تركيا هو إرساء الأمن في المناطق التي يستطيع فيها مئات الآلاف من النازحين السوريين، الذين يعيش الكثير منهم الآن في تركيا، العودةَ إليها وعيشَ حياتهم الخاصة.
الجمهورية