عشية إغلاق باب الترشح للانتخابات، التي يستبعد منها اللاجئون السوريون، والنازحون والمقيمون في المناطق الخاضعة للنفوذ التركي، فضلا عن عدم وجود مراكز انتخابات فعلية في المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الكردية، أغلق أمس باب قبول طلبات الترشح في الانتخابات الرئاسية حيث بلغ عدد المتقدمين بطلبات الترشح لمنصب رئيس الجمهورية 51 مترشحاً بينهم 7 سيدات، في ظل استبعاد أكثر من نصف السوريين ومنعهم من المشاركة في الانتخابات، ولا حتى من الناحية النظرية.
ومن المقرر أن تجري الانتخابات في 26 أيار/مايو المقبل، في ظل رفض غربي وأمريكي، وفي المقدمة فرنسا والمملكة المتحدة وأمريكا، حيث وصفت واشنطن الانتخابات بأنها «لن تكون حرة ولا نزيهة، ولن تمثل الشعب السوري» وذلك بسبب فقدان النظام للسيطرة على أكثر من ثلث الأرض السورية، إضافة إلى فقدانه نسبة كبيرة من السيطرة على صناعة القرار في دمشق، التي يتقاسمها بين حلفائه الإيرانيين والروس، المتواجدين على الأرض بشكل فعلي، والذين يقومون بالتدخل بكامل تفاصيل الحياة اليومية في مناطق سيطرة النظام.
خبراء: فشل النظام
تحديد موعد الانتخابات الرئاسية السورية المزمعة، ترجمه خبراء ومراقبون أن مجرد تحديده يمثل إعلانًا عن انغلاق أُفق الحل السياسي في سوريا على المدى المنظور على الأقل، وفشلاً من حلفاء النظام في تسويق مشاريعهم للحل.
وأعلنت الولايات المتحدة، الأربعاء، أن الانتخابات الرئاسية التي سيجريها نظام بشار الأسد لن تكون حرة ولا نزيهة، ولن تمثل الشعب السوري.
وأضافت: «وفقا لتكليف أصدره هذا المجلس بالإجماع (تقصد القرار 2254 لعام 2015) يجب إجراء الانتخابات وفقا لدستور جديد، وتحت إشراف الأمم المتحدة، وفق «القرار 2254».
في غضون ذلك، رفضت دول غربية في مجلس الأمن الدولي، أول أمس، الانتخابات الرئاسية المقررة في أيار، وقالت ممثلة المملكة المتحدة، سونيا فاري، إنّ «انتخابات في ظل غياب بيئة آمنة ومحايدة، في جو من الخوف الدائم، وفي وقت يعتمد ملايين السوريين على المساعدات الإنسانية (…) لا تضفي شرعية سياسية، وإنما تظهر ازدراء بالشعب السوري».
المبعوث الأممي: إجراؤها ليس جزءاً من العملية السياسية التي حددها القرار 2254
في المقابل قال مندوب روسيا فاسيلي نيبينزيا: إنه «من المحزن أن بعض الدول ترفض الفكرة نفسها لهذه الانتخابات وأعلنت بالفعل أنها غير شرعية» مستنكراً «التدخل غير المسموح به في الشؤون الداخلية لسوريا». وقال المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون في الاجتماع ذاته «إن الانتخابات ليست جزءاً من العملية السياسية التي أنشأها قرار مجلس الأمن 2254».
رسائل النظام
وأردف «لا تشارك الأمم المتحدة في هذه الانتخابات وليس لديها تفويض للقيام بذلك. تواصل الأمم المتحدة التأكيد على أهمية التوصل إلى حل سياسي تفاوضي للصراع في سوريا».
بموازاة ذلك، نقلت وسائل إعلام النظام السوري، عن المحكمة الدستورية العليا أنها تسلمت الخميس صندوق التأييدات الخطية من مجلس الشعب والذي يحوي التأييدات التي منحها أعضاء المجلس للمرشحين الذين بلغ عددهم 51 مرشحاً بينهم 7 سيدات.
وفي تصريح للصحافيين أكد رئيس المحكمة محمد جهاد اللحام أنه بعد استلام صندوق التأييدات الخطية من مجلس الشعب ستقوم المحكمة بدراسة كل طلبات الترشح والبت بها خلال المدة القانونية المحددة بخمسة أيام. وقال اللحام إن المحكمة الدستورية العليا تسلمت الصندوق الذي يحوي تأييدات أعضاء مجلس الشعب مرفقاً به نسخة عن سجل التأييدات التي منحها أعضاء المجلس للمرشحين لمنصب رئيس الجمهورية وكتاب رئيس مجلس الشعب.
وأغلق الأربعاء باب قبول طلبات الترشح في الانتخابات الرئاسية حيث بلغ عدد المتقدمين بطلبات الترشح لمنصب رئيس الجمهورية 51 مترشحاً بينهم 7 سيدات.
ويبدو أن النظام السوري أراد من خلال إجراء هذه الانتخابات تحقيق أهداف عدة أبرزها إيصال رسالة مفادها أن النظام قادر على رعاية العملية السياسية ومن ضمنها إدارة الانتخابات، ومحاولة إعطاء النظام مظهر الدولة المتكاملة الأركان، والتي تستمر في عملها الطبيعي رغم كل المعطيات، وهو المظهر الذي حرص على التمسك بشكلياته.
الخبير والمستشار السياسي محمد سرميني قال إن كل المؤشرات تظهر أنّ الانتخابات لا تحمل أي أهمية من حيث الشكل، فهي ستكون إعادة لنموذج انتخابات 2014 من حيث ترشح بشار الأسد إلى جانب أشخاص ثانويين، وإجراء الانتخابات بشكل مسرحيّ على الطريقة المعروفة في سوريا وغير ها من الدول الشُموليّة.
إلا أن الانتخابات، وفق رؤية المتحدث لـ«القدس العربي» تحمل أهمية سياسية على المستوى الخارجي، فهي تُظهر أنّ داعمي النّظام في موسكو وطهران يرغبان في فرض الأمر الواقع على بقية الفاعلين، أو أنّهما فشلا في التوافق على تأجيل الانتخابات، أو أنهما لم يتمكنا من التوصل إلى صفقة مع المجتمع الدولي لتأجيل الانتخابات مقابل مكاسب سياسية أو اقتصادية.
ووفقاً للمعطيات المتوفرة، فإن إيران دعمت دائماً فكرة إجراء الانتخابات في وقتها وبشكلها المسرحي المعروف، نظراً لأن هذا الشكل يعطّل أي مشاريع للحل السياسي، وهو ما لا ترغب به طهران، ولا يُحقق مصالحها بأي شكل. وفي المقابل، فإن روسيا سعت منذ أكثر من عام للتواصل مع عدد من المعارضين والجهات المعارضة بغية إقناعهم بالترشح في هذه الانتخابات (وهو ما يتطلب تَغْيِيراً في الدستور في حالة المعارضين المتواجدين خارج سوريا) كما طرحت مع عدد من الأطراف فكرة تأجيل الانتخابات. وهو ما لا يعني بالضرورة أنّها كانت جادة بخصوصها، ولكنّها كانت مستعدة لمناقشتها على الأقل.
تحديات داخلية وخارجية
وفي رأي «سرميني» فإنه وبالرغم من شكلية الانتخابات على المستوى الداخلي، إلا أن النظام وداعميه يواجهون عدداً من التحديات التي قد تفسد الاستثمار السياسي والإعلامي فيها، ومن أبرز هذه التحديات غياب السيطرة الفعلية للنّظام وحلفائه على حوالي نصف الأرض السورية، حيث يشمل ذلك مناطق الشمال السوري الخاضعة لسيطرة المعارضة، ومناطق الإدارة الذاتية، والتي ينحصر تواجد النظام فيها في مربعاتٍ أمنية داخل المدن، ومناطق درعا والسويداء، والتي يحضر فيها النظام بصورة محدودة.
كما تأتي الانتخابات في الوقت الذي يواجه النظام فيه أزمة اقتصادية غير مسبوقة، حيث انهارت الليرة إلى مستويات متدنية، وشحّ الوقود بكل أنواعه، وارتفعت أسعار السلع الأساسية كافة. وهذه المعطيات تؤثر بقسوة على المجتمعات المحلية، بما فيها الحاضنة الشعبية الأكثر تأييدًا للنظام، كما أنها تحد حتى من قدرة النظام على تنظيم المهرجانات الاحتفالية، أو ما يُسميه النظام بـ»العرس الانتخابي».
وإضافة إلى ما سبق من تحديات داخلية، في رأي الخبير السياسي، أن الانتخابات تواجه هذه المرة رفضا دولياً مسبقاً للاعتراف بشرعيتها ونتائجها، رغم استنفار الدبلوماسية الروسيّة على مدار الشهرين الماضيين في مباحثات إقليمية ودولية مع كل الفاعلين، في محاولةٍ للبحث عن صيغة تضمن اعترافاً ولو بالحد الأدنى، كما أبدى المتحدث اعتقاده أن تحديد موعد الانتخابات الرئاسية يمثل إعلاناً عن إغلاق أُفق الحل السياسي، ويكشف فشل حلفاء النظام السوري في تسويق مشاريعهم للحل.
القدس العربي