في سياق السياسة الروسية لإخلاء المنطقة الجنوبية من سوريا، لاسيما من فئة الشباب ممن يتبنون مواقف معادية للنظامين السوري والروسي، ولا يشك باحتمال انخراطهم بأيّة أنشطة مسلحة ضد قواتهما في المنطقة، تعمل موسكو إلى خلق موجة هجرة جديدة بموجب مبادرة أطلقتها في كل من درعا والسويداء جنوب سوريا، لإفراغ المنطقة ممن تبقى من أبنائها، وإرسالهم عبر عقود عمل إلى كل من روسيا وليبيا وإفريقيا، كمرتزقة بحجة حراسة منشآت نفطية، مقابل مرتبات شهرية مرتفعة مقارنة مع الوضع المعيشي المتدني في البلاد.
مصادر محلية قالت لـ «القدس العربي» أن الوجهة الأولى للمقاتلين السوريين هي روسيا، وهناك يتم توزيعهم على مناطق ودول مجاورة تابعة لها من بينها أرمينيا، كما أكدت المصادر إرسال موسكو 150 مقاتلاً سورياً من روسيا إلى أرمينيا الشهر الماضي، وعدد آخر من ليبيا إلى أفريقيا مؤخراً.
المتحدث باسم تجمع أحرار حوران، أبو محمود الحوراني قال لـ «القدس العربي» إن «عدداً من أبناء محافظة درعا سجلوا على عقود عمل عبر وسطاء ومكاتب سياحية لنقلهم إلى روسيا كمرتزقة بحجة حراسة منشآت نفطية حيث سيتم توزيعهم إلى مناطق ودول مجاورة تابعة لروسيا من بينها أرمينيا، مبينًا ان التسجيل كان يقتصر سابقاً، على أبناء محافظة السويداء وذلك وفقاً لمناطق تولدهم حسب السجلات المدنية، ولكن في الآونة الأخيرة، فُتح باب التسجيل أمام الراغبين من أبناء محافظة درعا، وذلك عبر أحد مكاتب السفر والحوالات «مكتب عزام للسفريات» في محافظة السويداء.
ووفقاً للحوراني، فإن التسجيل يتم في هذا المكتب بعد دفع مئة ألف ليرة سورية، وتسليم وثائق ثبوتية من ضمنها صورة عن البطاقة الشخصية وإخراج قيد مدني، وصور شخصية دون طلب أي أوراق أخرى كجواز السفر أو غيرها من الثبوتيات اللازمة للسفر، وبعد ذلك يتم اختيار الأشخاص أو رفضهم بناء على دراسات أمنية تجريها فروع النظام بإشراف مباشر من الجانب الروسي.
واشترطت موسكو في مدة العقد أن تكون خمس سنوات، يسمح للشخص خلالها بإجازة سنوية، كما تزامن الترويج لهذه العقود بالتزامن مع إصدار النظام قرارًا استثنائيًا، يقضي بموجبه منح المؤجلين عن الخدمة الإلزامية من أبناء درعا إذن سفر.
وقال المتحدث «إن ذات العقود تم توقيعها مسبقا مع أبناء الجنوب السوري في محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة كمرتزقة إلى ليبيا» لافتًا إلى أن موسكو تعمل على «إفراغ الجنوب من فئة الشباب التي تعتبر الفئة الأساسية في تشكيل الخطر على النظام السوري في الداخل».
ويحمل مشروع تفريغ الجنوب السوري من شبابه، تبعات سلبية تفتح الباب مشرعا أمام النظام السوري لفرض سيطرته على المنطقة التي عجز عنها حتى بعد توقيع اتفاق التسوية في تموز/ يوليو 2018.
وفي السويداء قال المتحدث باسم شبكة «السويداء 24» الإخبارية المحلية، نور رضوان لـ «القدس العربي» أن موسكو لا تزال ترسل شبان من أبناء السويداء بشكل دوري إلى ليبيا، عبر رحلات جوية من قاعدة حميميم الروسية، مشيرا إلى أن مرتب المقاتل في ليبيا يبلغ 1200 دولار شهرياً، في حين أن دخله الشهري في سوريا لا يتعدى 75 دولاراً، كعامل حر.
وقال «يخرج شهرياً من سوريا إلى ليبيا، ما بين 4 إلى 5 رحلات بشكل وسطي، وتضم كل رحلة 300 مقاتل، ومنذ مطلع إبريل /نيسان/ الماضي، خفضت موسكو عدد الرحلات إلى رحلة أو رحلتين شهرياً في أعلى تقدير».
ونقل المتحدث عن أحد المقاتلين ممن وقعوا عقود عمل مع موسكو لحماية منشآت نفطية في ليبيا قوله «عرض علينا الضابط الروسي المسؤول عنا في ليبيا، توقيع عقد جديد من أجل إرسالنا إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، بعد أن انتهت مدة العقد في ليبيا، حيث وافق البعض وتم نقلهم عبر قاعدة الجفرة الجوية وسط البلاد، بينما تخوف الكثير منا، وينتظرون الآن العودة إلى سوريا».
وأضاف المقاتل أنه حصل على 500 دولار من راتبه كمصروف شخصي قبل نقلهم من قاعدة حميميم الروسية في سوريا، إلى ليبيا، على أن يتم تسليمه باقي المرتب عند انتهاء المهمة وعودته إلى البلاد، لكن المبلغ الذي حصل عليه لم يكفيه، نتيجة تقنين مخصصات الطعام التي يحصلون عليها، ما أجبرهم على شراء الطعام عبر سماسرة من قوات حفتر، أو من قادة مجموعاتهم.
كما تحدث عن أحد المقاتلين من أبناء السويداء ممن ينتظرون حتى الآن في اللاذقية، موعد المغادرة وقال «سجلت لصالح ميليشيا «صائدو الدواعش» التابعة لشركة الصياد من أجل السفر إلى ليبيا، وغادرت يوم الأحد الفائت ضمن مجموعة يبلغ تعدادها نحو 40 شابا إلى اللاذقية، بعد أن أبلغنا وكيل الشركة أن موعد السفر إلى ليبيا سيكون خلال الأسبوع الحالي، وعلينا الذهاب إلى مركز التجمع لانتظار موعد السفر».
وأضاف المصدر «يتخوفون من إلغاء الرحلة وعدم السماح لهم بالدخول إلى قاعدة «حميميم» كما حصل معهم الشهر الماضي، حيث انتظروا لمدة يومين في اللاذقية وعند ذهابهم إلى القاعدة الجوية، رفضت القوات الروسية السماح لهم بالدخول، وأبلغوهم بتأجيل الرحلة، رغم حصول المقاتلين على الموافقة الأمنية اللازمة عن طريق جهاز المخابرات العسكرية، بموجب عقد مدته 5 أشهر، لكنهم لم يغادروا نتيجة تخفيض عدد الرحلات».
وأوضح المتحدث لـ «القدس العربي» حصوله على وثائق تضم أكثر من 10 آلاف مقاتل سوري، سجلوا في شركات أمنية تستقطب المرتزقة إلى ليبيا، بعد حصولهم على موافقات أمنية.
القدس العربي