في أعقاب الإحباط السائد وجمود الملف السوري لسنوات، يأتي الحراك الأمريكي الروسي تمهيدا لنسج بداية أو صفقة مؤقتة، غير معلنة، تخدم اعتبارات الأطراف الدولية المعنية، بما ينعكس إيجابا بشكل أو بآخر على الوضع السوري، وقد تساعد على تسهيل التوصل لتسوية سياسية للأزمة السورية وإن كانت لا تلبي كل طموحات السوريين.
ولكن وبعد المنعطف “تقارب وجهات النظر الروسية – الأمريكية إزاء قرار تمديد آلية دخول المساعدات الإنسانية” يطرح سؤال كبير حول إمكانية أن يتخطى ذلك، إلى ترتيب أشمل وتسوية سياسية أكبر، لاسيما في ظل حديث السفير الروسي لدى الولايات المتحدة، أناتولي أنتونوف أن بلاده تتوقع الوصول إلى تسوية سياسية في سوريا.
ونظراً لإبداء الموفد الروسي تفاؤله، وكلام مساعد وزير الخارجية الأمريكية أن هدف الولايات المتحدة ليس تغيير النظام بل تغيير سلوكه، يدفعنا ذلك للقول بأنه يمكن أن تكون هناك بداية، وأن يكون هناك مفاوضات ومساومات تبدأ بالسماح بدخول المساعدات وأساسها الحد من التدخل الإيراني في سوريا، كما تدعو إلى رفع العقوبات عن النظام، ولكن كل ذلك سيتطلب المزيد من الوقت والمزيد من مراقبة كل طرف لأداء الطرف الآخر.
وفي تصريح له، قال السفير الروسي لدى الولايات المتحدة، أناتولي أنتونوف، في معهد ميدلبري للدراسات الدولية أن بلاده حققت “نتيجة مهمة خلال الأيام القليلة الماضية، تتمثل بتنسيق الجهود بين الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، بشأن الوصول إلى تسوية في سوريا”.
وقال أنتونوف، وفقاً لبيان نشر على صفحة الفيسبوك الخاصة بالسفارة الروسية في الولايات المتحدة “بفضل التفاعل الوثيق لممثلينا في نيويورك، تم اعتماد قرار لمجلس الامن الدولي بشأن القضية المعقدة المتعلقة بالإمدادات الانسانية العابرة للحدود للسوريين” وتوقع “أن يساهم هذا القرار في الإسراع في التوصل الى حل سياسي في سوريا، وتحقيق استقرار الوضع في الشرق الأوسط ككل”.
وأمل السفير الروسي “أن يحقق الدافع الإيجابي الذي أعطته قمة جنيف، تسهيل تجاوز المخاطر والمشاكل التي تواجهها روسيا والولايات المتحدة الامريكية والتي تتطلب التعاون منها”.
من جهتها، قالت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد، في تصريح للصحافيين، إن القرار الذي اتخذ في مجلس الأمن بشأن تمديد تفويض إدخال المساعدات إلى سوريا “لحظة مهمة في علاقاتنا مع روسيا، ويظهر ما يمكننا فعله مع الروس إذا عملنا معهم دبلوماسياً على أهداف مشتركة”.
ووصف المندوب الروسي في الأمم المتحدة، إقرار مجلس الأمن لتمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا بأنه “لحظة تاريخية، وربما تكون نقطة تحول في العلاقات الأمريكية الروسية”، معلناً أن روسيا تجري حواراً مع الولايات المتحدة بشأن تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا.
صفقة ناضجة
الخبير في العلاقات السورية – الروسي البروفيسور محمود الحمزة، أبدى اعتقاده بوجود صفقة روسية – أمريكية لم يعلن عنها بعد، وقال د.حمزة “هذه التصريحات لم تأت من فراغ، أي أن توصيف السفيرة الأمريكية أن هذه اللحظة مهمة جدًا في العلاقات الروسية – الأمريكية حول الاتفاق على قضية المعابر، كما أن تعليق السفير الروسي في واشطن يؤكد وجود صفقة وكنا نتحدث عن ذلك، ونتوقع بأنه سيأتي الزمن المناسب ويعلنون عن حل سياسي لسوريا، لأنه بدون توافق روسي – أمريكي لا يمكن الوصول إلى حل سياسي شامل”.
فثمة ظروف وحلول نضجت، وفق رؤية المتحدث “للوصول إلى حل سياسي معين أو تسوية ما، كما يريده الروسي والأمريكي، لأن الروس وصلوا إلى طريق مسدود والوضع لم يعد يحتمل، والدور الروسي يحتاج إلى تجديد أو تغيير سياسي يخرجه من هذا المستنقع”. وأضاف “الجانب الأمريكي يلعب بالدور المطلوب لأنه أصلاً هناك تنسيق منذ أن تدخلت روسيا في سوريا عسكرياً، وهناك تفاهمات مؤكدة روسية – أمريكية”.
والجمعة الماضي، اعتمد مجلس الأمن الدولي بإجماع أعضائه قراراً يقضي بتمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا لمدة عام عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وذلك قبل انتهائها بيوم واحد.
الباحث لدى مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، أيمن دسوقي، اعتبر أن الاتفاق الروسي – الأمريكي شكل أرضية لإصدار مجلس الأمن القرار رقم 2585، الناظم لمسألة المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وقد وصفه السفير الروسي لدى الولايات المتحدة، أناتولي أنتونوف بنقطة تحول في العلاقات الأمريكية – الروسية. الأرضية قد تساعد وفق ما يقول الخبير السياسي على تسهيل التوصل لتسوية سياسية للأزمة السورية.
وبخلاف القراءات المتفائلة والقائلة بحدوث تحول كبير في العلاقات بين البلدين فيما يتعلق بالملف السوري، اعتقد المتحدث لـ “القدس العربي” أن الأرضية لم تجهز بعد لصفقة أمريكية – روسية شاملة حول سوريا، وما جرى تسوية مؤقتة أرادها كلا الطرفين تخدم اعتباراته الخاصة، مضيفاً “إذ تتعرض
إدارة بايدن لانتقادات بشأن إهمال سياستها الخارجية للأزمة السورية، وتريد من الاتفاق التأكيد على التزامها الأخلاقي بالأزمة السورية، كما أنها تريد من الاتفاق الحيلولة دون تفاقم الأزمة الإنسانية والوضع الميداني في سوريا، وتجاوز الارتدادات السلبية لعموم المنطقة بما يضر بالمصالح والترتيبات الأمريكية”.
أما روسيا، فأرادت من الاتفاق إبقاء الجهود الدبلوماسية قائمة حيال سوريا، و”أكدت من خلاله بأنها شريك يمكن إذا ما تم التعاون معها أن يتم التوصل إلى حلول وسط” واعتبر الدسوقي أن هناك محاولة روسية حثيثة لاستثمار الاتفاق ومحاولة استنساخه في ملفات أخرى، وهي دعوة للجانبين الأمريكي والأوروبي للانخراط بشكل أكبر في مسارات وتقديم تنازلات تسهم في التوصل تسوية سياسية. بهذا المعنى، يرى الباحث السياسي أن الحديث الروسي عن تسوية، ما هو إلا دعوة غير مباشرة لرفع العقوبات على النظام، باعتبارها تحول دون التوصل لحل سياسي للأزمة من منظور روسيا.
وانتهى الدسوقي بالقول “أي تقارب أمريكي – روسي ينعكس إيجاباً بشكل أو بآخر على الوضع السوري، وإن كان ليس بالضرورة أن يخدم ذلك مصالح السوريين أو يلبي طموحاتهم، فالتفاهم بين الطرفين من شأنه المساعدة في حلحلة بعض القضايا والملفات العالقة، كذلك تجنب التصعيد بين الطرفين في الساحة السورية، الذي ينعكس سلباً على حياة السوريين”.
نقلة لا أكثر
ويمدد القرار الذي توصل إليه الجانبان الروسي والأمريكي حول آلية إيصال المساعدات الإنسانية لمدة 6 أشهر، ثم يتم تمديدها لـ 6 أشهر أخرى، بعد أن يقدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريراً لأعضاء المجلس بشأن تنفيذ القرار في الفترة الأولى.
وفي هذا الإطار اعتبر الخبير في العلاقات السياسية الدولية ومدير مجلس الجيوبوليتيك في باريس، خطار أبو دياب أن يمثل القرار حول موضوع معبر باب الهوى، نقلة جديدة، بعد تدهور في الصلة الروسية – الأمريكية، يصل إلى فرض الجانب الروسي حق النقد الفيتو لوقف ادخال هذه المساعدات والمساومة على ذلك. وقال المستشار السياسي لـ “القدس العربي”: لكن تحذير الجانب الأمريكي ورغبة الجانب الروسي بعدم القطيعة، دفع إلى تسوية قضت بالتمديد لمدة 6 أشهر وليس لسنة، كما كان هناك فكرة لفتح معبر مع كردستان العراق في اليعربية، قد طوي، وهذا لصالح روسيا.
من خلال هذا القرار الروسي – الأمريكي، “تؤكد روسيا أنها صاحبة الانتداب على الساحة السورية، وأن ما أعطاها أوباما 2013 بعد نسيانه الخطوط الحمر حول الكيميائي، مستمر بشكل أو بآخر، ولو كان في بعض المرات هناك هبوط وصعود” مستنتجاً أن “هناك استمراراً لإدارة الأمر الواقع والأزمة”. ويشير التفاؤل الروسي والحدث الأمريكي حول تغير سلوك النظام السوري لا النظام برمته، يدفع للتنبؤ بوجود مساومات قد تبدأ وأساسها الحد من التدخل الإيراني في سوريا.
لكن هناك من يرى أنه من المستبعد الحديث عن صفقة روسية – أمريكية، وفي هذا الإطار قال الباحث في المركز العربي في واشنطن رضوان زيادة لـ “القدس العربي”: حصل تفاهم روسي – أمريكي على عدم استخدام روسيا الفيتو بسبب الضغوط الأممية والأمريكية، ولكن لا اعتقد أن هذا التفاهم سيتحول إلى اتفاق على مستوى التفاهم السياسي. وبرأي زيادة فإنه “ما زالت الفجوة بين الطرفين كبيرة جداً، حيث روسيا تدعم نظام الأسد وبسط سيطرته على كل الاراضي السورية، بينما ترى أمريكا أن أفضل حل سياسي إنما ينبع من تطبيق القرار 2254، كما أن ربط مشروع القرار، بلقاء بايدن – بوتين، وإرسال رسالة إلى الطرف الأمريكي يعني أننا ننتظر الخطوة المقابلة من طرفكم بعد عدم استخدام الفيتو”.
القدس العربي