تنافس محموم بين الأسد وحلفائه للسيطرة على الجنوب السوري… اغتيالات ومخططات متضاربة

تشهد محافظة درعا جنوب سوريا، عمليات اغتيال شبه يومية تستهدف غالبية أطراف الصراع المحلية وسط انفلات أمني متزايد، فيما تعاود السويداء نشاطها الاحتجاجي مطالبة بتحسين الواقع المعيشي والسياسي، في حين يبدو التنافس المحموم بين موسكو وطهران والنظام السوري، واضحاً، في محاولة كل منهم لفرض مشاريعه الخاصة على الجنوب السوري.

ووفق إحصائيات خاصة حصلت عليها «القدس العربي» من تجمع أحرار حوران، فقد سجلت محافظة درعا جنوب البلاد منذ مطلع العام وحتى 16 من شهر فبراير/ شباط الحالي، 42 عملية ومحاولة اغتيال، أدت إلى مقتل 35 شخصاً بينهم مدنيون، وعناصر سابقة في المعارضة السورية وآخرون مجندون لصالح النظام السوري أو إيران. فيما سجل مكتب توثيق الانتهاكات في التجمع291 عملية ومحاولة اغتيال خلال عام 2021، نتج عنها مقتل 226 شخصاً، هم: 131 شخصاً مدنياً، و95 من غير المدنيين، وسط فوضى أمنية لم تهدأ منذ سيطرة النظام على المحافظة بموجب اتفاقية التسوية مع الفصائل المعارضة في تموز 2018.

أسباب احتجاجات السويداء

الناطق باسم تجمع أحرار حوران أيمن أبو نقطة قال لـ «القدس العربي»: «النظام السوري هو المتسبب الأول والأخير بكل هذه الفوضى في عموم الجنوب السوري، رغم وجود صراع بين عدة جهات هناك، فالأسد لديه مخططات وأهداف يسير وفقها، وهي القضاء على كافة أشكال المعارضة من السلمية إلى المسلحة مرورا بالجهات التي ترعى المفاوضات». فالنظام، وفق المتحدث يعتمد بشكل أساسي في عمليات الاغتيال على الخلايا التي جندتها أجهزته الاستخباراتية بمختلف تصنيفاتها، ولعل أبرزها: «فرع الأمن العسكري، السرية 215 الخاصة بالمداهمة، الفرقة الرابعة»، إضافة إلى مخططات اغتيال أخرى تديرها إيران في الجنوب السوري.
المنافسات بين النظام السوري والدول المتحالفة معه في الجنوب تتزايد، وهي منافسات تؤدي وفق «أبو نقطة» إلى هجرة قسرية لأبناء المحافظات نحو خارج البلاد، كما تساهم عمليات الاغتيال في حرمان المنطقة من الاستقرار، علاوة على سقوط ضحايا بين المدنيين، فيما ينتج عنها تسلط الميليشيات المحلية أو تلك العابرة للحدود على المدنيين، وتضاعف عمليات الخطف بهدف الحصول على الفدية المالية.
أما في محافظة السويداء القريبة، فقد شهدت منذ مطلع شهر فبراير/شباط الحالي، موجة واسعة من الاحتجاجات التي شاركت فيها كافة الفئات المدنية من مدنيين ونشطاء في المجتمع المدني وعناصر غير مسلحة، في حين نال النظام السوري النصيب الأكبر من عمليات الإدانة وتحميله المسؤولية حول رفع الدعم الحكومي عن مئات آلاف العوائل، فيما أدت المشاركة لكافة فئات المجتمع في توسيع دائرة المطالب لتصل للمناداة بسورية مستقلة غير تابعة لأي دولة أو جهات.

هندسة الفوضى

وأرجع مركز جسور للدراسات احتجاجات السويداء إلى جملة من الأسباب غير المباشرة التي ساهمت سابقاً – وما تزال – في استمرار الاحتجاجات الشعبية في السويداء، ومنها: تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وتراجُع مستوى الخدمات التي يقدمها النظام، الذي ما يزال يتمسك بأولوية فرض الأمن على حساب تقديم الخدمات وتحسين الظروف الاقتصادية. إضافة إلى استمرار ضغوط روسيا والنظام لفرض التجنيد الإجباري على أبناء المحافظة؛ الذين يمتنع الآلاف منهم عن الالتحاق بقوات النظام؛ خوفاً من الزج بهم في مواجهة مع باقي مكونات الشعب، وكذلك رفض محاولات روسيا وإيران المستمرة لتوسيع نفوذهما وحضورهما في السويداء.
عجز النظام السوري في ضبط إيقاع الأوضاع في جنوب البلاد أو تعمده إحداث الفوضى، وفق ما تحدث عنه الباحث المختص بالشأن الإيراني ضياء قدور لـ«القدس العربي»، عازياً ذلك لعدة أسباب، أهمها طريقة تعاطي دمشق مع المحافظات السورية التي تبنت الثورة في البلاد، «فالنظام يعتمد سياسة القبضة الأمنية ولم يف بوعود أطلقها إبان فتحه باب التسويات، كذلك لم يغير من سلوكه، وهي عوامل تفاقم الأزمات المحلية، تزامناً مع غياب أدنى مقومات الحياة».

حرب باردة

وأبدى الباحث اعتقاده في وجود تنافس بين روسيا وإيران والنظام السوري في الجنوب السوري، فكل طرف منهم يحاول بسط سيطرته وفرض أجنداته الخاصة، فيما تسعى طهران إلى تحويل الجنوب السوري إلى جبهة لمواجهة إسرائيل، وذلك لاعتبارات إقليمية ودولية، واستخدامها في وقت لاحق كورقة مفاوضة في قضايا شائكة تخص طهران كالملف النووي أو غيره من الملفات، علاوة على أن جميع المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري وفق الباحث، هي مناطق مهيأة لاندلاع ثورات واحتجاجات شعبية، نظراً للظروف الاقتصادية والمعيشية المزرية التي تعيشها هذه المواقع، كذلك هو الحال في محافظة السويداء، التي تعاود نشاطها الاحتجاجي بشكل متقطع، فرغم أن المظاهرات الأخيرة كان سببها رفع النظام السوري للدعم عن المستفيدين من غالبية طبقات المجتمع في السويداء، لكن الملاحظ أيضاً وجود رفض شعبي لمحاولات التغلغل الإيراني في النسيج الاجتماعي فيها.
صحيفة نيزافيسمايا الروسية نقلت عن أنطون مارداسوف، وهو الباحث الزائر في معهد الشرق الأوسط في واشنطن وخبير مجلس الشؤون الدولية الروسي تأكيده بوجود منافسة غير معلنة في درعا والسويداء بين «المتصالحين» المدعومين من روسيا، والجيش النظامي والهياكل الموالية لإيران داخل جيش الأسد والتشكيلات شبه العسكرية غير المندمجة من جهة أخرى. وهذا ما أكده أيضاً الباحث لدى مركز الحوار السوري محمد سالم، حيث قال لـ «القدس العربي»: «في عموم الجنوب السوري، هنالك تنافس بين المحسوبين على الروس والمحسوبين على الإيرانيين، وحرب باردة بينهما.
أسباب التنافس هذه ليست متعلقة بروسيا وإيران، وفق المتحدث «بل بالصراع على النفوذ بين الأطراف المحلية، والإشكالية الأكبر أن أجهزة النظام العسكرية والأمنية تحولت إلى فلول وميليشيات متصارعة بشكل غير معلن عنها، وخاصة في الجنوب لأن سيطرة النظام وميليشياته لا تزال هشة، فيما يتوقع الباحث استمرار حالة الفلتان الأمني»، وهذا يلقي الضوء على أن فرض إعادة السوريين لمثل هذه المناطق تعني القاءهم إلى الموت أو الاعتقال.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.