د.كمال اللبواني
اعتمد نظام الأسد في سوريا على العصبية الطائفية بعد أن قرر تحويل الجمهورية لملكية وراثية ومزرعة خاصة، بدءاً من حافظ الأسد، الذي انقلب على رفاقه، في ١٦ تشرين الثاني عام ١٩٧٣، وأودعهم السجن، ومنهم صلاح جديد، الذي كان يريد للطائفة أن تكون ذات سيطرة، لكن ليس لتشكيل حكم طائفي في سوريا.
وهكذا استطاع حافظ إحكام سيطرته على كافة مفاصل الدولة، وخاصة الجيش والأمن، باعتماد رجال من الطائفة، ولاؤهم الشخصي له، ولا ينظرون للوطن إلا من عين الطائفة التي تختزن قدراً كبيراً من الشعور بالاضطهاد منذ العثمانيين، وتريد الانتقام من السنة، لاعتقادهم أنها استمرار للحكم العثماني، بذلك أصبحت الدولة تدار من أوليغاركية طائفية تعبد فرداً محدداً مستبداً، وهذا ما تسبب بانتفاضة الإخوان في أحداث الثمانينات التي قمعها الأسد بكل وحشية، ورويداً رويداً قمع كل الحركات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني الوطنية، ودمر كل نسيج المجتمع الأهلي، وزاد من نفوذ الأقليات ودورهم، لإضعاف الأغلبية العربية السنية سياسياً ومن ثم اقتصادياً، باعتماد سياسة الفساد والتشبيح، لدرجة أن أصبح وريثه بشار ومن حوله من أبناء عمه وخاله وعمته وأصهاره وزوجته يملكون نصف الناتج القومي السوري.
باعتماد النظام على الطائفة، أصبحت هذه الطائفة تشعر أن النظام نظامها، وأن كل فرد فيها يستطيع الوصول لأي مسؤول بواسطة الروابط الأهلية، بل حل كل إشكال، أو حتى التجاوز على القانون وتحقيق المكاسب، خاصة بعد أن تعمد حافظ نشر الفساد بشكل واسع، لكسب ودّ موظفي الدولة، وبنفس الوقت إمساكهم وضمان سكوتهم وولائهم، ولدق الإسفين بينهم وبين الشعب والوطن والقيم والأخلاق التي انهارت للحضيض في كل مستوى.
ومع ذلك، ظهرت هناك معارضة علوية لهذا النظام انقسمت إلى أربع فئات:
1- تنافس قبلي وعشائري لكون عائلة الأسد غير معروفة ولا تقبل القبائل الكبرى أن تتزعمها بتزعم الطائفة.
2- معارضة من جناح صلاح جديد الذين استبعدهم عن السلطة.
3- معارضة طبقية من الفقراء وغير المستفيدين، حملت أفكاراً يسارية.
4- معارضة أخلاقية من نخبة المثقفين ترى في هذا السلوك تدميراً للوطن والطائفة.
لذلك تعرّض كل هؤلاء للقمع كغيرهم، وأحياناً أكثر، باعتبارهم ضمناً كخونة. وتعمّد بشار إفقار المناطق العلوية لضمان استمرار تدفق العلويين للعمل في صفوف السلطة، ولم يسمح إلا لقلة من الموالين بتجميع الأموال والأتباع خوفاً من تشكل مراكز قوى، لذلك بالرغم من شعور الطائفة بسلطتها على الدولة، إلا أنها فعلياً بقيت في حدود الفقر والتبعية، وأصبح الخوف من انتقام الشعب هو من يحركها للدفاع عن النظام الذي أمعن في ارتكاب الجرائم الطائفية، بدءاً من مجزرة حماة، وصولاً لأحداث الثورة، وحتى الآن، وقتل مليون إنسان، وإخفاء نصف مليون، وتهجير ١٥ مليوناً.
بعد الثورة زجّ بشار بكامل شباب الطائفة في حربه على الحاضنات السنيّة، وسمح لهم بارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية، ومكّنهم من تعفيش ممتلكات المهجرين، مستفيداً من ظهور شعارات كراهية طائفية، بل متعمداً دعم منظمات الجهاد الإرهابية. وهذا ما برر للكثير ممن يعارضونه العودة لحضن النظام، أو على الأقل رفض تأييد الثورة، لكن تدهور الظروف المعيشية الهائل بعد تغوّل النظام وتدمير الاقتصاد واستقدام المرتزقة والمحتلين، ولتغطية مصاريفه الهائلة، عاد بكل المواطنين لحضيض الفقر والفاقة، بل أوصلهم لحدّ المجاعة، مما حرّك عندهم من جديد مشاعر الغضب والتمرد، لكنها تطالب بوسائل العيش وليس تغيير النظام.