وسط اهتمام دولي جدي، تقود مجموعة من المؤسسات الحقوقية والإنسانية والمدنية السورية، ومن الضحايا وذويهم، والشهود، والناجين من الهجمات الكيميائية في سوريا، جهوداً في سبيل إنشاء محكمة استثنائية للأسلحة الكيميائية لمحاكمة مستخدمي الأسلحة الكيميائية دولياً في الحالات التي لا يمكن اللجوء فيها إلى المحافل الجنائية القضائية الدولية القائمة، كما هو الحال في سوريا.
ووفق بيان تسلمت “القدس العربي” نسخة منه، فإن منظمات المجتمع المدني انطلقت من “التعرض بشكل مباشر للأسلحة الكيميائية الفتاكة، التي تسبب آلاماً وأضراراً شديدة وطويلة الأمد، وتعامُلنا الدائم مع تبعاتها سواء عند وقوع هذه الهجمات، أو في المحافل الدولية والمحاكم من خلال جهود الاستجابة والتوثيق والمناصرة والتقاضي ودعم التعافي في الحالات الممكنة”.
وجاء اقتراح إنشاء المحكمة الاستثنائية للأسلحة الكيميائية في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، وهو اليوم الذي يتم فيه إحياء ذكرى ضحايا الهجمات الكيميائية في جميع أنحاء العالم. وستكون الخطوة التالية هي أن تتفق الدول على صياغة المعاهدة.
مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني (إحدى المنظمات القائمة على المبادرة) تحدث في تصريح لـ “القدس العربي” عن الجهود المبذولة من أجل تأسيس محكمة خاصة بالأسلحة الكيمائية في سوريا.
وقال عبد الغني: “هو خطاب موجه للدول بشكل أساسي، إذ نطالب بتأسيس هذه المحكمة نظراً لخطورة استخدام السلاح الكيميائي، لا سيما أن النظام السوري مثبت بالتقارير الأممية والدولية وتقارير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، باستخدام هذا النوع من أسلحة الدمار الشامل، فضلاً عن قرارات مجلس الأمن والجمعة العامة التي تدين هذا الاستخدام”.
ونظراً لصعوبة تأسيس مثل هذه المحكمة، قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان: “لا نريد أن نرفع سقف التوقعات، لأن تأسيس المحكمة يحتاج وقتاً وجهوداً طويلة، لكن من الممكن أن يستجيب لهذه المبادرة عدد لا بأس به من الدول المهتمة، لكيلا تبقى هذه الاستخدامات بدون محاسبة.
وتوقع المتحدث أن يكون التأسيس صعباً جداً، “فهو ليس بالأمر السهل وهو بحاجة لجهد كل السوريين وتضافره من أجل إنشاء هذه المحكمة، لأن استخدام سلاح الدمار الشامل يستحق أن يتحاسب كل من استخدمه في سوريا ويجب ملاحقته بمحاكمة ينال فيها الضحايا حقوقهم بعد التعرض لهذه الهجمات البربرية”.
وانطلقت منظمات المجتمع المدني في مبادرتها، بناءً على وجود حظر دولي تام لاستخدام الأسلحة الكيميائية مصون في الاتفاقيات والأعراف الدولية، ووقوع انتهاكات متكررة لهذه القاعدة العالميّة بطريقة غير مسبوقة في النّزاع السوري، وتكدس الأدلّة الدامغة التي قامت منظّمة حظر الأسلحة الكيميائية بجمعها، والتي تشير إلى مسؤولية السلطات السورية عن تسع ضربات منها، و”تنظيم الدولة الإسلامية” عن ضربتين، وقيام الآلية الدولية المحايدة والمستقلة التي أنشأها المجتمع الدولي بالبناء على مثل هذه الأدلة دون وجود محكمة دولية جنائية تستطيع سماعها والبت فيها، فضلاً عن عدم قدرة المحكمة الجنائية الدولية البت في هذا الانتهاك لأن سوريا لم توقع على قانون إنشاء المحكمة، ولأن محاولة إحالة الملف من قبل مجلس الأمن إلى المحكمة الجنائية الدولية قوبل بالفيتو في عام 2014.
وتحدث البيان عن قدرة الدول ضمن حقوقها السيادية على المحاسبة بشكل جماعي ووجود النصوص الدولية ذات الصلة التي تدعم وتشجع السير بعملية المحاسبة.
وقال: “بناء على كل ما ذكر، فإننا في 30 نوفمبر 2023، يوم إحياء ذكرى جميع ضحايا الحرب الكيميائية العالمي، نطالب الدول بإنشاء محكمة استثنائية للأسلحة الكيميائية؛ لمحاكمة مستخدمي الأسلحة الكيميائية دولياً في الحالات التي لا يمكن اللجوء فيها إلى المحافل الجنائية القضائية الدولية القائمة، كما هو الحال في سوريا”.
وأظهرت وثائق اطلعت عليها وكالة “رويترز” أنه تم عقد العديد من الاجتماعات الدبلوماسية واجتماعات الخبراء بين الدول لمناقشة الاقتراح، بما في ذلك الجدوى السياسية والقانونية والتمويلية.
وقال إبراهيم العلبي، وهو محام بريطاني سوري، وشخصية رئيسية وراء هذه المبادرة، إن دبلوماسيين من 44 دولة على الأقل من جميع القارات شاركوا في المناقشات، بعضهم على المستوى الوزاري.
وقال : “على الرغم من أن السوريين هم من يطالبون بذلك، فإن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، إذا رغبت الدول في ذلك، قد يكون أبعد من سوريا بكثير”.
وقال ثلاثة دبلوماسيين من دول شمال وجنوب العالم، إن حكوماتهم تناقش إنشاء المحكمة. ورفضوا الكشف عن أسمائهم لأنهم غير مخولين بالتحدث في هذا الشأن.
القدس العربي