حذرت جهات إنسانية في إدلب والأرياف الملاصقة لها في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، من الانزلاق إلى مجاعة كبرى لا يمكن السيطرة عليها، مع اقتراب موعد الدوامة المتكررة كل 6 أشهر، حيث تنتهي حركة دخول المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وهي الشريان الأكبر لدخول المساعدات الإنسانية إلى المنطقة، بينما أعلنت العديد من الوكالات الأممية العاملة في شمال غرب سوريا، عن تخفيض تقديم المساعدات الإنسانية إلى المدنيين اعتباراً من مطلع العام القادم، ويتوقع أن تصل نسب التخفيض إلى مستويات تناهز 50% من إجمالي العمليات بسبب نقص التمويل اللازم لاستمرار العمليات الإنسانية.
منظمة “منسقو استجابة سوريا” أكدت في بيان لها أن “العديد من الوكالات الأممية العاملة في شمال غرب سوريا، ستقوم بعمليات تخفيض كبيرة في عمليات تقديم المساعدات الإنسانية إلى المدنيين وذلك اعتباراً من مطلع العام القادم وفي مقدمتها برنامج الأغذية العالمي”.
وتتناقص نسب الاستجابة الإنسانية في سوريا منذ بداية العام الحالي 2023، بنسب عجز تجاوزت 70% وفقاً للمنظمة التي توقعت أن يشهد العام القادم نسب عجز مرتفعة، ما يفتح المجال أمام مستويات عالية من الفقر والجوع في المنطقة، بالتزامن مع ارتفاع متزايد في نسب البطالة لعدم وجود فرص عمل حقيقية أمام المدنيين.
وعلى الرغم من إجراء أكثر من 250 بعثة أممية زيارة إلى الداخل السوري خلال العام الحالي لتقييم الحالة الإنسانية، فإنه من الواضح أن تلك البعثات وفق المنظمة “لم تكن قادرة على فهم الوضع في الداخل السوري بشكل فعلي، وخاصةً مع زيادة نسبة الاحتياجات الإنسانية نتيجة العوامل المختلفة، أبرزها الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة، إضافة إلى التخفيضات المستمرة في البرامج الإنسانية والعوامل الطبيعية التي أثرت على النازحين في المخيمات والتي يزداد عدد ساكنيها بشكل ملحوظ”.
واعتبرت المنظمة أن الأمر يطرح تساؤلات عديدة عن مدى فعالية مؤتمرات المانحين، ومعرفة أين تذهب أموال التبرعات المقدمة باسم السوريين.
وبعد أسابيع قليلة، تنتهي حركة دخول المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وهو ما دفع المنظمة المسؤولة عن المنطقة إلى تحذير “كافة الجهات الإنسانية من استمرار عمليات التخفيض في المساعدات الإنسانية ونحذر من الانزلاق إلى مجاعة كبرى لا يمكن السيطرة عليها، كما نطلب من كافة الجهات الدولية العمل على زيادة الدعم المقدم للمدنيين، وخاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي في شمال غرب سوريا وعدم قدرة الآلاف من المدنيين تأمين احتياجاتهم الأساسية من الغذاء”.
الناشط الميداني عبد الكريم الثلجي من ريف إدلب، تحدث لـ “القدس العربي” عن الوضع الإنساني في المنطقة الخارجة عن سيطرة النظام السوري، مشيراً إلى فجوات واحتياجات هائلة هناك، وقال: الوضع الإنساني لا يعتبر مبشراً، ومعظم الناس؛ أي حوالي 98 % منهم، تحت خط الفقر، و90 % منهم تحت خط الجوع، فالنسب مرعبة في هذه المنطقة المعزولة من سوريا، وفق منظمات حقوقية وإنسانية.
ويشتكي الأهالي في إدلب ومحطيها في أرياف حماة وحلب، من تصاعد الاحتياجات وتناقص التمويل، معتبرين أن الفجوة بين التمويل والاحتياج صارت أكبر، بسبب إحجام الكثير من المانحين عن الأزمة السورية، نتيجة طول مدتها ووجود أزمات أخرى في العالم، وغير ذلك من الأسباب.
ومع حلول فصل الشتاء، تحدث الثلجي عن “إشكالية مكررة في كل عام، بالنسبة لغرق المخيمات والأعاصير الهوائية والعواصف التي تؤدي إلى اقتلاع الخيم، فضلاً عن الفيضانات”، مشيراً إلى إشكالية ملكية الأراضي والعقارات وعلاقة ذلك بالمخيمات.
وقال: “هي مشكلة شائكة جداً، لاسيما مع فصل الشتاء، ومن المعروف أن هذه المخيمات مقامة على أراض زراعية، وأصحاب هذه الأراضي صبروا فترة طويلة، لذا كل مدة نجد أن أحد ملاك الأراضي يضطر إلى إجلاء سكان المخيم عن أرضه بسبب احتياجه للأرض، ولهذا يشكل فصل الشتاء مأساة للنازحين من 10 سنوات حتى الآن”.
وبالنسبة للمعابر الإنسانية التي ترزح مفاعيلها تحت التهديد المتواصل وتستند إلى السياسية لا إلى الاحتياجات، حيث سمح مجلس الأمن عام 2014 بعبور المساعدات الحيوية عبر أربع نقاط حدودية مع تركيا، لمساعدة أربعة ملايين شخص في شمال غرب سوريا، معظمهم من النساء والأطفال، يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء بعد سنوات من الصراع والصدمات الاقتصادية وتفشي الأوبئة والفقر المتزايد الذي تفاقم بسبب زلازل مدمرة، لكنه ما لبث أن قلّصها تباعاً، بضغوط من موسكو وبكين حليفتي النظام السوري، لتقتصر على معبر باب الهوى الواقع عند الحدود بين سوريا وتركيا.
ومع أنها شريان حياة لأكثر من 4.1 مليون شخص يعتمدون على المساعدات في منطقة إدلب الكبرى، يقول الكاتب الحقوقي المحامي عبد الناصر حوشان في تصريح لـ “القدس العربي”: “الموضوع يتكرر كل 6 أشهر بالنسبة للمعابر الإنسانية، ونحن دائماً في حالة ترقب، ما يجعل المشاريع قصيرة المدة، وتجبر المانحين على الإحجام عن تقديم المساعدة للملف السوري”.
وأضاف: “من المعروف أن برنامج الغداء العالمي هو المورد الأساسي للمساعدات الإنسانيّة في سوريا، ويعتمد هذا البرنامج في التمويل على التبرعات الحكومية والهبات من الشركات والأفراد، ويتم وضع خطط ربع سنوية للتوزيع واعتمادات نصف سنويّة على قدر توفر السيولة الماليّة، ومن مصارف هذه الموازنة النفقات التشغيليّة والإدارية وثمن السلع وبسبب تذبّذب سعر صرف الدولار وارتفاع ثمن السلع الغذائيّة وأسعار الوقود، الأمر الذي يتسبب بخلل في الخطط، وهو ما يضطر البرنامج لتلافي العجز، والقيام بإعادة تقييم الحاجات والمحتاجين، الأمر الذي ينتهي بتخفيض قيمة السلة وشطب فئات من المستحقّين”.
واعتبر المتحدث أن الحل يحتاج إلى زيادة في التمويل من قبل الممولين، أو تخفيض النفقات الإدارية التي تستغرق جزءاً كبيراً من الموازنة، وإلا فسيؤدي ذلك إلى كارثة إنسانية.
أما بشأن الحصة المرصودة للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، فيقول حوشان “إنها حصة قدرها 18% ولن تتأثر من حيث المبدأ”، معتبراً أن الخطر يكمن في تمريرها عن طريق النظام السوري، ما سيؤدي إلى عرقلة وصولها إلى شمال غربي سوريا، عبر افتعاله مشاكل أمنيّة أثناء مرورها أو سرقتها أو التلاعب بها، وبالنهاية وهو الأهم إغلاق الآلية الدولية لتقديم المساعدات عبر الحدود والتحوّل إلى تقديمها عن طريق خطوط التماس، ومن ثم إعادة تطبيع العلاقات الدولية مع النظام، وتمكينه من ابتزاز المجتمع الدولي مثلما يفعل العدو الإسرائيلي اليوم في غزة.
ولأكثر من عقد من الزمان، يعرقل النظام السوري بشكل منهجي دخول المساعدات الإنسانية الحيوية عبر الحدود، حيث تسمح هذه الآلية التي أنشئت عام 2014 للأمم المتحدة بإيصال المساعدات الغذائية والدواء إلى سكّان المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا من دون الحصول على موافقة النظام السوري الذي يندّد بهذه الآلية ويعتبرها انتهاكاً لسيادته.
القدس العربي