لم يكن الوضع سهلا لامرأة وجدت نفسها محبوسة الأنفاس في بلد مدمر بشكل كامل، سُلبت فيه هويتها وخسرت ذويها وحُطمت على أبوابه أحلامها وطموحاتها التي قُتلت بنار السلاح وقوة العنف المزدوج من السلطة والفصائل المسلحة والقوات الأجنبية التي حطّت رحالها لتقتيل السوريين وتهجيرهم ومنع النظام من السقوط.
عاثت السلطة وأدواتها المتنوعة تدميرا في حقوق النساء وما خلفته ضاعفته الفصائل في مختلف المناطق، وكن الضحايا الأبرز والعصا التي ضُربت بها سورية وقُسّمت بها، فاحتلال أو تدمير أي بلد يكون عبر نسائي أسهل وأسرع، وعانت السوريات الأمرين وعشن الخوف والجوع والفقر والخصاصة وكان حلم الحصول على الرغيف لأطفالهن والمأوى لهن أثناء ليالي الشتاء القارس أكبر آمالهن وقاسين الحرارة ورطوبتها دون أن يُسمعَ لهن صوتا لاخوفا بل صمتا في رحاب بلد مدمر ويأس يحيط بهن من مرارة ماشاهدن من دماء بريئة فُسكت بسبب رأي وموقف ومطلب العيش بكرامة وحرية..
كانت الحرب في سورية أقوى وأشنع حروب القرن الحالي مثل ما وصفتها (الأمم المتحدة)، وكانت التكلفة الاقتصادية لها إلى حدود مارس2021 تقدّر بأكثر من 1.2 تريليون دولار أمريكي وفق الإحصائيات ومن الطبيعي أن تكون قد تزايدت الآن بشكل واضح.
لم تنته الحرب اليوم في سورية وحتى النظام الذي يقوده بشار الأسد اعترف بذلك مؤكدا أن البلد الذي يحاصر بحصار غربي لن يتوقف فيه الصراع إلا بانتهائه لبناء “وطن جديد”، متناسيا أن تلك الخطوة لتتحقق يلزمها تغيير سياسي شامل وانتخابات حرة ونزيهة تشارك فيها المعارضة الوطنية التي لازالت تحمل مشروعها السياسي بين ذراعيها ومؤمن بثورتها برعم سياسة التجويع والتركيع الاذلال التي كانت النساء أول ضحاياها.
لن يكون عاما واحدا كافيا لسرد ماعاشته النساء في سورية، فالظلم والقهر والتجويع كانت سياسات النظام ووسائله لطمس هوية السوريات وقتل أحلامهن، وبرغم ذلك تمسكن بالصبر والصمود لانتصار ثورتهن وتحقيق مطالبهن المشروعة التي كانت الكرامة والحرية والعيش ضمن بلد ديمقراطي أولهن.
وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 239 سيدة سورية بأعمال عنف على اختلاف مناطق السيطرة خلال العام 2023، توزعت ظروف مقتلهن على النحو الآتي:
– 1 تعذيب في سجون النظام
– 11 رصاص عشوائي واقتتال
– 6 غير ذلك
– 2 على يد الجهاديين
– 10 على يد الفصائل
– 8 بظروف مجهولة
– 23 بمخلفات الحرب
– 28 برصاص وقصف بري للنظام
– 77 بجرائم قتل
– 10 بتردي الأوضاع
– 6 بقصف روسي
– 1 تحت تعذيب على يد الفصائل
– 1 على يد تنظيم الدولة الإسلامية داعش
– 1 بقصف إسرائيلي
– 5 بقصف تركي
– 1 على يد الجندرما التركية
– 38 بانفجار ألغام وعبوات ناسفة
– 6 برصاص مجهولين
– 3 على يد قسد
– 1 إعدام ميداني
وضع اجتماعي هش
تتعايش السوريات وسط وضع مأساوي صعب نتيجة استمرار الصراع المستمر منذ 23 عاما، ويكابدن مر الحياة التي يحاربن من أجل العيش، وقد اضطررن بعد فقدان المعيل على الخروج للعمل وتحمل الحرارة والبرد والاستغلال المضاعف من المشعل علاوة على التحرش والاستغلال الجنسي من قبل بعض البارونات الذين تفننوا في تذليلهن والمتاجرة بهن ودفعهن إلى العمل لساعات طويلة بأجور زهيدة برغم علم هؤلاء المتحكمين في السوق بالغلاء الفاحش للمدينة وتضاعف الأسعار بسبب الحرب.
لايمكن الإنكار أن النساء هن الحلقة الأضعف في أي معادلة، وتتعرض لكل أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي من المجتمع ذاته وحتى الأسرة والدولة طبعا التي لم تعد تٌفرقُ بين مختلف الفئات.
عاشت السوريات أبشع أنواع الاستغلال نتيجة الصراع الذي تم تسليحه، وكن طرفا تحارب به الدولة خصومها في ضرب لكل الاتفاقيات الدولية التي تُجبر الدولة على احترامها للنساء، ومع آلة التهميش والقتل والاستهداف المباشر تحاولن التمسك بأمل التغيير ببناء البلد الآمن لهن والمؤسسات التي تحترمهن وتحميهن من كل أشكال العنف والاستغلال.
عنف مستمر
تحكي أرقام المرصد السوري لحقوق الإنسان المنشورة أعلاه العنف الذي عاشته السوريات خلال العام 2023 فبين العنف الثقافي والهوياتي والاقتصادي والنفسي والجنسي والاسري يتأرجحن، وباتت اللقمة الأسهل لتصفية الحسابات السياسية الضيقة ومحاربة الخصم وكن ضحايا للايجار بالبشر من قبل عصابات منظمة وحتى الدولة نفسها التي تعتبر شريكة في تلك الجريمة الشنعاء التي تستهدف النساء وقد نبهت من خطورتها على تماسك المجتمع المنظمات الحقوقية والهيئات الأممية.
وكان للزلزال الأخير الأثر الأكبر على حياة واستقرار النساء حيث زاد معانتهن ووجدت المئات منهن نفسهن مفترشات الشوارع دون مأوى يحميهن ولا معيل يضمن قوتهن، وعانين الأمرين نتيجة تواكل المجتمع الدولي عن دعمهن وعدم مقدرة الدولة اللواتي يقمن فيها كمواطنات على توفير المسكن والملبس والمأكل، مشهد مؤلم تتعايش معه النساء منذ الزلزال المدمر.
الأمية تفتك بهن
لم يقع وقع الحرب على معيشتهن فقط بل كانت أبرز أسباب خلق قرابة جيل كامل من الفتيات أميات لا يجدن القراءة والكتابة وهن من أُجبرن على مغادرة مقاعد الدراسة بسبب اشتداد الحرب وانهيار المدارس والجامعات وتوسع دائرة العنف التي طالتهن، فلا تستغرب أن يسقط الصف فوق طلابه بقصف روسي أو تركي أو إيراني أو أمريكي أو بقصف النظام والفصائل المسلحة، فضلا عن عدم التمكن من توفير الأدوات المدرسية والكتب بسبب غلائها وندرتها أحيانا خاصة في تلك المناطق المحاصرة أو تلك الخارجة عن سيطرة كل قوانين حقوق الإنسان.
أُجبرت الفتيات على الانقطاع عن التمدرس طيلة سنوات الصراع وبتن اليوم نساءً أميات، مايُحتم علينا كمنظمة حقوقية إطلاق صرخة فزع للهيئات الأممية للتسريع بإيجاد الحلول لهذا المطب الذي وقعت فيه الشابات السوريات بسبب أكبر حروب القرن الحالي.
ولا يمكن أن ننسى أنه لا يمكن بناء وطن ومؤسسات دون شعب متعلم، ويجدد المرصد السوري دعوته للهيئات الأممية إلى مراعاة الوضع في سورية وخصوصيته، والتسريع بإعادة تهيئة المدارس والبنية التحتية لضمان عودة آمنة للطلاب.
معتقلات في السجون
برغم عدم إيلاء موضوع المعتقلات في سجون النظام وحتى الفصائل الأهمية القصوى من قبل المنظمات الدولية، إلا أن آلاف المعتقلات تقاومن وسط ظروف إيقاف واعتقال سيئة، وهن الضحايا اللواتي يدفعن ثمن أصواتهن الحرة وثمن وقوفهن مع الثورة وبتن أيضا منبوذات ومتهمات من المجتمع وهن من تغذت أجسادهن الهشة من سياط الحقد والكره والغل فكابدن كل أنواع الانتهاكات الجسيمة التي وصلت ببعضهن إلى الموت.
عاشت المعتقلات أشد أنواع التعذيب بأساليب مختلفة وبتن كأنهم” فرائس لحيوانات ضارية”، أو لأشخاص نزعوا جلباب الإنسانية ولبسوا قناع العنف والتقتيل فقط للبقاء في السلطة.
وحتى أطفالهن كانوا وسائل ضغط لتركيعهن واذلالهن،.
قوانين غير عادلة
برغم ترسانة القوانين التي ناضلت من أجلها السوريات إلا أن الحرب قد عرت التقصير الفاضح لتلك التشريعات التي لم تكن عادلة معهن، وقد زادت العقلية البطريكية الذكورية الطين بلة تفسر العلاقة الضبابية بين القوانين(الدولة)، والنساء فضلا عن تلك العادات والتقاليد البالية التي تظلمهن وتحد من حريتهن واستقلاليتهن.
ومع تشدد التحكم والعنف الأمني والبوليسي عانت النساء الكثير لكنهن التزمن الصمت ولم يستطعن الدفاع عن حقوقهن أو حتى تطويرها نتيجة الصراع القائم وآلة العنف التي استهدفتهن بشكل مباشر.
المرصد السوري يجدد الدعوة إلى المحاسبة
في ظل عدم وضوح رؤية حول آفاق حل الأزمة السورية وسعي كل الأطراف إلى تحقيق أقصى قدر ممكن من المكاسب، فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان يجدّد دعوته للمنظمات الدولية المعنية إلى التدخل على الفور لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتحسين أوضاع المرأة السورية، والعمل على تحسين وضع المرأة الذي يتردى من سيئ إلى أسوأ بشكل شبه يومي.
ويؤكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن استعادة سورية وبناءَها من جديد لا يمكن أن يتم إلا بمشاركة المرأة التي تُعد ركنًا أساسيًا في إعادة بناء المجتمع السوري، لكن في ظل انتشار الفقر والبطالة والجهل، فإن فرص إنقاذ ما تبقى من المجتمع السوري تعد ضئيلة للغاية، وهو وضع يحتم على الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الالتفات إلى معاناة جزء من البشرية وبذل المستطاع لإنقاذه من براثن الخوف والجوع والتشرد والضياع.
ينــوه المرصــد الســوري بــأن جميــع المعلومــات والتوثيقــات المذكــورة فــي هــذا التقريــر هـي حتـى تاريـخ نشـره فـي 24 كانون الأول/ديسـمبر
المرصد السوري لحقوق الإنسان