د. كمال اللبواني
كما أن الغرب ليس له مصلحة بإسقاط النظام ، وتلكأ كثيرا في تقديم المساعدة للثورة خوفا من نمو قوى التطرف في مكانه ، نحن أيضا كثورة ليس لنا مصلحة بحرب التطرف لصالح بقاء النظام، بل مصلحتنا هي اسقاط النظام و والتطرف معا وكليا .. وعليه نقول للغرب الذي يدرس احتمال الشراكة مع الأسد للحرب على الارهاب… نقول له كما قال اليهود لموسى : اذهب أنت والنظام وحاربا ( الارهاب ) إنا هنا قاعدون …
إن الخيارات التي طرحها الغرب على الثورة السورية كانت دوما خيارات لا تحترم تضحيات هذا الشعب ولا ارادته ولا كرامته ولا دماء شهدائه …. وسلوك الغرب هذا كان بمثابة الوقود الحقيقي لنمو التطرف والتشدد ، وصولا للتكفير والارهاب الذي تحول لتنظيم ثم دولة ثم خلافة على عين ومرأى الجميع الذي اكتفى بالتفرج .. اليوم فقط تعيد الدول الغربية حساباتها مرغمة وتقفز فوق كل منطق ، وتنسى سبب المشكلة ، وتعالج الداء بالتي كانت هي الداء ، أي تعالج مصائب النظام بإطالة عمر النظام ذاته ، وجرائمه بالمزيد من دعم المجرمين القائمين عليه ……..
خلال ثلاث سنوات مضت رفضت القوى الغربية ممارسة أي ضغط معنوي أو مادي لإجبار النظام على الرحيل ، وكان ذلك سهلا ومتاحا منذ الأسابيع الأولي للثورة … بل فضلت اعتماد سياسية الانهاك والاستنزاف المديد للجميع عبر موازنة الحرب بالتوافق الضمني مع موسكو على تعطيل المنظومة الدولية ، على أمل أن تستلم الدول العظمى هذه المنطقة في حالة صفرية طيعة لمصالحها واراداتها ، لقد شعرت هذه الدول بسعادة غامرة عندما ضرب الجيش السوري الشعب السوري ودمر المدن ، فتداعى هذا الجيش وخسر وتفكك واستهلك كل سلاحه على شعبه ، وسعدوا عندما تنادى المجاهدون للحرب في سوريا أملا في الخلاص منهم على أرضها ، وشعروا بسعادة أكبر عندما قرر حزب الله خوض الحرب عليهم أيضا في سوريا ، واعتبروا سوريا ورقة استنزاف لاقتصاد ايران المترنح … ودفع الشعب السوري ما لم يدفعه شعب في العالم نتيجة هذه السياسة …
لكن هذه الدول وجدت نفسها أخيرا في ورطة بعد أن امتلأت ساحات الدمار والجوع والخراب بمنظمات جهادية عالمية جذبتها رائحة الدم والدخان والمجازر الوحشية وعويل النساء الثكلى، الذي حرض نزعات كثيرة لنصرة هؤلاء الضحايا الذين تخلى عنهم العالم عن عمد وسابق تصور وتخطيط وبتفاهم وتناغم دولي … وهذا كله لم يكن خافيا علينا ، بل أقر به ديبلوماسيون أمريكيون خدموا في هذا الملف مثل وزير الدفاع الأمريكي ، وفردريك هوف و السفير فورد وغيرهم …
اليوم يتنطح الأغبياء من وكلاء الغرب في المعارضة السورية للحرب ضد التطرف ، ولا مانع عندهم من مشاركة النظام في هذه الحرب (ونحن نسأل متى كان هذا النظام يحارب التطرف، وكم هو بعيد عن نشوء هذه الحركات المشبوهة وعن سلوكها ) ، هؤلاء الوكلاء من قادة المعارضة يتناسون جرائم هذا النظام الذي دمر كل البلاد وهجر العباد، وأوجد المناخ المناسب لمنظمات الجهاد .. ، ويلهثون وراء المصالحة معه وشراكته في السلطة ، بعد أن خسروا السلطة حتى في المناطق المحررة وتبدد كل جنودهم واتباعهم بسبب سلوكهم ، وصاروا يحلمون بتشكيل جيش وطني بديل عن الثورة يأتمر بأمرهم ، ويتشكل فقط بقوة المال في الخارج ، لكي يحارب في الداخل ، ويحملهم للسلطة ، وكأن جيش المرتزقة هذا سيحارب ولا يبيع سلاحه بمجرد دخوله الحدود .. بل قبلها كما فعل الجيش العراقي المرتزق في الموصل عند سماعه أول طلقة . فتنهار الفرق العسكرية المدججة في يوم واحد أمام هجوم 1500 مجاهد ؟؟؟؟؟
وبسبب طرح هذه المقاربات التي تتصف بالقذارة الأخلاقية والانحطاط العقلي … تفضل معظم القوى الوطنية أن تبتعد عن الساحة السياسية ، ويفضل العسكريون الوطنيون عندما يقطع عنهم الدعم ، أو يقعوا بين فكي كماشة ، تسليم الجبهات لقوى التطرف ومبايعتها ، وهو ما تكرر ويتكرر في الجبهة الشرقية ويخشى انتشاره بسرعة وبشكل دراماتيكي للجبهة الشمالية التي تستغيث ، و كذلك الجنوبية التي تنتظر .. بعد أن حاربت هذه الجبهات حربا ضروسا ضد الطرفين ( داعش والنظام ) لدرجة الانهاك، واستنزفت كل قوتها ، في الوقت الذي قطع عنها الدعم على أمل أن تستسلم للنظام ، ففهمت الرسالة وصارت تفضل الاستسلام للمتطرفين .. الذين ندرك جميعنا أنهم لن يستقروا في الحكم .. فهم ظاهرة عنف مشروطة بظروف الحرب ، وهكذا أصبحت خلافة البغدادي أكثر قبولا عند الحاضنة الاجتماعية السنية من احتلال ولاية الفقيه على يد شبيحة بشار ونصر الله، مع أنه لا يجب أن يكون هذا الاختيار مطروحا من أصله . فالشعب السوري يستحق غير هذا وذاك .
ما يجب أن يكون واضحا للجميع أن أغلبية الشعب السوري ( العرب السنة ) والتي عانت ما عانت من النظام قد تسلم لأي قوة أخرى .. ولكنها لن تسلم للنظام الذي يخوض ضدها حرب ابادة ومحو هوية ، وخيار بقاء النظام أو التحالف معه يعني انحيازها الطبيعي والتلقائي لصف قوى التشدد لمجرد أنها تحفظ لها وجودها على أرضها ، والامعان والتمادي في سحق المدنيين واذلالهم بحجة الحرب على الارهاب ، سيجعل المزيد والمزيد من الشبان يتطوعون في صفوفها ، والكثير من المتطوعين يهاجرون لنصرتها … فهكذا استراتيجية تصب الزيت على النار ، وهي سياسة مدمرة لكل المنطقة لأنها تريد استبدال شر بشر ، ومعالجة جريمة بجريمة ، وعلاج مرض بحقن جرعة أكبر من العامل الممرض .
إنه خيار العاجزين السلبيين الذين رفضوا أن يفهموا التاريخ ، وأن يحترموا ارادة الشعوب ، و يلتزموا بتطبيق القانون الدولي ، وتخلوا عن مسؤولياتهم ، وصاروا يشترون مشكلة بمشكلة، ومصيبة بمصيبة، بينما تتدهور المنطقة نحو خراب شامل ، وكل ذلك بفضل سياسة الولايات المتحدة التي عطلت كل حل ايجابي ، واصرت على تلزيم المنطقة للوكلاء الذي عاثوا فيها ، فدفعت المنطقة وشعوبها الثمن الباهظ .. لكي لا نقول أنه نتيجة المكر والخبث الذي انقلب على صاحبه وفاعله … وبسبب الامعان في هذه السياسة التي لا تحترم قيمة ولا حق ولا خلق ولا نظام عالمي … نتوقع أن تتفجر أغلب المجتمعات العربية والاسلامية تباعا ، والتي تداس كرامتها عن عمد وسابق اصرار ، وبشكل عنصري استفزازي ، وتختزن في وعيها صور أبنائها الذين يتعرضون لكل أنواع القتل والتعذيب وسط بلادة عالمية مشبوهة بل حاقدة وعنصرية بامتياز .
نحن عندما نسمع شعار الحرب مع بشار ضد الارهاب ، نسأل هل يوجد ارهاب أبشع مما فعله بشار بنا ؟؟؟… ولماذا لم يحارب ارهاب واجرام بشار ونصر الله وخامنئي …. إنه الشعار الذي سيفقد الكثير من الشباب العرب والسنة توازنهم وصبرهم ، ويدفع بهم للانخراط في الحرب ضد هذا الحلف … حتى لو كانت هذه الحرب تحت أمرة خليفة المؤمنين الجديد الذي طلب البيعة لنفسه والهجرة إليه مستفيدا من هذه السياسة الحمقاء . فالغرب بغبائه وقصر نظره يقدم له كامل الفرصة لكي يصبح هو المدافع عن كرامة الأمة المهانة ….
نذكركم جميعا بأن بشار قتل نصف مليون انسان ، وشوه مليون وهجر عشرة ملايين وتسبب بدمار سوريا وتفكيكها .. وبعد ذلك تريدون التحالف معه … فتصبحون شركاءه .. فيبايع بقية الناس الخليفة الجديد والمنقذ الوحيد .. ما هو المشروع الذي تقدمونه للناس لكي يتجمعوا حولكم وينبذوا التطرف ؟؟
في مواجهة هذا العقم العقلي والتفاهة السياسية والانحطاط الخلقي .. نعيد ونكرر أنه ليس هناك أمام الغرب كبشر متحضرين سوى خيار وحيد، وهو الانخراط الفاعل مع الشعوب وقواها الحقيقية في محاربة كل أنواع الاستبداد والفساد والجريمة والتطرف ، ومساعدتها على تطوير نظمها السياسية والاقتصادية والثقافية بما يتناسب مع هويتها وتراثها ومع الحضارة الانسانية ، وهذا الخيار مكلف ومتعب وطريقه طويل، لكنه هو الوحيد الذي يحل المشكلة في المنطقة ، التي عانت كثيرا بسبب التدخل السلبي للقوى الغربية التي استعمرتها واستنزفتها وشوهت تطورها الطبيعي منذ قرون . وجاء الوقت لكي تعوَّض بعض ما سلب من خيراتها ، و يرد لها جزءاً من جميلها الكبير على الحضارة .. كفى سياسات قصيرة النصر ولا تريد أن تدفع شيء . وكفى مراكمة أزمات وتأجيل حلها ….. وكفى تذاكي بضرب الناس ببعضهم البعض في هذه المنطقة .. إنكم تسلكون طريق الفتنة والخراب الذي سيطال الجميع .. فالبلاء دائما يعم .. والعالم أصبح قرية صغيرة ، و ارادة الشعوب لا تهزم لكنها قد تغير وسائلها .. وشباب سوريا الذين خرجوا لقتال النظام سيستمرون في ذلك حتى لو تبدلت الرايات ..
أنتم من تزرعون الصداقة أو العداوة وأنتم من تحصدون … ولكم أن تتحالفوا مع كل مستبد فاسد مجرم في المنطقة ، ولنا أن نقاتله بكل الوسائل الناجعة . فالثورة لن تهزم بإذن الله … لكن طريقها قد يطول ويختلف ، ولن يستقر التخلف والارهاب في منطقتنا ليس بسببكم ولا بحربكم التي تقويه منذ غزو أفغانستان ، بل بإرادتنا نحن شعوب هذه المنطقة … أصبح واضحا لكم تغير الولاءات السريع وتحركها حسب مقتضى الحاجة ، فالثورة التي حرمت من تشكيل قيادة حقيقية لها .. تمتلك قدرة كبيرة على المناورة .. و لن تحارب حاليا سوى النظام ، وبعده لكل حادث حديث . والحرب على الارهاب لا تعنيها من دون اسقاط النظام ، نقول ذلك قبل أن تبددوا المال والوقت على مشاريع فاشلة سلفا .. فالمرتزقة ليسوا بديلا عن الشعب ..