عاد القسم الأكبر من النازحين اللبنانيين من أهالي عرسال الذين غادروا البلدة إثر المعارك العسكرية بين الجيش اللبناني والجماعات المتشددة، إلى منازلهم أمس، حيث تواصل الهدوء في مختلف أحيائها، وبسط الجيش اللبناني سيطرته على كامل منطقة تلة السرج الواقعة على مدخل البلدة الغربي، كما عزز مواقعه العسكرية، من غير حصول أي خرق على مستوى الإفراج عن العسكريين المخطوفين لدى الجماعات السورية المسلحة.
وفيما أعرب قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي، أمس، عن قناعته بأن الجنود المخطوفين «باتوا خارج البلدة»، قالت مصادر مطلعة على أجواء المفاوضات مع الجماعات المسلحة لـ«الشرق الأوسط» إن العسكريين المخطوفين «توزعوا على أربعة فصائل عسكرية سورية متشددة كانت تقاتل الجيش اللبناني داخل عرسال، بعدما كانوا بيد خاطف واحد»، مشيرا إلى أن المعلومات التي ترد من التلال الحدودية مع سوريا تفيد بأن الخاطفين «عمدوا إلى توزيع العسكريين المخطوفين بهدف رفع مستوى مطالبهم من الدولة اللبنانية، وتحقيق أهداف لهم»، مؤكدا أن تلك الفصائل «ترفع سقف شروطها».
وكان الجيش اللبناني اعلن فقدان الاتصال بـ22 عسكريا يُرجح أنهم محتجزون لدى المجموعات المسلحة، قبل أن تنجح وساطة «هيئة العلماء المسلمين» في لبنان في الإفراج عن ثلاثة من عناصر قوى الأمن، وثلاثة من عناصر الجيش اللبناني، يوم الأربعاء الماضي. وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن الفصائل الأربعة هي «جبهة النصرة» و«داعش»، إضافة إلى فصيلي «أحرار القلمون» و«الكتيبة الخضراء»، علما بأن الفصيلين الأخيرين «لم يعرفا أثناء المعارك». وأشارت المصادر إلى «صعوبة الاتصال بالجهات الخاطفة نظرا للعوائق اللوجيستية، كونهم يقيمون في الجرود (التلال المرتفعة) الحدودية مع سوريا، بالإضافة إلى تعدد الجهات التي يجري التفاوض معها».
فيما ذكرت وكالة رويترز أن متشددين إسلاميين يحتجزون 19 جنديا لبنانيا أسروهم أثناء توغلهم في لبنان وأنهم طالبوا بالإفراج عن سجناء إسلاميين مقابل إطلاق سراح الجنود الأسرى. وقال قائدان عسكريان قريبان من الجماعة التي تحتجز الجنود في مكالمة هاتفية إن المطالب أرسلت للحكومة اللبنانية والجيش الذي طرد المسلحين من بلدة عرسال الحدودية أول من أمس الخميس بعد قتال استمر عدة أيام.
ونقلت الوكالة عن مصدر أمني لبناني أن المتشددين قدموا أسماء نحو 20 متشددا إسلاميا محتجزين وطالبوا بالإفراج عنهم. وقال أحد المتشددين: «الأمر بسيط.. جنودهم مقابل الرهائن الإسلاميين».
ولفتت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إلى أن شروط الفصائل الخاطفة «متعددة بحسب مصالحها»؛ ففي حين يشترط تنظيم داعش إطلاق الموقوف أبو أحمد جمعة الذي أوقفه الجيش يوم السبت الماضي ما تسبب في الهجوم على مراكز الجيش، يشترط تنظيم جبهة النصرة إطلاق سجناء إسلاميين من سجن رومية، لقاء الإفراج عن العسكريين لديها، فيما اشترط أحد الفصائل «توفير ضمانات لسوريين من النازحين كانوا قاتلوا في صفوف المجموعات المسلحة ضد الجيش، قبل أن يرموا سلاحهم ويعودوا إلى المخيمات لاجئين».
وكانت معلومات تحدثت عن أن عضو هيئة العلماء المسلمين الشيخ سميح عز الدين كان يتولى الاتصال بين الطرفين. لكن مصادر هيئة العلماء المسلمين، قالت لقناة «LBCI» إن التواصل مع المسلحين يجري بطريقة غير مباشرة عبر وسيط سوري وهو شخصية دينية لها احترامها لدى «داعش» و«جبهة النصرة». وأكدت المصادر أن الوسيط سينقل لائحة مطالب إلى العلماء المسلمين الذين سيسلمونها بدورهم للسلطات اللبنانية.
بدوره، أكد قائد الجيش العماد جان قهوجي، في تصريح له بعد انتهاء الاجتماع الأمني في السراي الحكومي، أنه على قناعة بأن «الجنود المخطوفين باتوا خارج عرسال ونحن دخلنا إلى البلدة». وأشار إلى أننا «بحاجة إلى طائرات لمكافحة الإرهاب وممنوع على أحد أن يمنعنا من دخول إلى عرسال»، مشددا على أن «الهبة السعودية كفيلة بتسليح الجيش بمواجهة الإرهاب».
ودخل الجيش اللبناني منطقة السرج بكاملها أمس، وبدأ السكان النازحون العودة إلى منازلهم. وقال المختار عبد الحميد عز الدين لـ«الشرق الأوسط» إن المنطقة «منكوبة، وتشهد على الدمار والمعارك»، لافتا إلى عودة الحركة إلى الشارع بعد خمسة أيام على المعارك.
وبدأ أبناء عرسال يزيلون الركام وحطام الزجاج من أمام منازلهم ومحلاتهم، محاولين بصعوبة استعادة حياتهم العادية التي كانت لأيام عدة رهينة لجماعات متشددة. كما شهدت عرسال ازدحاما عند مداخلها لقوافل سيارات العائدين إليها من أهلها الذين نزحوا منها قسرا وترهيبا من المسلحين الذين عاثوا في بلدتهم قتلا وفسادا ونهبا وتنكيلا. وفيما اختفى المسلحون من الشوارع، ذكرت وكالة «الصحافة الفرنسية» أن قناصين فتحوا النار على سكان من أهل البلدة كانوا عائدين إليها، ما أجبرهم على العودة من حيث أتوا، فيما رد الجيش المنتشر على مداخل البلدة بإقفال الطرق حفاظا على سلامة المواطنين. وأدت المواجهات بين الجيش والمسلحين الجهاديين في عرسال إلى مقتل 17 جنديا وعشرات المقاتلين الجهاديين والمدنيين بين السبت والأربعاء قبل التوصل إلى تسوية إثر تدخل من جمعية علماء المسلمين.
وعلى خط عودة اللاجئين السوريين في عرسال إلى بلادهم، قالت الراهبة انياس المقربة من النظام السوري إن «مجموعة أولية تعدادها 350 شخصا استطاعت عبور الحدود إلى سوريا»، وهم من أصل 1700 لاجئ ينتظرون العبور إلى سوريا، مشيرة إلى «مشاكل إجرائية لأن عددا من الأطفال ولدوا في لبنان ولم يجر تسجيلهم في سفارة سوريا في بيروت». لكن السلطات السورية أعادت النازحين السوريين الذين عبروا الحدود عبر نقطة المصنع، بحسب ما ذكرت قناة «إل بي سي» اللبنانية.
وكان مسؤول في أجهزة الأمن اللبنانية أعلن مساء الخميس أن أكثر من 1500 لاجئ سوري في عرسال الواقعة على الحدود مع سوريا، يتوجهون نحو مركز المصنع الحدودي للعودة إلى بلادهم.
وأكدت الراهبة أن «1700 على الأقل من الرجال والنساء والأطفال غادروا ضواحي عرسال عائدين إلى سوريا»، مشيرة إلى أنهم «جميعهم تقريبا من القلمون وخصوصا من بلدة قارة». وأوضحت الراهبة التي قامت في السابق بوساطات بين النظام والمتمردين، أن «السلطات اللبنانية ساعدت في تسهيل إجراءات الخروج للاجئين» الذين دخلوا البلاد بطريقة غير قانونية، نافية أن يكون النظام وضع عقبات أمامهم.
الشرق الأوسط