الأهمية الاستراتيجية لمعركة الزبداني

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

البعض ينظر للمعركة الجارية حاليا في الزبداني وكأنها معركة أهلها وحدهم ، والبعض ينظر للمعركة وكأنها معركة على السلطة فيها بين المعارضة والنظام ، والبعض ينظر للمعركة كمباراة اعلامية وأكشن إخباري ، أو كمبارزة في الرجولة والثبات بين فريقين يتنافسون على إثبات الذات … ولكنها في الواقع هي أكبر من ذلك ، فهي معركة على الوجود في تلك الأرض ، وجزء من معركة سوريا كلها التي يتم قضمها من الغرب والشمال والجنوب ، وتحويلها من دولة واحدة ذات هوية تتبع هوية الأغلبية ، لدويلات طائفية ، عن طريق تقليص حجم ومساحة وعدد سكان ما يتبقى من العرب السنة في المنطقة بهدف تحويلهم لأقلية منعزلة في الصحراء يوصفون بالداعشين …

معركة الزبداني هي استكمال لمعركة حمص والقصير ورنكوس نزولا على طول الحدود اللبنانية ، لتأمين مساحة كافية محاذية للبنان تقوم عليها دولة تابعة لولاية الفقيه يحكمها حزب الله السوري ، وتشمل القلمون كله وما يمكن السيطرة عليه من مدينة دمشق وحمص . فالمعركة هي معركة رسم حدود لدول جديدة، ومعركة وجود بالنسبة للعرب السنة في المنطقة وبشكل خاص بالنسبة لأهل الزبداني وقراها وبالتالي لدمشق … كما كانت بالنسبة لأهل القصير وحمص … ولولا تعمد قتل السكان وتهجيرهم واستبدالهم ، ولو كانت معركة على سلطة فقط ، من دون التغيير الديمغرافي والاجتماعي لقلنا أنها في سياق أبسط من ذلك بكثير .

المعركة على السلطة قد خسرها النظام منذ السنة الأولى فالزبداني أول مدينة تحررت منه ، والمباراة والمبارزة في المراجل والبطولة فاز بها شباب البلدة ، لذلك تحولت لمعركة ضد السكان ذاتهم تستهدف وجودهم … و حزب الله الجبان نوعيا ومعنويا ، مستعد لدفع أي ثمن مقابل السيطرة على هذه المنطقة ، وهو ما يزال قادرا على ارسال المزيد والمزيد من القوات القادمة من مكان بعيد والتي لها مصادر غير محدودة للسلاح والعناصر ، بينما أهل البلدة ذات العدد السكاني الصغير نسبة للمساحة الجغرافية ، لا يستطيعون رغم تفوقهم المعنوي تأمين الموارد العسكرية المقطوعة عنهم منذ ثلاث سنوات بقرار أمريكي عربي، ولا تعويض الخسائر البشرية … فالزبداني هي المدينة الوحيدة في سلسلة جبال كبيرة تحيط بها . ومن دون دعم من باقي المناطق لا تستطيع تأمين التوازن الاستراتيجي مع القوات المهاجمة التي تحاول السيطرة على المنطقة وتهجير سكانها واستبدالهم، وليس فقط التحكم بالسلطة فيها .

عدد سكانها الأصلي لا يتجاوز عشرات الآلاف ( 30-40 )، والذين تشردوا في القرى المحيطة أو في لبنان أو بقية دول المهجر . وهي مدينة مهجورة تماما بعد ثلاث سنوات من القصف المستمر … والنظام يحيطها بأكثر من 200 موقع عسكري مطل عليها في الجبال ومسيطر على طرقاتها ، وما تبقى من بلدة قديمة وسهل زراعي لا قيمة عسكرية له … تتطلب خوض كل تلك المعركة ، لولا أن النية هي استئصال ما تبقى من المقاومة ، وبالتالي الوجود العربي السني ، واستجلاب سكان آخرين من طوائف وقوميات أخرى ، كما حدث في القصير …

الوضع العسكري الحالي حتى الآن هو صمود بطولي للمقاتلين وتكبيد المهاجمين خسائر كبيرة ، لكن استمرار هذا الصمود يتطلب تقديم عون مباشر بالعتاد ، ونظرا لعدم وجود اتصال جغرافي بالمناطق المحررة ، فالمصدر الوحيد هم تجار السلاح ولديهم القدرة والكميات والطرقات، لكن هذا يتطلب ارسال الأموال للمدافعين بشكل عاجل وفوري ، وأبعد من ذلك يجب السعي لتعزيزهم بعدد إضافي من المقاتلين من المناطق المجاورة ، وخاصة من ريف دمشق ، وفتح معبر اتصال مع الغوطة الشرقية والغربية ، و يمكن تأمين متطلباتهم من العتاد من مستودعات جيش الإسلام خارج دوما المليئة بالعتاد الذي لم يستعمل . ويمكن تخفيف الضغط عن المدينة بتدعيم جبهة القلمون الشمالي ووادي بردى . وهذا يتطلب ادارة عسكرية أوسع وأشمل للجبهات في المنطقة ، وهو ما نفتقده بشدة نظرا لتغيب أركان الجيش الحر عن العمل ، ولاهمال تنسيق العمل المشترك في أركان الجماعات الاسلامية …

خسارة الزبداني ستعني قيام دويلة حزب الله في سوريا ، وتعني خسارة القلمون وحمص وجزء من دمشق لصالح ايران … فالمعركة لذلك يجب أن تحظى بالاهتمام المطلوب … نظرا للقيمة السياسية الهائلة لنتيجتها العسكرية … وهذا ما نحاول منذ فترة طويلة لفت نظر بعض الدول الصديقة المعادية للنفوذ الإيراني إليه . وهناك تطور ملحوظ في اهتمامهم ومتابعتهم ، وبجهود فردية وشخصية . نظرا لغياب أي دور للمعارضة الخارجية المتلهية بالوشم على مؤخرتها الذي رقمه الاعتراف الدولي كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري ، قبل أن يجلسها على كراسي المعاقين ذوي الاحتياجات الخاصة لتحركها الدول الممولة كيفما تشاء .

المطلوب لهزيمة هذا المشروع ( التقسيمي الاستيطاني ) ليس أكثر من منع استتباب الأمن لحزب الله في المنطقة واجبار العدو الغازي على التحصن في مراكز خاصة ، أي المطلوب هو استمرار المقاومة فقط ، وهذه الاستراتيجية التي ننصح بها في حرب القلمون ، بعد خسارة حمص والقصير بسبب اعتماد استراتيجية الجبهات ، فعالة ويمكن ادامتها بالقليل من الاهتمام والدعم ، وقد أثبتت التجربة فعاليتها ، وتفهمت الدول الجارة هذه السياسة لأنها ترى فيها جبهة استنزاف واشغال لحزب الله بعيدة عنها وعن الحاضنة السكانية … وهي تختلف عن الشمال حيث استطاع الانفصاليون الكرد فرض سلطتهم الكاملة واقامة مؤسساتهم ، و البدء باحداث التغيرات الديموغرافية والسياسية المطلوبة لاقامة دولتهم ذات اللون الواحد ، تحت دخان التمويه الاعلامي ، بسبب غياب المقاومة ، وسهولة ترحيل السكان ذوي الأصول البدوية ، ووجود سكان كرد في المنطقة موالين لمشروع الدولة القومية الكردية، بينما لا يوجد في طول القلمون وعرضه حاضنة مجتمعية لحزب الله … وعليه أن يفرض الأمن والسيطرة عسكريا قبل أن يتمكن من استقدام السكان من لبنان وايران والعراق وأفغانستان … وبسبب ذلك ونظرا لمعرفتي بأهل المنطقة فأنا متفائل من قدرتهم على ادامة المقاومة المتحركة ، مهما تغيرت جبهات القتال … لأنهم ليسوا بدوا رحل بل يعشقون أرضهم ومستقرون بها لدرجة أن كل بستان وصخرة وحتى شجرة لها اسم علم خاص بها … تناقلته الأجيال … قبل أن تعمّدها دماء الشهداء الذين قضوا دفاعا عنها فحملت أسماءهم أيضا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.