ماذا فعل بنا بشار ؟

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

بالمقارنة مع نظام صدام في العراق الذي دمر العراق على يد الاحتلال الأمريكي ، بسبب العناد الذي سماه رجولة ، فإن بشار قد خرب سوريا أيضا ودمرها فوق رأس شعبها ، لكن على يد جيشه وقواته هو ، وبدافع خسيس ودنيء وصبياني … وكما انتهى صدام وأسرته على يد الأمريكان ، سينتهي بشار أيضا وعائلته لكن على يد أتباعه ذاتهم وبأبشع الطرق .

صدام حارب ايران والأمريكيين وهزم ومات وترك العراق بأسوأ حالاتها عصية على الاصلاح من بعده … بينما بشار الذي لم يمت بعد قد وضعنا وقبل موته جميعا ضمن سجن محكم بجدران لها آذان ، و بعد الثورة عليه أطلق علينا النار ، واعتقلنا وعذبنا ، ثم قصف مناطقنا التي خرجت عن سيطرته بالبراميل واستعان بالإيرانيين والأمريكيين والارهابيين لقتلنا … لكن هذا الوجه السلبي ، لا يجب أن يخفي عن أعيننا وجها آخر يؤكد المبدأ الذي يقول بوحدة وتناقض الأضداد …

ولكي نتكلم خارج القطيع الذي يعدد سلبيات المجرم قبحه الله ، سنتحدث بشكل استثنائي ونعدد بعض الميزات التي تمتعنا بها بسبب بشار الساقط ومن دون قصد منه :

فهو عندما حرمنا من العيش الآمن فوق أرض وطننا قد أعطانا ضمنا إمكانية دخول أي دولة، و حق طلب العيش فيها بقوة القانون الدولي … همجية بشار أطلقتنا في البراري والبحار والغابات ، وعلمتنا كيف نعبر الحدود مع الحيوانات البرية ومن معابرها ، وهيأت لنا فرصة اختيار الانتماء لأي دولة راقية في العالم ، وأجبرتنا على السياحة في كل الأماكن التي كنا نحلم بزيارتها … صحيح نحن مشردين ومتسولين ، لكننا بذات الوقت سياح متفرغين متسكعين لا عمل لنا ولا وظيفة، ولا يترتب علينا أي التزامات .

بشار علمنا كيفية العيش بلا منزل وبلا حاجيات ، والسفر بلا حقائب وبلا أوراق ولا ثبوتيات ، وأخرجنا من عناء الانتماء للحي والعشيرة وحتى الأسرة والأصدقاء ، علمنا أن نحصل على المال والطعام واللباس بلا عمل ، وأن نعيش من دون طب وكهرباء ووقود …

طلبنا أن نتحرر منه في وطننا ، فبقي هو وحررنا نحن من الوطن والدولة … هجرنا من وطننا لكنه جعل من العالم كله وطنا للسوريين ، وجعل من سوريا وطنا افتراضيا نعيشه فقط عبر النت التي اذا انقطعت اختنقنا ، فهي رئتنا التي نتنفس منها وبها مواطتنا السورية.

المعلم بشار ( ابن حافظ الله يرحمه كما يقول ميشيل ) اعطانا من الحرية ما لا يملكه أي شعب ، أصبح باستطاعتنا أن نقتل و نخطف و نعذب ونستجوب ونشنق ونقطع الرؤوس ونغتصب ، وأعطى كل منا حق استعمال السلاح وممارسة هواية القتل بمن نشاء وحيث نشاء ، بل قدم لنا ولغيرنا ملعبا مساحته 185 الف كم ، يشبه السيرك الروماني ، نمارس فيه ما نريد من ألعاب الموت الحقيقية … التي شجعت كل هواة في العالم على القدوم والتمتع وتصوير أفلام القتل والحرق بورنو …

علمنا كيف نحول كل شيء لسلاح ، وأي مادة لطعام، أو متفجرات … حول كل منا لمخترع وملهم فذ ، وقدم امكانية لتحول كل (كرّ جحش ) لزعيم إذا ركب في قطار معارضته ولو مندسا، وجعل من كل مواطن دولة مستقلة ذات سيادة وقانون وجيش وناطق اعلامي وقاضي . وجعل من كل شلة مجلسا تشريعيا وقياديا ثوريا ، اخترع لنا ملايين المناصب الرفيعة والقيادات والمسميات ، حول كل شلة وقرطة متسكعين لهيئة دستورية ، تتكلم بأعظم وأهم القضايا ، وتبت بكل شيء وتخطط لكل شيء ، لكن على صفحات الفيس ومجموعات الواتس .

أعطانا حق أن نحيي ونميت ، وأن نرزق ونمنع ، وأن نبني حاجزا أينما نريد ، وأن نسمي دولنا الصبيانية بما نشاء .. خلافة إمارة تنسيقية مجلس أعلى هيئه ، سلطة ذاتية كتيبة لواء فرقة جيش ، أعطى لصحاب المهنة المتواضعة اسم صحابي جليل ، و ونصبه رئيسا لهيئة شرعية تحكم باسمه تعالى … جعلنا نبني حكومة وطنية نستطيع شتمها قدر ما نريد ، وهي تتقبل الشتم ، وتستحق ذلك بجدارة . واتاح تشكيل مجالس ذاتية تعتبر ذاتها قيادة وتختار ما تريد تمثيله وقيادته من الشعب رغما عنه.

علمنا أن كل شيء هو لا شيء… وأي شيء ثمنه رصاصة ، وأن البوست أهم من الواقع … بشار أطلق حريتنا عبر العالم ، وأخرجنا من كل قيودنا حتى الأخلاقية .. عشنا بفضله عصر البدائية والوحشية في أعظم العواصم … جعل من كل واحد منا مهما كان تافها سياسيا وعسكريا وصحافيا وقاضيا وشرعيا ومجاهدا وصاحب مشروع وطني ومنظرا وزعيما ورئيسا . فلو عددنا الكراسي الرئاسية المنتشرة في المؤسسات الوهمية هنا وهناك لوجدناها تفوق التعداد الوطني ، فكل مواطن هو رئيس ونصف رئيس . بينما (هو) البشار أقلنا رئاسة لأنه رئيس واحد فقط ، وتحت الإشراف الإيراني ، ومنزوع الشرعية عند أوباما ، ومعظم الدول اعترفت بفخامة رئيس الائتلاف ممثلا شرعيا للشعب السوري نكاية به .

بعد كل ذلك هل الاستمرار في شعار سقوط بشار سيعطينا المزيد من الحرية أم بقاءه هو ضمان لهذه الحرية النادرة ذاتها ، وهل خسارة بشار لمنصبه سوف تجعلنا نخسر ميزاتنا ومناصبنا وهي أكبر وأهم ، وهل نهاية النظام سوف تنهي الائتلاف الممثل الشرعي والوحيد والدائم لسوريا … وكيف سنعيش من دون بشار ومن دون الائتلاف وهم آخر من تبقى من سوريا المغتصبة…

من دون بشار والائتلاف قد تتوقف الحرب الأهلية ، و قد نطرد من الدول الأجنبية أيضا، ونعود كما كنا مواطنين في دولة جديدة لا نعرفها ، ومن دون صفة ولا منصب ، ومن دون حريات . نعمل وندفع الضرائب ونحترم القانون الشرعي ونقود سيارة ذات نمرة بشهادة سوق وضمن نظام المرور ومن دون سلاح ودوشكا ومرافقة !… لذلك أخشى أن اسقاط النظام هو عكس شعار الحرية التي أعطانا ايها بشار من أوسع مفاهيمها عندما ثرنا عليه … فهل يعقل أن نستبدل هذه الحرية الاستثنائية بحكم البغدادي أو زهران أو الجولاني والإخوان … ؟ و نعيش تحت رحمة عصي المطوعين الذين يجرون التفقد الصباحي في المسجد عند صلاة الفجر ، ويتحققون من صحة الوضوء والطهارة من الجنابة والحيض ، ويفتشون على شعر اللحية هل لامسه المقص … و رائحة أصابعنا هل لامست التدخين ، ليقصوا رقابنا بتهمة الإلحاد وسب الذات الإلهية المتجسدة في خليفة معصوم فقيه زمانه وعصره … لكنه محتجب يرتدي القناع لكي لا نستطيع رؤية وجهه.

لذلك أعتقد أنه علينا التروي ، وأن نفكر مليا قبل استكمال مشروع اسقاط النظام ، بل أن نذهب لديمستورا وموسكوا مع مؤتمري القاهرة وغيرهم من الباحثين عن وسيلة تمد في عمر النظام وتحفظ لنا بشار … الذي هو رمز سوريا الوحيد المتبقي ومصدر حريتنا المطلقة… لأن الذي سيترتب على سقوطه ، قد يكون أدهى وأمر خاصة وأنه سيترافق مع سقوط الائتلاف لزوما الذي شُكل لحماية بشار وبسببه . فهل يعقل أن نخسرهما معا ؟

في النتيجة لا فائدة من اسقاط بشار بعد الآن ، لأنه أسقط قبله سوريا ، و خرب السلطة والمعارضة معا ، و دمر ماضينا وحاضرنا وضمن خراب مستقبلنا أيضا من بعده الذي سيتحكم به معارضة أسوأ منه . لذلك نقول يلعن روحه وروح والده ووالدته وأولاده وآله أجمعين… . وروح كل من ادعى المعارضة وتمثيل سوريا وشعبها أو قيادة ثورتها … وأوصلنا إلى هذا الحال … آمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.