د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

في زحمة الأحداث العسكرية والسياسية والتحركات الدولية يسأل الشعب السوري نحن إلى أين … ولكي لا نطيل بالحديث نقول باختصار نحن ذاهبون للتقسيم مرحليا ومن دون الأسد ، ونحن هنا لا نتنبأ بل نقرأ ،

ولكي نعرف أكثر ما علينا إلا قراءة بيان فيينا لنعلم أن ما سيحدث هو عكسه تماما ، عملا بالنصيحة المعروفة عن التعامل مع النساء والتي تقول شاوروهن وخالفوهن ، فإذا سألت الكذاب عرفت الحقيقة . فبيان جنيف عبر بدقة عما يعاكس سلوك الدول تماما بكل الموضوعات ( وحدة سوريا ، استقلالها ، الحفاظ على الدولة والمؤسسات ) ليبدو هذا البيان مجرد نكته عندما يتحدث عن حماية المدنيين ، ودمج الجيش الحر بجيش النظام وانتخابات حرة ودستور ديمقراطي…   لكن ما يطمئن أنهم هذه المرة لم يغفلوا مصير الأسد بل ذكروا صراحة أنه باق 18 شهر على الأقل … مما يعني أنه سيموت … طالما أنهم كاذبون ويتكاذبون وطالما وجد هذا الافتراق بين القول والفعل …

أما لماذا وكيف ومتى سيقتل فهذا متعلق بأمرين الأول هو فشل محاولة تشكيل حكومة بأمرته وهذا ما يضع على الشعب مهمة التصدي لهذا الخيار وعدم ترك الانتهازيين والوصوليين يسيرون به عبر الضغط على مسار جنيف والحشد الشعبي لرفض بقاء الأسد . أو فشل الحكومة ذاتها وعجزها عن تحقيق المطلوب منها نظرا لاستحالة ذلك على الأرض  وتناقض مصالح الدول الداعمة شكلا …

والثاني هو محاولته ارضاء أطراف مختلفة متناقضة المصالح معا … وربطه مصالحها بشخصه ، مما يجعل من استهدافه وسيلة سهلة لهزيمتها … لكن التوقيت الذي سيجمع عليه كل الأطراف المتكالبة على سوريا هو التزامن مع اعلان التقسيم وفشل الحل السياسي ، فالأسد اعترفوا به رمزا لوحدة البلاد تموت بموته ، كما اعترفوا بالائتلاف ممثلا شرعيا للثورة ليبيع قرارها . ومثل الشعب السوري الذي ينتظر من المجتمع الدولي أن يحل له قضيته كمثل من أعطى القط جبنة ليقسمها …

… فسوريا مقسمة بحكم الأمر الواقع بين الدول النافذة التي ليس لأي منها مصلحة في مغادرة سوريا وتعمل على فرض منطقة نفوذ خاصة بها … لذلك ستفشل كل محاولات التوافق على حل وسيفرض التقسيم وستحرص هذه الدول فقط على فرض وقف اطلاق النار خوفا من انجرارها للتصادم العسكري لتصبح سوريا على الشكل التالي :

• – دويلة ذات أغلبية كردية في الشمال باشراف ورعاية أمريكية ،
• – ودويلة علوية في الساحل بإشراف وحماية روسية ،
• – ودويلة في حمص ودمشق تحت النفوذ الإيراني المتناغم مع الروسي ،
• – أمارة اسلامية سلفية في الشمال في ادلب وقسم من حلب برعاية تركية وبأصغر حجم ممكن…
• – وتبقى دويلة الصحراء بداعش أو ببديل صحوي سني قبلي يحكمها وهي مخصصة للعرب السنة … ولكل من يرفض العودة للمناطق الأخرى.
• – أما الجنوب فسيراوح مكانه تحت النفوذ الأردني لأن الإيراني ممنوعا من التواجد فيه بقرار اسرائيلي ،

وسيستمر هذا الحال بانتظار توافق العرب واسرائيل وقبول روسيا بدخول الجيوش العربية لاخراج إيران وتثبيت سوريا كاتحاد بين الدول المستقلة العلوية والسلفية والكردية والعربية ووو   استقرار الوضع نسبيا فيها …للتفرغ لتفكيك دول أخرى متبقية في المنطقة على رأسها ايران والسعودية معا بعد تسعير تصادم بينهما،  ثم يأتي دور تركيا ، قبل أن يبدأ تفكك الصين وروسيا ذاتهما خلال عشر سنوات .

ستستمر مسيرة التفكك هذه خاصة في الدول العربية والاسلامية بانتظار نضوج نظام عولمي جديد سيكون للهوية العربية والثقافة الاسلامية دورا مهما فيه ، كائنا ما كان حالهم السياسي ، فهي الهوية والثقافة الأهم في مواجهة وحدانية هيمنة الثقافة الأنغلوساكسونية البروتستانتية على النظام العالمي … فلنعمل على اعادة بناء هويتنا وثقافتنا وبشكل أهم فقهنا الديني بشكل ينسجم مع العصر ومفاهيمه وظروفه لنحشد أكبر عدد من الشعوب لتساهم معنا في صياغة المرحلة القادمة من النظام العالمي الذي تجاوز وإلى غير رجعة مفهوم الدولة القومية والدينية والدول ذات السيادة والحدود وما يزال يفتقر بشكل خطير لمنظومة القيم التي لا يصلح من دونها …